طبعلوم

الخنّاق الصدري المُستقرّ: التعريف، الأسباب والأعراض (د.طلال حمود)

 

بقلم د.طلال حمود

 

1– التعريف:

ينتُج الخنّاق الصدري المُستقّر عن عدم وجود  توازن بين حاجات عضلة القلب من الأوكسيجين والأغذية الأخرى التي تؤمّن الطاقة لعمل عضلة القلب، وبين  قُدرات الأوعية الدموية القلبية على تأمين هذه الحاجات، علماً أن تأمين هذه الحاجات يجب أن يتمّ بشكلٍ تلقائي ومُباشر لأن خلايا عضلة القلب  Heart muscle cells)  )  لا تمتلك “خزانات وقود” او “طاقة” بعكس الخلايا العضلية المُحيطة  Peripheral muscle cells)،) التي توجد في أماكن مُتعددة من الجسم والتي تحتوي على هكذا خزّانات. ونطلق على هذا العارض الخنّاق الصدري المُستقرّ لأنه يتسبّب بنوبات ألم في الصدر ناتج  عن  نقص التروية، الناتج بدوره عن نقص في كمية الدم الواصلة إلى عضلة القلب، وهو بدوره ناتج في اغلب الأحيان عن وجود إنسدادات  في الشرايين التاجية والتي تحصل نتيجة مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب. هذا المرض يُؤدّي كما قلنا سابقاً إلى ترسّب المواد الدهنية والكلسية والى تكاثر لبعض الخلايا في داخل جدار الشرايين، ما يُعيق وصول كمّيات الدم والأغذية المطلوبة الى مناطق من عضلة القلب التي تتألّم نتيجة ذلك. وقد يكون الألم أحياناً ناتجاً عن تشنّج هذه الشرايين وإنخفاض قُطرها تحت تأثير عوامل مُتعدّدة سوف نذكرها لاحقاً، ما يُؤدّي ايضاً الى النتيجة ذاتها، اي نقص تروية العضلة القلبية في اماكن مُعيّنة.

ومن اهم خصائص  هذا  الألم هو انه يحدث في كل مرة تقريباً على ذات درجة الجهد التي كان المريض قد قام به في الماضي، مثل صعود طابق او اثنين، او المشي لفترة 5 او 10 دقائق او لمئة او مئتي متراً مثلاً.  وينتهي الألم او يزول عادة بسرعة او بعد لحظات او دقائق معدودة من توقّف الجهد المذكور، ليعود ويظهر في الظروف ذاتها وليختفي بالطريقة ذاتها.

 

2– أسباب هذا المرض:

هناك في الواقع عدة اسباب مُمكنة لهذا المرض:

أ -مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب (Atherosclerosis) : وهو يُعتبر  السبب الأول لهذا المرض، بحيث أنه يتسبّب بحوالي %95 من الحالات.عوامل خطورته معروفة  ويمكن ان نلخّصها بالتدخين وارتفاع الضغط الشرياني والإصابة بمرض السكري وإرتفاع الدهنيات في الدم والبدانة وقلة الحركة والإكتئاب والتوتر وغيرها.

 

ب-تشنّج الشرايين التاجية للقلب (Vasospastic angina):  وهو حالة مرضية موجودة اكثر عند النساء قبل سن اليأس وعند الشباب خاصةً إذا كانوا من المُدخّنين. ويعاني خلاله المريض من حصول تشنّج موضعي في الشرايين التاجية للقلب قد يُصيب شرايين ظاهرها طبيعي، كما يظهر عبر “عمليات القسطرة القلبية” او “تمييل شرايين القلب”. لكن الدراسات التشريحية والدراسات بواسطة التصوير الصوتي للشرايين التاجية للقلب تُشير احياناً إلى وجود ترسّبات دهنية وكلسية خفيفة في جدارها في أغلب الأحيان, وهذا ما يُساهم في حدوث التشنّج.

 وتُؤكّد دراسات اخرى انّ التشنّج يحصل احياناً ايضاً نتيجة حصول خلل في وظيفة البطانة الداخلية للشرايين التاجية للقلب (Endothelial dysfunction)، وهذا ما يجعل الشرايين تتشنّج بسرعة نتيجة إفرازات موضعية لمواد مُعينة او نتيجة خلل مُعيّن في وظيفة الجهاز العصبي اللا-إرادي الذي يلعب دوراً كبيراً في التوازن الدقيق الذي يُراقب ويُعدّل كمية الدم المُتدفّقة عبر شبكة الأوعية الدموية. ويتميّز هذا المرض بخطورته لأن قد يُؤدّي احياناً كثيرة الى حصول ذبحات قلبية حادة او الى الموت المفاجئ نتيجة تسبّبه بإضطرابات خطيرة في ضربات القلب. في كل الحالات يجب إعطاء كل العلاجات المناسبة التي تمنع حصول تشنّج الشرايين وإيقاف التدخين قطعاً بسبب خطورة الإستمرار به.

 

ج-مُتلازمة X التاجية:  Coronary X syndrome) )  وهو مرض تحيّر الأطباء في وصفه ومعرفة اسبابه والآليات التي تُؤدي له. فهو كما مرض تشنّج الشرايين يتميّز معه بإنه يُصيب اكثر الأشخاص الشباب (ما تحت عمر ال 50 سنة) ويصيب النساء ايضاً بشكلٍ عام. ويتسبّب بآلام صدرية مُتكرّرة تستدعي الإستشارات المُتكرّرة عند اطباء القلب او الدخول المُتكرّر الى المستشفيات. ورغم القلق والإزعاج الكبير الذي تتسبّب به هذه المتلازمة فإنها لا تُؤدي لحسن الحظ، لحصول اعراض خطيرة او حالات وفاة مُفاجئة كما في حالة مرض تشنّج الشرايين التاجية. وعندما يخضع هكذا مرضى لعمليات قسطرة قلبية نجد ان الشرايين التاجية للقلب عندهم طبيعية في كل الأحيان. وقد يوجد عليها بعض التكلّس او الترسّبات في بعض الحالات، لكن درجة هذا التكلّس او الترسّبات اقل بكثير مما قد نجده في حالة مرض تصلّب الشرايين.

ويعتقد الخبراء ان سبب هذا المرض هو وجود خلل في وظيفة “الشعيرات الشريانية الصغيرة” التي تتفرّع من الشرايين التي تجري على سطح القلب، والتي يعتقد الخبراء انها تُصبح اكثر حساسية على العوامل التي تزيد من تقلّصها وتشنّجها، ما قد يُؤدي الى حصول نقص مُؤكد في تروية عضلة القلب، كما تُؤكد معظم الدراسات العلمية الدقيقة. ويتصاحب هذا المرض بإنخفاض كبير في “عتبة تحسّس الألم” الآتي من القلب في الدماغ، مما يجعل هؤلاء الشباب او السيدات يشكون اكثر من الألم الصدري وشدّته، لأنهم يصبحون اكثر حساسية على الآلام حتى لو كانت تلك الآلام خفيفة جداً، ولذلك فهم يستشيرون الأطباء او يذهبون الى الطوارئ بشكلٍ مُتكرّر بسبب ذلك.

إذاً هذا المرض يُصيب أساساً العملية الإستقلابية في عضلة القلب بسبب نقص ترويتها، ويتسبّب بآلام صدرية مُستقرّة مع علامات خفيفة على تخطيط القلب وإرتفاع طفيف في المؤشرات البيولوجية للإلتهابات. ويتحسّن هؤلاء المرضى مع تناول الأدوية المُناسبة لعلاج نقص تروية عضلة القلب من عائلة “مثبّطات بيتا” (Beta blockers)،  او “مثبطات الكالسيوم” (Calcium channels (blockers و”مشتقات النيتروغليسرين”.

وقد نضطّر في الكثير من الأحيان لأن نصف لهم بعض “ادوية الأعصاب والإكتئاب والمهدّئات” بسبب ازدياد حدّة الأعراض عندهم في حالة القلق والتوتر والضغط النفسي، او لتخفيف حالات الإكتئاب التي تُصاحب هذه المتلازمة، ولكن مُستقبلهم يبقى جيد بشكلٍ عام، ونستطيع إيقاف كل الأدوية خلال سنة او سنتين على ابعد تقدير، الا اذا ما تحوّل المرض الى مرض نفسي وتسبب في إكتئاب دائم، فهنا ندخل في دوامة الدخول المُتكرّر الى المستشفيات من اجل إجراء الفحوصات وتخطيط القلب والقسطرة وغيرها من الفحوصات التي ستبقى طبيعية في غالب الأحيان، وهنا يجب ان يتمّ العلاج قطعاً عند الأطباء النفسانيين.

 

 د-اسباب اخرى مُتنوّعة: قد يكون سبب الخنّاق الصدري المستقرّ التعرّض لعلاج بواسطة الأشعاعات  Radiotherapy)  ) من اجل علاج اي تورّم خبيث في منطقة الصدر.

اخيراً، قد يكون هذا العارض ناتجا عن بعض التشوّهات الخلقية في الشرايين التاجية للقلب، أو الإصابة بمرض الزهري   Syphilis)  ) أو عن إستعمال بعض الأدوية السرطانية مثل دواء ال  5 Fluorouracil  وغيرها من الأدوية التي تتسبّب بحصول تشنّجات في الشرايين التاجية للقلب.

من ناحية اخرى، قد يكون السبب ناتجاً عن زيادة حاجات عضلة القلب من الأوكسجين والطاقة بسبب تضخم عضلة القلب الذي قد نراه في مرض إنسداد الصمّام التّاجي للقلب، أو في بعض الحالات المُتقدّمة من مرض قصور الصمام التاجي ا للقلب, او في بعض أمراض العضلة القلبية التي تتصاحب بزيادة سماكة العضلة بشكلٍ كبير  Hypertrophic cardiomyopathy .  وقد يكون الخنّاق الصدري ناتجاً ايضاً في بعض الأحيان عن خلل وظيفي يُؤدّي إلى تفاقم الأعراض الناتجة عن إنسدادات الشرايين، كما نرى في بعض الحالات التي تزداد فيها حاجات عضلة القلب من الأوكسيجين والأغذية التي تُولّد الطاقة، وذلك بسبب بعض حالات الإضطراب والتسرّع في ضربات القلب، كما نرى مع مرض الرجفان الأذيني او الرفرفة القلبية وغيرها من امراض شبكة كهرباء القلب، او عند إرتفاع درجة حرارة الجسم، أو في حالات قصور الغدة الدرقية، أو عند أستعمال بعض الأدوية التي تزيد من سرعة القلب، مثل منشطات القلب   Inotropic drugs ، أو أدوية الربو  Beta mimetics  وغيرها.

وقد نرى ايضاً هكذا اعراض في بعض الحالات المرضية الأخرى، حيث يحدث هبوط في كميات الأوكسجين الواصلة إلى القلب، كما في حالات فقر الدم المُتقدّم أو عند هبوط نسبة الأوكسيجين في الجسم (مشاكل رئوية مُزمنة مُتقدّمة جداً او مشاكل حادّة)، أو عند هبوط الضغط الشرياني بشكلٍ كبير.  وتجدر هنا الإشارة إلى ان كل هذه العوامل قد لا تكفي لوحدها لحدوث آلام صدرية في حال كانت شرايين القلب طبيعية، لكنها قد تُفاقم الوضع وتُؤدّي إلى كشف المرض عند الأشخاص الذين يُعانون من تصلّب في الشرايين التاجية للقلب حتى لو كانت درجته غير مُتقدّمة.

 

3- الأعراض:

كما ذكرنا سابقاً يتميّز الخنّاق الصدري المُستقرّ بعدّة خصائص من أهمها علاقته بالجهد، بحيث أنه يُصيب المريض في ظروف معينة،  مثل المشي لمسافة معينة غالباً ما تكون هي ذاتها في كل مرّة قبل حدوث الأعراض (ومن هنا كلمة مُستقرّ). وقد يكون التعرّض للبرد أو للهواء البارد هو العامل المُسبّب للأعراض. وأحياناً قد يكون السبب هو الإنفعال أو التوتر أو تناول وجبة طعام دسمة. وتزداد شدّة الألم بسرعة ويكون مكان الألم وراء عظمة وسط الصدر التي تسمّى عظمة القصّ  Sternnum  في %80 من الحالات. وقد يصعد الألم إلى الرقبة والفكّ الأسفل والكتف الأيسر والذراع الأيسر في بعض الأحيان. ويتميّز هذا الألم بأنه “ضاغط” أو “خانق” للمريض بحيث أن المريض يصفه بهذه الصفات في غالب الأحيان (خنّاق صدري). وقد يصفة أيضاً وكأنّ شيئاً ما يسحق او يضغط على قفصة الصدري أو بشكل حرقة تصعد من أعلى المعدة إلى الأعلى. وعادة يزول هذا الألم بعد مرور دقيقتين الى خمس دقائق من توقّف الجهد. وغالباً في أقل من 5 دقائق من توقّف المريض عن القيام بالجهد في اقصى حدّ، أو بعد تناول مادة مُوسّعة للشرايين من عائلة  الـ (Nitrates) او غيره من المواد المُوسّعة للشرايين. وفي بعض الأحيان يُصاحب الألم الصدري ضيق في التنفّس، أو إضطراب في ضربات القلب، أو شعور بتوقّف التنفّس أو صعوبة في التنفّس عند الأجهاد، وعادةً ما يكون هذا العارض تحديداً والذي يعرفه اطباء القلب جيداً دليل قاطع على وجود مشاكل في شرايين القلب.

 

*د. طلال حمود- طبيب قلب وشرايين، مُتخصّص في الطبّ التدخّلي للقلب وفي امراض القلب عند المُصابين بمرض السكري وعند الرياضيين.مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى