سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف:التدقيق الجنائي بين التعمية والدفن

 

الحوار نيوز – خاص
لم تر الصحف الصادرة اليوم في خطوة مجلس النواب في شأن التدقيق الجنائي عملا  إيجابيا ،وتراوحت مواقفها بين التعمية ودفن هذا الموضوع.

 

• كتبت "النهار" تقول: لان يخرج الجميع رابحين من جلسة كتلك التي عقدها امس مجلس النواب و"استجاب"فيها لرسالة رئيس الجمهورية ميشال عون متخذا قرارا بتوسيع التدقيق المالي الجنائي ليشمل كل مؤسسات الدولة، فهذا من البدع والابتكارات المشهودة في التوازنات السياسية والنيابية اللبنانية التقليدية، ولا يشذ اطلاقا عن اطار التسويات التي غالبا ما تطبع الخروج من مآزق يراد لها ان تنتهي بلا غالب ولا مغلوب. ومع ذلك يبدو طبيعيا جدا ان تفضي حفلة الزجل والمزايدات التي اطلقت على الغارب في شأن التدقيق الجنائي الى طرح الاسئلة الجوهرية الأساسية على السنة الناس:هل فعلا ستشهد مؤسسات الدولة اول واوسع عمليات تدقيق جنائي منذ تأسيس الجمهورية والدولة اذا سلمنا جدلا انها ستستكمل بعد التدقيق في حسابات مصرف لبنان ؟ ووفق أي آليات تنفيذية وقانونية وقضائية ستنطلق هذه"الثورة الإصلاحية " بكل ما للكلمة من معنى؟. واذا كان التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وحده استلزم هذا المخاض، وانتهى الى انتكاسة في مهده، فما هو الوقت المقدر لاعادة اطلاق العملية وإنجازها في المصرف المركزي وهل ستكون قمة برمجة زمنية واضحة ومحددة للانتقال تباعا الى عشرات المؤسسات الأخرى في الدولة ؟

يمكن طرح عشرات التساؤلات بطبيعة الحال حول الآليات التفصيلية للتدقيق الجنائي في كل مؤسسات الدولة والصناديق والمصالح المستقلة عقب القرار الذي انتهت اليه جلسة مجلس النواب امس، ولكن ذلك سيغدو ترفا مبكرا لا مكان له راهنا قبل فرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود بين الدلالات الجادة لنتائج الجلسة وما اختلط فيها مما سمي حفلة مزايدات عارمة. والحال انه على صعوبة التنكر للطابع الساخر الذي اكتسبه الاجماع التعبيري والكلامي المزايد ومن ثم التأييد الجماعي للقرار الذي انتهت اليه الجلسة، فانه لا يمكن تجاهل بعض الخلاصات البارزة سياسيا في مناخ هذه الجلسة وحصيلتها. ذلك ان قرار تثبيت التدقيق الجنائي وتعميمه وتوسيعه وان ارضى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي واعتبراه إنجازا للرئيس، فانه يعتبر ضمنا ردا ذكيا للكرة النارية التي أراد رئيس الجمهورية رميها في مرمى المجلس بحيث تلقفها رئيس مجلس النواب نبيه بري وقام بما يعرفه الجميع بتوليف الإخراج الحذق واطلقه بالتنسيق مع كتل أساسية كبيرة، فكان تعميم التدقيق الجنائي سحبا للبساط من تحت اقدام الفريق الرئاسي ومن يؤيده في حصر التدقيق بمصرف لبنان وحده. واما الدلالة الأخرى البارزة فتتمثل في ان الافرقاء (الثلاثة) الذين كانوا يحتكرون قبل الجلسة صفة التأييد وحدهم للتدقيق الجنائي ويعيرون الاخرين بانهم يناهضونه ويغمزون من قناة حمايتهم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فقدوا هذه الورقة تماما بعد الاجماع النيابي على تأييد التدقيق الجنائي في كل مؤسسات الدولة بدءا بمصرف لبنان. واما الدلالة الثالثة البارزة فتتمثل في ان مجموع الكتل النيابية حاولت تحسين صورتها امام الرأي العام الداخلي، والاهم امام المجتمع الدولي، مع عودة تحرك المبادرة الفرنسية والاستعدادات التي تبذلها فرنسا لعقد مؤتمر دولي افتراضي في الثاني من كانون الأول المقبل لحشد المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني، وهي تحسين صورة من خلال اطلاق رسالة جماعية عن تأييد مجلس النواب للتدقيق الجنائي الشامل المتكامل كاولوية إصلاحية مسلم بها في معايير المحاسبة الجنائية ومكافحة الفساد والمساءلة والسعي الى إحلال ثقافة الشفافية.

القرار ومفاعيله
واما القرار الذي خلصت اليه الجلسة وتسلمت نصه رئاسة الجمهورية مساء امس فيتسع لمروحة غير مسبوقة من المؤسسات والإدارات وينص على "اخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافه". ويثير اتخاذ القرار مفعولا قانونيا جديدا لجهة انه يشكل تغطية لحاكمية مصرف لبنان في تسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي من دون التوقف عند موجبات السرية المصرفية بعد الان الامر الذي يستدعي التساؤل هل انتهت السرية المصرفية في لبنان؟ واي تأثير لهذا التطور على المنازعات المتصلة بحسابات المودعين اذا استدعت رفعا للسرية المصرفية ؟ وهل يوجب الامر اصدار قانون وليس الاكتفاء بقرار؟

وقد استبق بري إقرار القرار المعد سلفا جماعيا فبادر مع بداية الجلسة الى "التمني مسبقا ان يجمع المجلس على التدقيق الشامل"، معتبرا ان رسالة الرئيس عون الى المجلس "جاءت في الوقت المناسب والى المكان المناسب وفي مرحلة حساسة ". وسارع الرئيس عون عقب انتهاء الجلسة الى اعتبار "تجاوب مجلس النواب مع رغبتنا في تحقيق التدقيق المالي الجنائي في مؤسسات الدولة وإداراتها إنجازا للبنانيين الذين يريدون معرفة من هدر مالهم واستباح رزقهم كما هو اطلالة مضيئة على المجتمع الدولي المتضامن معنا في معركتنا ضد الفساد والهدر".

الوزير والقضاء
الى ذلك وعلى هامش الانشغال بالجلسة النيابية حصل صدام عنيف بين الجسم القضائي ووزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي الذي شن هجوما لا سابق له على لسان وزير على الجسم القضائي ووصف في مقابلة تلفزيونية قضاة لبنان بانهم فاسدون بنسبة 95 في المئة منهم الامر الذي فجر غضبا قضائيا واسعا وردود فعل ساخطة. وعلى الأثر عقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعا استثنائيا وقرر بالتوافق مع رئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة الطلب من النائب العام التمييزي اتخاذ الاجراء القانوني الملائم بحق وزير الداخلية بسبب ما صدر عنه في الحلقة التلفزيونية كما قرر الطلب الى رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل تقديم كل مراجعة قضائية لازمة. كذلك انتقدت نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس الوزير فهمي بشدة لتعرضه لهيبة القضاء وطالبتاه "بإزاء تراكم التصرفات المشبوهة للوزير المستقيل لإعفاء نفسه من مهماته فورا وترك موقعه والرحيل على ان يكلف موقتا وزير الداخلية بالوكالة تسيير شؤون الوزارة الى حين تأليف الحكومة ".

 

• وكتبت "الأخبار": تقول:أقام المجلس النيابي رسمياً يوم أمس مراسم دفن التدقيق الجنائي وأيّ أمل بتنفيذ أيّ إصلاح مالي ونقدي تمهيداً لإعادة النهوض باقتصاد الدولة ومؤسساتها. هكذا، شرّع المجلس البلد، تحت عنوان حرصه على مصيره، أمام الإفلاس والفوضى. زايدت الكتل النيابية بعضها على بعض بتوسيع دائرة التحقيقات لتشمل كل مؤسسات الدولة، لا مصرف لبنان فقط، لكنها لم تصدق "كذبتها" فانتهت بإقرار توصية غير ملزمة لإخضاع الكل للتدقيق.


تكررت العبارة على مدى ساعتين من انعقاد الجلسة النيابية لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون يوم أمس: "هذه الجلسة مصيرية". قالها رئيس مجلس النواب نبيه بري وغالبية النواب. كان يفترض إذاً أن يعكس قرار المجلس النيابي الأهمية التي يبديها لمسألة رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان، بعد رفض حاكمه رياض سلامة التجاوب مع مطالب شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز إند مارسال". لكن ما قُدّم على أنه يحدد مصير البلد انتهى بإقرار "توصية" بإخضاع مصرف لبنان والوزارات والمجالس والمؤسسات المالية والصناديق والبلديات كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية. وفي اللغة القانونية، ليست التوصية سوى فولكلور لا يمكن صرفه سوى في الإطار الشعبوي، للتغطية على رغبة حماة سلامة بإعفائه من المحاسبة. إذ كيف لمن أعطى الذريعة لحاكم مصرف لبنان وكل المبررات لتمرّده على الدولة، وأمّن له ولجمعية المصارف خروجاً آمناً من تحمّل المسؤولية، أن يكون هو نفسه من سيلزمه بالخضوع للتدقيق الجنائي. ذلك يؤكد مرة أخرى أن من أوقعوا البلد في الانهيار نتيجة مشاركتهم بكل الموبقات المالية والنقدية المرتكبة على مدى سنوات، بالتواطؤ مع حليفهيما الرئيسيين رياض سلامة والمصارف، لن يسمحوا بالدخول الى مغارتهم لإصلاح ما ارتكبوه. فكان "أرنب" خلاصهم يوم أمس، توسيع التدقيق ليشمل كل مؤسسات الدولة ووزاراتها وصناديقها، بالتوازي مع التدقيق في حسابات المصرف المركزي، ضاربين عصفورين بحجر: إمرار مسرحية تبرئة ذمم أصدقاء الحاكم، والمزايدة على المطلب الأساسي تمهيداً لتطييره لمعرفة أركان النظام المسبقة استحالة تنفيذ هذه القرارات، لا لشيء سوى أنهم أنفسهم سيحولون دون الدخول الى هياكل الإدارات.


لذلك يبدو هذا المطلب سوريالياً وغير ذي جدوى. فالوزارات والمؤسسات العامة تخضع للمحاسبة عبر أجهزة الرقابة الممثلة بديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وللنيابات العامة المالية والتمييزية ولمجلس الخدمة المدنية. كما أن كل حسابات الدولة، التي أنجزتها وزارة المالية في عهد الوزير علي حسن خليل، موجودة في ديوان المحاسبة، ولا يحتاج التدقيق فيها إلى شركة عالمية، ولا إلى قانون خاص. ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الوزارات والإدارات بإمبراطورية رياض سلامة غير القابلة للمسّ. إذ يتعذر على أي جهاز أو أي سلطة، إن كانت تنفيذية أو تقريرية أو قضائية الاطلاع على الحسابات المتبادلة بين مصرف لبنان والمصارف بخلاف حسابات الدولة المالية وحساباتها مع المصرف المركزي. وهذا دليل إضافي على النية الكامنة وراء "تكبير الحجر" لتحوير الأنظار عن القضية الرئيسية، أي تمرّد سلامة على قرارات الحكومة والقانون، للحؤول دون الكشف عن وجهة هدر الأموال وكيف تبخرت ودائع الناس، ومن المستفيد الأول من هذا المخطط الاحتيالي. هكذا، اكتفى رئيس مجلس النواب بإقرار توصية في ظرف دقيقة واحدة، ومن دون نقاش حول جدواها أو تعيين موعد لجلسة تشريعية حتى يصار الى إرفاق هذه التوصية بآليات قانونية ملزمة. لكن لا همّ، رفع النواب أياديهم عالياً وسط تصفيق حادّ، فالكلّ يبصم على التدقيق الجنائي ويريد معرفة الحقيقة، فيما خرج بعضهم مباشرة لزفّ الإنجاز الوهمي الى وسائل الإعلام والناس. وجرى تجاهل ثلاثة مشاريع قوانين مقدمة الى المجلس في هذا الخصوص، أحدها من كتلة الرئيس بري، والمشروعان الآخران من حزب القوات واللقاء التشاوري. فأعاد مجلس النواب كرة رئيس الجمهورية الى الحكومة التي يفترض بها التفاوض مجدداً مع شركة التدقيق لحثّها على الرجوع عن "استقالتها"، أو تعيين شركة تدقيق جديدة لتدخل مجدداً في نفق سلفها. بمعنى آخر، أطاح حزب المصارف مجدداً التدقيق الجنائي وأي أمل بإجراء إصلاحات في النظام النقدي والمالي، مشرّعاً البلاد التي ادّعى حرصه على مصيرها أمام الانهيار التام والفوضى الشاملة.
العناوين البرّاقة


في متن الجلسة التي لم تنقل مباشرة على الهواء، حصلت مداخلات من كل الكتل النيابية وبعض النواب المستقلين. الجدير بالذكر هنا أن غالبية الكتل تحدثت عن قوانين أو تشريعات تسمح برفع السرية المصرفية لمدة مؤقتة، باستثناء التيار الوطني الحر الذي طالب بتوصية قبيل إقرارها من قبل بري. فالنائب محمد رعد الذي تحدث بالنيابة عن كتلة الوفاء للمقاومة، أعلن "تأييد الكتلة إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في مصرف لبنان، وموافقتها على أن ينسحب الى سائر مرافق الدولة العامة". وأكد أنه في حال "كانت السرية المصرفية هي الذريعة التي تحول دون تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة للتدقيق الجنائي وفق القوانين النافذة، فإننا نقترح إقرار استثناء موضعي ومؤقت في قانون يعالج هذا المانع الراهن، فهذا أسهل وأسرع تدبير لمعالجة هذه الثغرة". أما النائب في تكتل "لبنان القوي" إبراهيم كنعان، فدعا الى "موقف استثنائي يتجاوز الجدل القانوني المشروع ويؤمن للبنانيين حقهم في معرفة مصير ودائعهم، من خلال توصية تدعو الى الاستجابة لمضمون رسالة فخامة الرئيس بالدعوة الى استكمال التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، تمهيداً لتعميمه على كل مؤسسات وإدارات الدولة". وكان لافتاً الاستنتاج الذي خلص إليه النائب في كتلة المستقبل سمير الجسر، الذي أشار الى أن "المصرف سلّم بعض المستندات التي لا تشملها السرية المصرفية بدون تحفظ.
أما المستندات التي يعتبرها محكومة بهذه السرية، فقد سلمها إلى الدولة من خلال وزارة المالية، تاركاً للوزارة أن تتحمل مسؤولية تسليمها للتدقيق. فتوقف الوزير عن تسليمها حتى لا يتحمل وحده هذه المسؤولية. وهذا يعني أن مصرف لبنان لم يتمنّع عن تسليم المستندات، بل سلّمها إلى الدولة من خلال وزارة المالية لتتحمل هي مخالفة قانون السرية المصرفية. ويتبيّن من رسالة الرئيس أن الشركة أنهت العقد لأن لديها نقصاً في اليقين من أن هذه المستندات ستكون متوافرة". كلام الجسر استدعى محاولة رد من وزير المالية غازي وزني، من دون أن ينجح نتيجة عدم موافقة رئيس المجلس على طلبه. لاحقاً، ردّ النائب علي حسن خليل بالنيابة عن وزني، مؤكداً أن كل ما أحيل الى وزير المالية وضعه بتصرف الشركة ولم يخفِ شيئاً عنها. وكان الجسر قد تابع كلمته قائلاً إن "الموقف الطبيعي والدستوري الذي يستطيعه المجلس هو إصدار تشريع يقرر التدقيق المحاسبي والجنائي في أعمال مصرف لبنان مع تعليق العمل بقانون السرية المصرفية في ما يتعلق فقط بمصرف لبنان ولمدة محدودة".
بدوره، النائب في كتلة اللقاء الديموقراطي هادي أبو الحسن وصف ما يتم بحثه بعملية تضليل للناس عبر طرح عناوين جذابة براقة مثل أموال المودعين واستعادة الأموال المنهوبة، فيما القصد هو تصفية حسابات. وطالب بمصارحة الناس: "أخبروهم بأن التحقيق سيستغرق أشهراً وربما سنوات والبلد لا يحتمل أكثر من شهرين أو ثلاثة".


"وقاحة" سلامة
حزب القوات االلبنانية كرّر، عبر النائب جورج عدوان، موقفه بأن قرار الحكومة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، "لا تشوبه شائبة، وما فعلته كان عملاً عظيماً (…) لكنه اصطدم بادّعاء سلامة استقلاليته التي من المفترض أن نهنّئه عليها لأن الليرة والودائع بألف خير!". وقال عدوان إن أي دولة لن تساعد لبنان من دون التدقيق الجنائي، لذلك يجب "تأييد رسالة رئيس الجمهورية والسير في التدقيق الجنائي في المصرف كبداية ومنطلق لكل المؤسسات"، ما دفع بري إلى مقاطعته: "ليش بعدين"، فأردف عدوان أنه مع توسيع التدقيق، مطالباً الحكومة بالعجلة لتكليف شركة جديدة والتحقق من صحة الادعاءات حول الشركات التي أبعدت تحت عنوان التعامل مع إسرائيل. أما النائب في كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل فرفع الصوت عالياً، معلناً أن شعار الكتلة "لا غطاء على أحد ولا سرية ولا تغطية على من سرق أو أهدر المال العام، ولا يجب أن يكون هناك محظورات". استتبعها بطلب عدم إصدار بيان تأييدي لرسالة عون، بل إصدار قانون واضح يُخضع كل الإدارات للتدقيق الجنائي سواسية. إلا أن رئيس كتلته ورئيس مجلس النواب لم يلتزم برأي "التنمية والتحرير"، فاقترح إقرار مجرد توصية.
من جهته، تحدث النائب فؤاد مخزومي عن وقاحة سلامة في الذهاب الى باريس للطلب من البنك المركزي الفرنسي التحقيق في حساباته: "بأيّ صفة يعطي لنفسه الحق بتكليف دولة ثانية في التحقيق لدينا؟ لمين تابع هيدا الشاب؟". من جانبه، سأل النائب جهاد الصمد إذا كان الهدف تطبيق مقولة "عفا الله عما مضى بهدف بيع أصول وأملاك الدولة ورهنها لمصلحة من أساء ائتمان مال الناس كجمعية المصارف، أو من أساء ائتمان المال العام في حاكمية مصرف لبنان ومعظم الوزارات المتعاقبة منذ 1993 حتى الآن؟". النائب أسامة سعد استنكر طلب حلول مجلس النواب مكان الحكومة، وقال إنه "ليس ضد توسيع التدقيق، لكن الحمايات السياسية ستمنع ذلك". فيما تحدث النائب فيصل كرامي عن أن اللقاء التشاوري تقدم باقتراح قانون "من باب سدّ الذرائع، فاقترحنا عقوبات بحق من يمتنع عن إعطاء المعلومات. لماذا يعطي المصرف المركزي الفرنسي كل المعلومات ولا يعطيها للحكومة اللبنانية؟". ودعا الى عقد جلسة تشريعية.
في الختام، صدّق الجميع على اقتراح كنعان المؤيَّد من بري بإقرار توصية لإخضاع المصرف المركزي وكل المؤسسات العامة للتدقيق الجنائي. كما جرى إقرار اقتراح قانون مقدّم من كتلة "التنمية والتحرير" يقضي باعتبار شهداء انفجار مرفأ بيروت بمثابة شهداء في الجيش اللبناني، واعتبار جرحى الانفجار مستفيدين من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مدى الحياة.

 

السيد: لا شأن لنا بخلاف بين الحكومة وموظّف
تناول النائب جميل السيد ملف التدقيق الجنائي بمقاربة مختلفة عن مقاربة زملائه، معتبراً أن "السلطة التنفيذية تشكو إلينا رفض موظف تنفيذ قرارها، ونحن كمجلس نيابي لا شأن لنا بهذا النوع من الخلافات". وأشار الى أنه يمكن للحكومة إصدار قرار ملحق يلزم حاكم مصرف لبنان بالتقيد به، وهو قرار تكميلي ينسجم مع تصريف الأعمال". وسأل: "هل حاكم مصرف لبنان هو إله؟ من يكشف له السرية المصرفية غير السلطة التي عينته"؟ وعدّد أسباب إقالة الحاكم: "وضع صحي أو إخلال وظيفي أو خطأ فادح. كان يقول لنا إن الليرة بألف خير، وفجأة خربت الدني". ووصف رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي بأنها دستورية في الشكل، لكنها في المضمون "كب مشكلة. وهذه فكرة خاطئة من أحد مستشاريه مثل أرسطو. واجباتنا الرد على هذه الرسالة، فكل القوانين تسمح للحكومة بأن تتصرف. أنا ضد مشاريع اقتراحات القوانين. منذ عشرة أشهر، نضيّع الوقت وعلينا أن نحمّل المسؤولية للحكومة. ونرى أن هذا الموضوع هو مسؤولية الحكومة كونه يرتبط بموظف كبير. هناك آلية للمحاسبة والتدقيق. والمطلوب تنفيذ القانون وليس اختراع قوانين جديدة".


سعادة ينعت سلامة بـ"الصرماية"
كالعادة، شرح النائب سليم سعادة المشهد العام بطريقة طريفة، مستحضراً كل أبطال المافيا لوصف رياض سلامة. وقال إن التزوير والاختلاس يمكن كشفهما بالتدقيق المحاسبي العادي، أما الاحتيال فلا ينفضح إلا عبر التدقيق الجنائي. والاحتيال هو من أدخل "بونزي" و"ال كابون" الى السجن. في حالتنا، بدلاً من أن "يطفّش" المحقق، أي التدقيق الجنائي، المجرم، قام المجرم بـ"تطفيش" المحقق. ومصرف لبنان هو "دون كورليوني" المصارف وهو الذي مدّهم بالهندسات المالية والقروض المدعومة. كل ذلك احتيال. ودعم السلع احتيال لا يؤدي سوى الى دعم التاجر. وعقّب سعادة واصفاً رسالة عون بالقول: "لمّا فخامة رئيس البلاد بيشتكي عموظف بيسوى صرماية"، فاعترض الرئيس نبيه بري على قوله.


• وكتبت "الجمهورية" تقول: محاولات لخرقٍ حكومي قريب.. والمجلس يتجاوَز رسالة عون: تدقيق شامل
الحدث الداخلي الوحيد الذي سُجّل أمس، تجلّى في القرار الذي اتخذه مجلس النواب بشمول التدقيق الجنائي كل قطاعات الدولة ومؤسساتها من دون استثناء، متجاوزاً بذلك رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي ركّزت في مضمونها على التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
وعلى الضفة الاخرى من المشهد الداخلي، يبقى الانسداد الكلّي حاكِماً مَسار تأليف الحكومة، والتواصل حوله مقطوع بين الشريكين فيه: رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف سعد الحريري. فيما فرضَ الحضور الفرنسي المتجدد نفسه بنداً أوّلاً على جدول المتابعات الداخلية، مَقروناً بسؤال: هل ستجد الدعوة المتجددة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لسلوك خريطة الطريق التي رسَمها في مبادرته الإنقاذيّة للبنان، مَن يَستجيب لها؟
جلسة التدقيق
مجلسيّاً، بنى مجلس النواب على رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ليُوَسّع نطاق هذا التدقيق ليشمل كل مؤسسات الدولة. واللافت في هذا السياق مُسارعة رئيس الجمهورية، الذي تسلّم قرار المجلس مساء أمس، الى الترحيب بقرار المجلس، فكتب في تغريدة له: "تَجاوب مجلس النواب مع رغبتنا في تحقيق التدقيق المالي الجنائي في مؤسسات الدولة وإداراتها، إنجاز للبنانيين الذين يريدون معرفة مَن هَدر مالهم واستباح رزقهم، كما هو إطلالة مضيئة على المجتمع الدولي المتضامِن معناً في معركتنا ضد الفساد والهدر".
على أنّ هذا الإنجاز على أهميّته، يفتح على أسئلة كثيرة: هل سيُطبَّق هذا التدقيق فعلاً، وكيف سيًطبَّق؟ وهل سيحقّق الغاية المرجوّة منه؟ والأهم متى سيبدأ؟ أم أنّ هذا القرار بالتدقيق الشامل سيوضَع في الادراج ويبقى مجرّد حبر على ورق؟
كما يُقال، العِبرة ليست في اتخاذ القرار، بل هي في حسن تطبيقه في الاتجاه الذي ينحى الى تحديد مكامن الخلل الاساسية، والمسؤول الحقيقي عن افلاس الدولة وهدر اموالها، واين ذهبت تلك الاموال، وما يستتبع ذلك من تنظيف الدولة ومؤسساتها من المرتكبين ومحاسبتهم. والأهم قبل كل شيء طَمأنة اللبنانيين الى ودائعهم ومدّخراتهم المُصادرة في المصارف.
وإذا كانت الرسالة الرئاسيّة قد توَخّت في مضمونها حصر "الاتهام" بـ"مصرف لبنان" وحصر التدقيق في حساباته، فإنّها لم تجد لها نصيراً في المجلس النيابي، سوى تكتل "لبنان القوي"، فيما سائر المكونات النيابية نَحَت في اتجاه التدقيق المُعمّم على كل قطاعات الدولة ومؤسساتها ووزاراتها من دون استثناء. ويسجّل في هذا السياق، دور "المايسترو" الذي أدّاه رئيس المجلس نبيه بري في إدارة الدفّة النيابية في هذا الاتجاه، وصولاً الى القرار النهائي الذي أصدره المجلس، وفيه: "جواباً على رسالة فخامة رئيس الجمهورية في ما يتعلق بالتدقيق الجنائي، وبعد مناقشة مضمون الرسالة، إتخذ المجلس النيابي القرار التالي: تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أيّ عائق او تَذرّع بسريّة مصرفيّة أو خِلافه".
وقبل ذلك، قال بري في مداخلة له: "نحن أمام جلسة مصيرية فعلاً، الى أين سيذهب البلد؟ وقد جاءت رسالة فخامة الرئيس في الزمان والمكان المناسبين، وقد لمسنا اليوم إجماعاً من كافة الكتَل بأن يكون التدقيق شاملاً وكاملاً. فلننتَهِز الفرصة، ولنبرهن للبنانيين ولكل العالم اننا جادّون فعلاً في مقاربة هذا الملف. لذلك، يجب ان يكون التدقيق شاملاً وكاملاً، وأن يكون الموقف موحّداً لإعطاء صورة ايجابية للداخل والخارج".


من جهة ثانية، أقرّ المجلس، في جلسته أمس، اقتراح قانون تقدّمَ به النائب علي حسن خليل باسم كتلة "التنمية والتحرير"، يَرمي الى اعتبار شهداء انفجار مرفأ بيروت بمثابة شهداء في الجيش اللبناني، واعتبار جرحى الانفجار مُستفيدين من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مدى الحياة.
وكانت الجلسة قد انعقدت وسط أجواء مُحتدمة سَبقَتها، وانقسام بين مَن يطالب بالتدقيق الجنائي الجزئي المَحصور بحسابات مصرف لبنان، ويتقدّم المطالبة هنا الفريق السياسي لرئيس الجمهورية، وبين مَن يطالب بالتدقيق الشامل الذي يتصدّره الرئيس بري، وكان مؤيّداً من مختلف الكتل النيابية. وكانت الخلاصة أن ذهب المجلس الى أبعد ما طالبت به الرسالة الرئاسية، وأيّد اقتراح بري بالاجماع.
الى ذلك، أكدت مصادر رئاسية لـ"الجمهورية" أنّ القرار، الصادر عن مجلس النواب، هو سابِقة في تاريخ مجلس النواب. واعتبرت تجاوب المجلس مع مضمون كتاب رئيس الجمهورية بالإجماع المحقّق بين الكتل النيابية لم يحصل من قبل، وهو أمر يقدّر للمجلس رئيساً وأعضاء.
وقالت انّ الأهم ممّا حصل اليوم (أمس) هو ترجمة هذا القرار وإعطاؤه الطابع القانوني والدستوري ضماناً لِما هو مطلوب من اجل الإصلاح.
ولفتت الى انّ ما هو مطلوب واضح وصريح تحت سقف التعاون المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيقوم كل منهما بالدور المطلوب تنفيذاً لمضمون القرار، مهما كانت الطريق طويلة وصعبة.
الدعم والاحتياط
وعلمت "الجمهورية" انّ الاسبوع المقبل سيشهد اجتماعاً مهماً للمجلس المركزي لمصرف لبنان، لدراسة موضوع استمرار الدعم، وما يتصل بتأثيراته على الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان.
وكان رئيس الجمهورية قد اجتمع مساء أمس في قصر بعبدا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبحث معه في موضوع دعم المواد الأساسية والضرورية والإجراءات الآيلة الى استمرار هذا الدعم في الظروف الراهنة.

فلنخجل من أنفسنا!
سياسيّاً، إنّ الأمر البديهي في دولة منهارة ومفلسة وفاقدة لكل عناصر المناعة ومهددة بالزوال الكامل، هو أن تُقابَل رسالة الرئيس الفرنسي بتفاعل إيجابي معها، وتجد من يتلّقفها، تَدارُكاً للمصير المشؤوم الذي يهوي اليه البلد، لكنّ ذلك مستحيل مع العبث المستمر بها من المُتحكّمين بأمرها.
ولعلّ أبلغ توصيف لرسالة ماكرون، هو ما أبلغه أحد كبار المسؤولين الى "الجمهورية" بأنّ "هذه الرسالة تؤكّد مرة جديدة على صدق التوَجّه الفرنسي تجاه لبنان، ومضمونها الذي يعكس مدى الحرص على بلدنا. وانّ باريس تنتظر أن يتراجع مُعَطّلو الحكومة عن هذا المنحى. هذا المضمون يجب أن يُقرأ جيداً وبِتمَعّن في ما بين سطوره، فأقلّ ما فيه أنّه يُديننا، ويدعونا الى أن نخجل من أنفسنا".
يقول المسؤول المذكور: "إنّ الرئيس الفرنسي، برسالته هذه، قطعَ كل الفرضيات والرغبات التي نَعت مبادرته، وأعادَ تذكيرنا بأنّها ما زالت قائمة، وانّ الفرصة ما زالت مُتاحة أمامنا للتعجيل في تشكيل حكومة المهمّة من اختصاصيين موثوقين وكفوئين. لكن ما يبعث على التشاؤم حيالها، هو أنّها سقطت على واقع عَطَّله المعنيّون حصراً بتأليف الحكومة، عن سابق تصوّر وتصميم، وحوّلوا هذا التأليف إلى بازار مفتوح تتصادَم فيه شخصانيّات وتَكاذب صِبياني وعقليات فوقيّة يحكمها رفض الآخر، كلها تَلهو بمصير وطن بأكمله وتدفع به الى الضياع والاندثار".
و"المُضحك المبكي في آن معاً"، كما يقول المسؤول عينه، هو "أنّ البعض من الشركاء الحقيقيّين في تعطيل حكومة المبادرة الفرنسيّة يتوسّلون الرئيس الفرنسي للتدَخّل ومَدّ يد المساعدة، في وقت هم ثابتون فيه على تَوجّههم التعطيلي ولا يحيدون عنه. لذلك، وأمام هذا الواقع، أخشى أن يُحبَط الفرنسيّون مرّة جديدة، فبالتأكيد أنه طالما هذا البازار مفتوح، ولا توجد إرادة بإقفاله، فإنّ رسالة ماكرون ستلقى حتفها حتماً داخل هذا البازار، وستُدفن الى جانب كلّ الجهود الفرنسيّة التي بُذلت منذ إطلاق المبادرة مطلع ايلول الماضي".


هل من جديد؟
ثمّة جفاف حقيقي في المعطيات لدى غالبية المعنيين بالملف الحكومي، والجامع المشترك بين هؤلاء يتمثّل في العُقَد التي نشأت بين الرئيسين عون والحريري، وتبدو مُستعصية على الحلّ، وليس ما يؤشّر الى تراجع أيّ منهما عن موقفه، وهو ما يؤكد عليه القريبون منهما. وبالتالي، فإنّ الحكومة رُحِّلت أقلّه الى الربيع المقبل.
إلّا أنّ مصادر سياسيّة على صِلة مباشرة بمجريات التأليف وتعقيداته أبلغت الى "الجمهورية" قولها "الأمور ليست مقفلة بالكامل، وخطوط التواصل لم تنقطع نهائياً".
وعمّا يدفعنا الى هذا الكلام، أوضحت "أنّ بعض المعنيّين بهذا الملف يتحدثون همساً عن اتصالات تجري بعيداً عن الأضواء، ليست محصورة في الاطار المحلّي، سعياً لتحقيق خَرق في الجدار الحكومي وإنجاز تأليف الحكومة خلال الايام القليلة المقبلة، أي قبل حلول عيدي الميلاد ورأس السنة".
وتبعاً لذلك، لا تستبعد المصادر "حصول لقاء قريب بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، خصوصاً أنّ رسالة الرئيس الفرنسي، التي وصلت الى رئيس الجمهورية قبل يومين، قد تحفِّز عون والحريري على ذلك".


التعطيل مسؤولية الرئيسين!
وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ مراجع سياسيّة مسؤولة ومعها قوى سياسيّة فاعلة (في 8 آذار تحديداً)، تعتبر انّ الخيارات ضيّقة أمام الجميع، ورئيس الجمهوريّة والرئيس المكلّف محكومان في نهاية المطاف بالوصول الى التفاهم بينهما على حكومة. وبالتالي، لا طائل على الاطلاق من الاستمرار في تضييع الوقت، فكلما جرى التعجيل بذلك، جُنِّب البلد أضراراً كبرى يمكن أنّ تَتأتّى عن كل تأخير".
وتعتبر هذه المراجع والقوى السياسية "انّ انقطاع التواصل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف لا يعني فقط استسلامهما للتعطيل، بل يُلقي عليهما معاً مسؤولية التعطيل، خصوصاً انّ سائر القوى السياسية المعنية بالحكومة قد أكدت انّها لن تشكّل أي عائق امام اتفاقهما على حكومة، وهي على التزامها بذلك، وهذا الأمر بحدّ ذاته يؤكد أنّ ثلاثة أرباع الطريق مُسهّل امام الرئيسين، ويبقى الربع الاخير من مسؤوليتهما. وبالتالي، وأمام هذا الواقع، لا بدّ للرئيسين من ان يُبادرا الى إجراء مقاربات جديدة واقعية وهادئة لملف تأليف الحكومة، بعيداً عن ايّ اعتبارات او معطّلات تُختلق من هنا وهناك".
بري: التسهيل
في السياق، يُنقَل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري تأكيده "ان لا مشكلة على الإطلاق من جانبنا، وقرارنا من الاساس هو التسهيل الى أقصى الحدود". كما يُنقَل عنه "تَخوّفه من الأسوأ، وتزايد حجم الضرر على البلد إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من تأخير في ولادة الحكومة. فالوضع صعب جداً، ولبنان لم يعد يحتمل، ويوشِك ان يفقد قدرة الصمود امام التفاقم الهائل لأزمته. وبالتالي، لا سبيل سوى الذهاب سريعاً، اليوم قبل الغد، الى تشكيل حكومة اختصاصيّين كفوئين، وفق ما تؤكد عليه المبادرة الفرنسيّة".


إرباك وغموض!
في مقابل ذلك، يبدو أنّ الوقائع المتراكمة في المشهد الداخلي، كما يؤكد مطّلعون على النقاط الخلافية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، بلغت حداً يَصعُب معه تَوقّع إحداث خرق إيجابي في المسار الحكومي".
ويلفت هؤلاء، عبر "الجمهورية"، الى "انّ الخرق الايجابي بات يتطلّب "صدمة قوية" تفرض مساراً جديداً وجدياً في تأليف الحكومة، وحتى الآن الصورة جامدة عند النقطة او النقاط الخلافية التي انتهى اليها اللقاء الاخير منذ ايام بين عون والحريري".
روايات محيّرة!
وإضافة الى صعوبة حدوث خرق إيجابي، التي يشير اليها المطّلعون على خلاف الرئيسين، هناك صعوبة أخرى تتجلّى في أنّ المشهد الداخلي، وربطاً به الملف الحكومي المعطّل، يتحرّك على إيقاع روايات عن سبب أو أسباب تعطيل تأليف الحكومة".
وهذه الروايات، جعلت المواطن اللبناني يتنقّل بين:
– رواية أولى، تربط تعطيل الحكومة بعامل خارجي وانتظار تطورات او متغيرات او وقائع يمكن أن يُحدثها عمل عسكري أميركي ضد ايران وحلفائها في المنطقة.
– رواية ثانية، تربط التعطيل بسقوط المبادرة الفرنسية نهائياً.
– رواية ثالثة، تربطه بمحاولة رَدّ من قِبَل رئيس الجمهورية على العقوبات الاميركية على النائب جبران باسيل.
– رواية رابعة، تربطه بمحاولة ردّ من رئيس الجمهورية على الفرنسيين الذين يصرّون على انتزاع وزارة الطاقة من يد "التيار الوطني الحر".
– رواية خامسة، تربط التعطيل بضغط أميركي على الرئيس المكلّف سعد الحريري وتهديده بعقوبات إذا فكّر بإشراك "حزب الله" في الحكومة.
– رواية سادسة، تربطه بخلاف على المعايير وآلية تسمية الوزراء.
– رواية سابعة، تربطه بالثلث المعطّل والتنافس على الحقائب والاحجام داخل الحكومة.
– رواية ثامنة، تربطه بكيميا مُنعدمة بين الشريكين في التأليف؛ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف!
كلّ واحدة من هذه الروايات تنطوي على سبب تعطيلي، وقد تكون صحيحة، وقد يكون صحيحاً ايضاً انّ كل هذه الروايات، وغيرها ايضاً، تُلخّص مُجتمعة أسباب تعطيل تأليف الحكومة. ولكن في غياب المعطيات التي تؤكدها، من الصعب الركون إلى أيّ منها، حتى ولو كانت تحدّد السبب الحقيقي الذي يُقفل طريق التفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. فمَن يملك الجواب الدقيق هما الشريكان في التأليف، اللذان يعتصمان بصمتٍ كانت نتيجته الصارخة حتى الآن، مُفاقمة حال الإرباك، وإطلاق العنان للمخيّلات لِضَخّ المزيد من الغبار الحاجِب للسبب الحقيقي للتعطيل، وكذلك لفبركة الروايات المشّوشة على كل هذا المسار.


سبب التعطيل!
الى ذلك، استفسَرت "الجمهورية" مُطّلعين على موقف رئيس الجمهورية حول السبب الحقيقي الذي يعطّل التفاهم على التأليف؟ فسَخِر هؤلاء المطلعون "من رَبط موقف رئيس الجمهورية بأيّ عامل داخلي أو خارجي، وكذلك ربطه ببُعد شخصي بينه وبين الرئيس المكلّف، فهذا أمر معيب وفيه إساءة للرئيسين".
ولفتَ هؤلاء الى "أنّ الرئيس عون تحدّث بوضوح عن معايير موحّدة للتأليف ينبغي أن تكون شاملة وعادلة، خصوصاً حَيال ما يتصل بآلية تَسمية الوزراء، وحق رئيس الجمهورية الدستوري في هذه التسمية، وخاصة ما يتصل بالوزراء المسيحيين، وكذلك إبداء الرأي في سائر الوزراء. فرئيس الجمهورية ليس صندوق بريد، واذا كان هناك من يعتقد ذلك، ففي ذلك تَجاوز فاضح للدستور وللأصول. وبالتالي، هو أمر مرفوض بالمطلق".
وفي السياق نفسه، سألت "الجمهورية" مصادر مقرّبة من "بيت الوسط" عمّا يُحكى عن ضغوط أميركيّة على الرئيس المكلّف لإبعاد "حزب الله" عن الحكومة؟ فرفضت الردّ على ما سَمّتها "أكاذيب، القَصد منها التشويش على مهمّة الرئيس المكلّف، وتعطيل جهوده لتشكيل حكومة اختصاصيين وكفوئين لا حزبيّين".


وأكدت المصادر، رداً على سؤال، "أنّ الرئيس الحريري لن يتأثر بكل ما يُقال أو يُشاع، وهو يتحمّل مسؤوليته في السعي الى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن، لتبدأ مهمتها في تنفيذ البرنامج الانقاذي والاصلاحي الذي حَددته المبادرة الفرنسية. وبالتأكيد، ليس الرئيس الحريري من يعطّل تأليف حكومته".
وعمّا يُحكى عن توجّه لدى الرئيس الحريري الى الإعتذار عن تشكيل الحكومة في حال استمرّ المنحى التعطيلي لجهوده؟ اكتفت المصادر بالقول: إنّ جهود الرئيس المكلّف مستمرة، وهو يقوم بها بكلّ هدوء ورويّة، ولن يوقِفها حتى تحقيق الغاية المرجوّة منها بتشكيل الحكومة الإنقاذية.
ولدى السؤال: ولكن في حال وصل الى طريق مسدود، فهل سيبادر الى الاعتذار؟ تجيب المصادر: الرئيس المكلف يسعى لفتح كلّ الطُرق، ولن يدّخِر سبيلاً لتحقيق ذلك. واذا كان هناك من يفترض او يرغب في أن يعتذر عن تشكيل الحكومة، فهذه الفرضية او الرغبة ساقطة سلفاً عند إصرار الرئيس الحريري على عدم تخَلّيه عن مسؤولياته. وفي النهاية، إنّ الاعتذار ليس وارداً على الاطلاق".
"حزب الله"
على انّ اللافت للانتباه، في موازاة الحديث عن "فيتو" أميركي على "حزب الله" لعدم إشراكه في حكومة الحريري، ما أكدت عليه مصادر مطلعة على أجواء الحزب، بقَولها لـ"الجمهوريّة": "حزب الله" في الأساس يتوقّع كلّ شيء من الأميركيين، ولكنّه لم يتبلّغ شيئاً من هذا القبيل.


هنا تكمن العقدة!
في موازاة ما تقدّم، جَزم مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" ان "لا وجود لأيّ عامل خارجي معطّل لتأليف الحكومة، ورسالة ماكرون الاخيرة تؤكّد بشكل او بآخر أن لا وجود لأيّ عوامل خارجية تمنع اتفاق اللبنانيين على تشكيل حكومة، ولو كانت موجودة لَما عاد ماكرون وأكد على المبادرة الفرنسيّة، التي تحظى بدعم واشنطن والمجتمع الدولي، حيث ينادون جميعهم بتشكيل حكومة للبدء بإجراء الاصلاحات لفتح الباب أمام تَدفّق المساعدات الى لبنان".
واستغربَ المسؤول المذكور "محاولة بعض الاطراف تكبير الحجر، ورَمي تعطيل الحكومة على الخارج، فيما حقيقة الأمر انّ المعطّل داخلي، ويكمن في الخلاف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على آلية التأليف وتسمية الوزراء. وأنا أؤكد جازماً أنهما اذا اتفقا على آلية تسمية الوزراء، فإنّ الحكومة تولد فوراً. هنا تكمن العقدة، وكل ما يُقال في موازاتها لا يعدو أكثر من مجرّد تخاريف".

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى