العالم العربيسياسة

غطاء أميركي للتدخلات التركية في المنطقة: تنافس سعودي – تركي في لبنان

 


د . جواد الهنداوي*
تدخلات عسكرية، وغير مشروعة ومخالفة للقوانين الدولية،  وداعمة للإرهاب ،كما هو الحال في سوريا و العراق، وتدخلات سياسية  وشبه عسكرية ،كما هو الحال في طرابلس ،شمال لبنان ، و تدخلات عسكرية ، وبطلب من الحكومة الليبية في طرابلس، ومرفوضة من مجلس نواب طبرق الليبي ايضاً، و حضور  عسكري فاعل في قطر و بالتعاون مع دولة قطر .
لمْ تُرسمْ خارطة التدخلات هذه دون موافقة أميركية، بل وتنسيق أميركي تركي. و ربما كانت هذه التدخلات من اهم مواضيع الاتصالات الهاتفية المتكررة والمطّولة بين الرئيس ترامب و الرئيس اوردغان، واللقاءات المتبادلة بينهما .
الرئيس اوردغان وَجدَ في فترة إدارة الرئيس ترامب الفرصة المناسبة جداً في تنفيذ أجنداته و تدخلاته الخارجية، وفي منطقة تعتبرها أميركا استراتيجية ، من الناحية السياسية و الاقتصادية.
لماذا فرصة مناسبة؟
مناسبة لصعوبة الوضع  السياسي والدبلوماسي و العسكري ،غير المريح او الصعب لأميركا في المنطقة .
فهي ( واقصد أميركا ) في عداء و مناوشات مع ايران ، و في تخّبط و حيرة في سوريا و في لبنان ، و عدم اطمئنان في العراق، ويأس من قدرة حلفائها الخليجيين على حسم الامور في اليمن ،و تعاظم قوة الحوثيين .
تشهد أميركا، يوما بعد يوم، على انحسار نفوذها ومكانتها وهيبتها في المنطقة لصالح روسيا سياسياً ولصالح ايران ميدانياً  ولصالح الصين اقتصادياً واستراتيجياً.
أزاء واقع يتجهّ بالمنطقة صوب أركان محور المقاومة الآسيوي، نجدُ الرئيس ترامب مُلزمْ بغّض النظر عن تدخلات تركيا ، والحرص على علاقات تفاهم وتعاون  مع تركيا.
لا تتحمّل أميركا أنَّ تفقد قوتيّن اقليميتيّن في المنطقة (ايران وتركيا ) . والرئيس اوردغان ليس بغافل عن حاجة أميركا لتركيا.
تدخلات تركيا في المنطقة تتماشى مع مصلحة أميركا  وكذلك مع مصلحة اسرائيل . كيف ؟
التدخلات التركية في العراق  وفي سوريا و في لبنان تدعم الإرهاب، و تُثير الفتنة و تخلط الأوراق، وتهدف الى تقويض مقومات الدولة. وهذا ما تسعى اليه اسرائيل و أميركا. نزعة الاحتلال و التوّسع الجغرافي والسياسي و الأطماع وانتهاك سيادة الدول أصبحت صفة مشتركة بين تركيا واسرائيل  وبدراية و برعاية أميركية.
تركيا استفادت كثيراً من تجربة اسرائيل في الاستهانة بالعرب، وعدم الاكتراث بردود فعلهم و إداناتهم ، واستثمار ضعفهم و خلافاتهم ، وهذا ما يتماشى مع أهداف الصهيونية الراعية لسياسة أميركا  واسرائيل .
التدخل التركي في لبنان سيؤثرُ على دور  المملكة العربية السعودية في لبنان، و ينافس المملكة، و إنْ ترّسخّ و توسعْ ( واقصد التدخل التركي ) سيكون أكثر إزعاجاً للمملكة من الدور الإيراني، لأنَّه يؤدي ( واقصد التدخل التركي ) الى أضعاف و تشتيت المّكون السني الى مجاميع ، بعضها اخواني تحت تأثير تركيا، والبعض الآخر تحت رعاية المملكة العربية السعودية.
لن يمتد التدخل التركي مثلاً الى جنوب لبنان ولا الى المكونات الاخرى.
التدخل التركي في ليبيا ينافس و يضّرُ الدور الروسي في ليبيا،  وهو ايضاً ( واقصد التدخل ) يشكّلُ خطراً على الامن القومي المصري ، وتراقب أميركا وتستعجل الفرص التي من شأنها يتعمّق خلاف تركي -روسي، سواء  كان موطن  هذا الخلاف الساحة السورية او الساحة الليبية. ويسّرُ اسرائيل كثيراً نشوب حرب او اقتتال مصري – تركي على الساحة الليبية، لأنَّ الحروب والاقتتال والفتن بين دول المنطقة المحيطة بالكيان الاسرائيلي تصّبُ في مصلحته.
تتعدى آثار التدخل التركي في ليبيا الدول العربية ذات العلاقة المباشرة جغرافياً و أمنياً  وتدخلياً ( مصر ، الجزائر، تونس، الامارات ، قطر ) لتأخذ مداها الاوربي وإطارها المتوسطي ( البحر الأبيض المتوسط ) ، كما يصفها الرئيس الفرنسي ماكرون. يرى الرئيس الفرنسي أنَّ التدخل التركي في ليبيا يهدد امن دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو بالتالي تهديد لأمن اوربا.
قد يقصد الرئيس الفرنسي الدور التركي المشاكس لاوروبا ،ليس فقط من خلال التدخل العسكري التركي في ليبيا ،وانّما ايضاً من خلال المواقف التركية السياسية  والعسكرية والاقتصادية ( التنقيب على النفط ) في قبرص واليونان.
يتوجس الرئيس الفرنسي كثيراً من النزعة التوسعيّة والتدخليّة الاوردغانية في أفريقيا ، و يراها مقدمة للعبث في جغرافية سياسية واقتصادية ،كانت و لا تزال حكراً على فرنسا.
الرئيس ترامب لم يخف ابداً أهدافه تجاه حلّ وتفكيك الاتحاد الاوربي و أضعاف دور دوله الأساسية ( المانيا و فرنسا)، ولم يخف انتقاداته لحلف الناتو ،  ومن أعضائه الأساسيين تركيا  وفرنسا .فالخلاف التركي الفرنسي، وعنوانه ليبيا ولكن مساحته إفريقيا ، يُعززُ، ولو بمقدار ضئيل، المصلحة الصهيونية ايّ المصلحة الأميركية والمصلحة الاسرائيلية.
وللمصلحة الصهيونية منفعة اخرى في التدخلات التركية، حيث أنها ( واقصد التدخلات ) وتتنقّلْ  في الدول وفي القارات، وتصدّر معها عقيدة وفكر وتنظيم الإخوان المسلمين، الامر الذي يروّج ويشيع التداخل والتشابك السلبي بين الدين والدولة و السياسة . وهذا التداخل والتشابك والتوظيف السلبي للدين والسياسة، وعلى حساب الدولة، هو وقود ومصدر الفتن والاقتتال والتخلف في دولنا العربية.
التدخلات التركية في سوريا  وفي لبنان ، حتى و إنْ كانت وسيلة لتصدير الأخونة ( عقيدة وتنظيم الإخوان المسلمين ) لا تخيف و لا تزعج اسرائيل، طالما بقيت تركيا بعيدة عن الجهاد الإسلامي  وحماس ولم تمدّهم بسلاح أو بعون مادي لنصرتهم في دفاعهم عن حقوقهم في فلسطين، حتى و إنْ كانوا، أو بعضهم، من الإخوان.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى