ثقافة

هنا طرابلس: المدينة الأكثر أماناً وجمالاً تتحدى القيمين عليها (زياد علوش)

 

د.زياد علوش – خاص الحوار نيوز

وفق معلومات خاصة لمصدر أمنى لبناني رسمي رفيع أنّ مدينة “طرابلس اللبنانية” هي المدينة الأكثر أماناً في العالم، تقاطعت هذه المعلومات مع تصريحات خاصة أيضاً لوفد أوروبي مشترك ضم دبلوماسيين وأكاديميين وإعلاميين، في سياق زيارته للمدينة، أنّ طرابلس عكس ما يشاع عنها من مدينة غير آمنة ،زد على ذلك أنها الأجمل بإرثها وتراثها وترابط وتقاليد أهلها.

هذا التوصيف ليس مستغرباً لمن يعرف حقيقة تقاطعات المدينة الحضارية الأكثر شغفاً بإرثها المتنوع ومتانة للعلاقات الاجتماعية بين مكوناتها وانعكاسها على زُوّارها، بما يدهش الزائرين عن الحبكة الشديدة التركيب والتواصل السلس بين التاريخ والحاضر والتراث والحداثة التي تنعكس في كل حي وشارع. وقد يستغرب البعض هذا التوصيف، إلاّ أنه يحدث في واقع كل ما فيه من بؤس وقهر سلطوي مقصود يدفع الى الفوضى ،لكن طرابلس ما زالت تكافح وتصر على إحياء ذاتها الحضارية.

إلّا أن الشيء المستغرب هو أنّ طرابلس رغم ثروتها البشرية والمادية الكامنة، فإن ذلك لم ينعكس بشكل إيجابي منذ العام 1975 حتى الآن. على سبيل المثال فإن أحد أهم مناطقها شهرة ومعاناة حالياً ”باب التبانة” التي كانت تسمى سابقاً “باب الذهب” نظراً لحركتها الفاعلة الاقتصادية والمالية والنقدية ،وقد منحها دوراً ريادياً مع الكثير من المناطق والأسواق والمؤسسات الأخرى التي أيضاً تميّزت بأبعاد لا تقل أهمية عنها، فكان بالمجمل الدور الهام لطرابلس على الصعيدين الوطني والعربي والإسلامي. ويمكن القول باختصار إنها كانت تصنع قرارها السياسي القادر على إنجاب رجال دولة ونخب تتحمل مسؤولياتها تجاه مدينتها، وهذا ما تفتقده الآن بشكل نسبي كبير، وقد أسلست قيادها كما الكثير من المناطق اللبنانية في العديد من الاستحقاقات الديمقراطية للعنقاء تعدها بالمن والسلوى وجنّة عدن لما بعد الكفن.

الإجماع أنّ طرابلس تحتاج الى مبادرات من الحكومة اللبنانية ومن نخبها على اختلافهم، وبما أن طرابلس على أبواب الاحتفاء بها كعاصمة للثقافة العربية ،فيمكن أن تكون المناسبة نقطة انطلاق مهمة نحو استعادة دورها لأنّ النهوض العام يبدأ أساساً بالثقافة. فكما هو معلوم أنّ الواقع هو مرآة للإسقاطات الثلاثة: الحضارة على الثقافة، والثقافة على السياسية، والسياسة على الواقع ،بحيث يصبح انعكاساً لها، وهذه المبادرة لوزارة الثقافة اللبنانية رغم مواجهتها لتحديات كبيرة، خصوصاً ما يتعلق بعدم جهوزية البنى التحتية من فنادق وطرق وكهرباء واتصالات،إلا أنه يمكن تكثيف الجهود وتشابك الأيدي لإنجاح هذا الاستحقاق المهم.

إن الاتكال على الأمن الممسوك بمعناه الكلاسيكي دون تحصينه بالإنماء ،هو هروب مستمر إلى الامام ومخاطرة كبيرة في حق طرابلس والشمال ولبنان عامة. فالقاعدة أنه إذا كانت طرابلس بخير فلبنان بخير، وطرابلس حسب الخطة الطموحة والموضوعية التي أعدتها غرفة طرابلس والشمال كعاصمة اقتصادية للبنان، يمكن أن تكون الأساس الفاعل لذلك النهوض وتلك الانطلاقة، إذا ما تم تسييلها إلى أرض الواقع ،وما لم تبق في الإطار النظري الحالم.

 

على أن الحديث عن دور بلدية طرابلس ومحافظتها يضفي شيئا من الكآبة على المشهدية التي تصبح سوريالية بالمطلق، وتحتاج إلى المزيد من الدوران حول الشكل لاكتشاف المضمون المزركش كلوحة بائسة، فأروقة السرايا انعكاس للواقع الرسمي المشلول، وبلديتها المنقسمة على ذاتها وحاضنتها عامودياً وافقياً غائبة كلياً عن مشهد الإدارة والإنتاج. فلا الشوارع شوارع ،ولا الأرصفة أرصفة، وقس على ذلك ما شئت من مهامها كحكومة محلية مفترضة مناط بها صناعة رؤية تنموية تتناسب مع أهمية المدينة.

 

أما الطبقة السياسية الطرابلسية فحدث ولا حرج عن عجزها الواضح عن صياغة قرار جدي متماسك في أروقة السلطة المركزية في العاصمة بيروت للمدينة على كل المستويات.

 

أمام هذه الملحمة يصبح السؤال الدائم عن التحديات الأمنية وواقعها مريباً وتهرباً من مسؤولية صناعة الإنماء الحقيقي في المدينة.

 

على أنّ الإعلام الطرابلسي كما الإعلام اللبناني في هذا السياق وبنسب متفاوتة، قد تعرض لغزو جحافل النشطاء الإعلاميين على أدوات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المتناسخة بشكل مفرط دائماً ،ما يسبح في المياه الضحلة أو يصطاد في العكرة منها بعيداً عن تناول الموضوعات الأكثر أهمية في حياة المدينة بانعكاساتها الشمالية والوطنية.

 

ليست الغاية أن نجلد أنفسنا بقدر تحفيزها بحيث يمكن بذل المزيد من الجهود المنتجة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى