سياسةمحليات لبنانية

مشروعان يتنافسان على موتك… أفكار للنقاش.

مُذ تبوّأ الرئيس رفيق الحريري الحكم أو ما حول الحكم في لبنان حتى توضحت  معالم مشروع اقتصادي محلي يلي ،عادة ، اي حرب اهلية او ما شابهها من حروب، الا ان هذا المشروع الاقتصادي المحلي كان بالحقيقة إمتدادا لمشروع عالمي يأخذ من الحرية والملكية الخاصة وحقوق الانسان والسلام العالمي عناوينا لجذب وتسويق افكار مستترة  إذ هو في الواقع مشروعاً اقتصادياً،  من أهم اهدافه الربح السريع  وتحطيم فكرة الملكية العامة لمؤسسات الدولة، العولمة الثقافية ، إنهاء فكرة وجود العقيدة او المبادىء الثورية او حتى الثوريين في السلطة إضافة لهيمنة المصارف المركزية الكبرى وفي طليعتها المصرف الاحتياطي الفدرالي الاميركي، مرتكزة على جنّ العملات :الدولار.
في المقابل وعلى الصعيد المحلي ومذ انطلق حزب لله ليسيطر بالقوة على الحدود اللبنانية -الفلسطينية، وجد نفسه، سياسيا، في مواجهة المشروع الأول، فضلا عن كونه بطيعته يمثل مشروع عالمي مقاوم-عسكري عقائدي-ثقافي اسلامي-شبه نهضوي سياسي ، عنوانه التحرير ومجابهة اسرائيل ومن خلفها الصهيونية وداعميها، غير مهتم لرأسمالية او اشتراكية اقتصاده، في الواقع هو امتداد لحركة عسكريتارية التاريخ والشعوب العرببة-الاسلامية من اجل القدس والمقدسات ككل، مطعمة بأفكار غيبية دينية تحمل في طيّاتها صراعات ونزاعات و وعود إلآهية: فقهية- تاريخية- عقائدية – وصايا إلآهية معلنة و مستترة، وفي افكارها غير المعلنة آثاراً لاساطير أو لمنطق غير منطقي للبحث العلمي!.
في المشروع الاول(الاقتصادي) تتحرك الولايات المتحدة الاميركية وما شابهها من دول رأسمالية، إذ لا ترى في الناس الا ارقاما لربح وخسارة وتواكبها انظمة عربية-اسلامية كالسعودية تقدم المال الحرّ على المقدس الشبه تقدمي والثوري لا بل تحاربه وما شابهها ايضا من أنظمة  لإعتبار بقائها  كملكية رأسمالية خاضعة لحماية مصالح الولايات المتحدة الاميركية.

في المشروع الثاني(المقدس شبه التقدمي والثوري) تقع دول الممانعة وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية في ايران والجمهورية العربية السورية والجمهورية العراقية وحزب لله وحلفاؤهم الاسلاميين ومن بينهم حركة الأخوان المسلمين رغم الاختلاف حول سوريا، ومعهم ايضا الجمهورية الفدرالية الروسية التي ليست باسلامية و لا تتوافق مع ما ذكرنا في البعد التاريخي والموروث الفكري المقدس، انما ايضا لا تتفق مع المشروع الاول الاقتصادي لخطورته الاقتصادية على وحدة البلاد ومصالحها. 
الخطير في الموضوع ان اسرائيل تنتمي للمشروع الاول، سياسيا ولو أنها تتمايز في الشأن الاقتصادي، وهي في الوقت عينه من الطبيعة الدينية للمشروع الثاني وتحاكي صلب المشروع الثاني(المقدس) لان ما يحركها في الوعي واللا وعي الجمعي هو أيضا رواية مقدسة لمجيء السيد المسيح و ضرورة التجمع في أرض الميعاد(فلسطين) كرمى لشروط خروج المسيح على اليهود، اي بني يعقوب المسمى اسرائيل، إلا ان اتجاهات الفكر اليهودي تتعارض وتتواجه مع اتجاهات الفكر الاسلامي والمسيحي معاً ، في النظرة للمنتظر ولمن سيعود من الانبياء وعن دوره الالهي الموجه!؟ 
الربّ إماّ اعطى معلومات متناقضة للانبياء  حول ماهيتها و دورها الموعود وهذا صعب وإما ان رفاق الانبياء فهموا خطأ تعليمات الرب فتناقضوا وتنازعوا وتناطحوا و تقاتلوا و سيتقاتلون الى الابد.
نحن في خضم مشروعان كبيران وخطيران، الاول يتحدث عن تحرير الانسان من كل قيد فكري ليكون سلعة سهلة للاستثمار الاقتصادي السريع والثاني يتحدث عن تحرير الارض او المقدسات من كل قيد فكري او مادي تمهيدا و استعدادا للوعد الإلهي والأحاديث المقدسة. فيما مشروع المواطنة في ظل دولة العدالة والقانون التي نطمح لها جميعا ممنوع التحدث بشأنها، والنضال في سبيلها حرام، تحت طائلة القتل!
وإلى أن نستفيق أفرادا وشعوب، نرى أن ألمشروع الاول يسعى لتهديم الدول التي قامت على هيمنة الملكية العامة  ومنها الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية واخيرا بعض الدول العربية التي فيها القليل من الاشتراكية وهيمنة القطاع العام ومنها ليبيا والعراق وسوريا، لذلك لم يكن رأس القاهرة مطلوبا بقدر ما هو مطلوب رأس انقرة، وليس مطلوبا رأس الرياض بقدر ما هو مطلوب رأس طهران وبيونغيانغ و تقريبا موسكو وبكين.

في المقلب الآخر ، في المشروع الثاني، لم يعتبر المشروع المقدس  إسقاط الرياض معركته  لان مكة تعنيه أكثر ولم يكترث لاسقاط بغداد، الدولة المركزية لان النجف اهم،  كذلك فالقدس أهم من اي مدينة او عاصمة اخرى لان لتلك المدن ابعاد مقدسة ولها دورها التوظيفي في المشروع المقدس والمشروع المقدس لم يقدم اي نموذج اقتصادي مختلف عن النموذج الاقتصادي الرأسمالي المطعم ببعض اشكال الاشتراكية.
مما تقدم بالامكان القول ان الصراع يدور بين اهل الدنيا واهل الآخرة، بين نمور الاقتصاد الجشع والعقل الالكتروني الوقح وفهود المقدس شبه التقدمي و الثوري، بين ان تموت من الجوع  مستجديا البنك الدولي و عطاءات الرأسمالية و بين ان تموت مستشهدا من دون ان تشعر ان البلاد لك او انك تملك فيها او ان لك فيها ضمانات للعيش ما يستوجب الدفاع عنه و في كلا الحالتين فالموت واحد وموتك فيه حتمي…
مشروعان يتنافسان من اجل موتك، فما رأيك وماذا تختار وأين تود ان تموت وتدفن!؟
*طبيب نفسي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى