سياسة

الوضع الاستراتيجي المحوري لإيران من شرق المتوسط حتى بحر الصين..!

 

محمد صادق الحسيني

1. يتضح ، من خلال النظر الى موازين القوى ، في كامل مسرح عمليات المواجهه ، بين ايران وحلف المقاومه من جهة وبين الولايات المتحده واتباعها من جهة اخرى ، ان الجمهورية الاسلامية هي التي تمسك بزمام المبادرة ، السياسيه والعسكريه في المنطقة الممتدة من البحر الابيض المتوسط غرباً وحتى حدود الصين الشماليه الغربيه شرقاً ، بما في ذلك افغانستان ، الامر الذي يعني ان ايران وحلف المقاومه يسيران بتؤدةٍ نحو النصر الاستراتيجي في هذه المواجهه الاقليميه والدوليه .
2. بتاريخ ٧/٢/٢٠٢٠ خاطب كل من مايكل آيزينشتات ، مدير برنامج الدراسات العسكريه والامنيه في معهد واشنطن ( للأبحاث ) ، وكوري شيك وهي مديرة برنامج السياسات الخارجيه والدفاعية في معهد " أميريكان انتربرايسيز والجنرال في سلاح الجو ( متقاعد ) ديفيد ديبتولا ، خاطبوا منتدىً سياسياً في معهد واشنطن قائلين ان ايران ، ومنذ أواسط العام ٢٠١٩ ،قد نجحت في إطلاق حملة ضغط مضادة ، رداً على سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها الولايات المتحده ضدها ، وذلك بهدف رفع العقوبات او تخفيفها .
وتتمثل هذه الاستراتيجيه الايرانيه في ما اطلق عليه المتحدثون ، المذكورون اعلاه ، استراتيجية المنطقه الرمادية . وهي المنطقه الواقعه بين السلام والحرب ،اذ قامت ايران منذ ذلك الوقت بتنفيذ عدة عمليات دقيقه ومهمة دون الوصول الى حالة الاشتباك العسكري المباشر مع الولايات المتحدة . وهو ما سبَّبَ ارباكاً شديداً للولايات المتحده حول كيفية الرد على الاعمال الايرانيه .
3. وأضاف المتحدثون ان الولايات المتحده لا زالت تتحلى بأعلى درجات ضبط النفس ولم ترد على العمليات الايرانيه ( يقصدون العمليات المنطلقه من اليمن وناقلات النفط ) رغم قيامها باغتيال الجنرال سليماني وابو مهدي المهندس . ولكن السؤال الذي يفتقر الى اجابةٍ حتى الآن هو : هل أعاد اغتيال سليماني الردع الاميركي ام لا !؟
ويتابعون القول ان حياة الردع قصيره وعليه فمن الضروري متابعته ( الردع – اي الاستمرار في توجيه الضربات لايران ) كي لا تتعاظم شكيمة ايران . وهذا يستدعي تطبيق استراتيجية منطقه رمادية كالاستراتيجية التي تطبقها ايران لما لهذا النوع من الاستراتيجيه من تأثير على استراتيجية الدفاع الوطني الاميركي والتي تسعى الى تحويل تركيز الولايات المتحده وقواتها المسلحه الى المنطقه المشتركه بين المحيطين الهندي والهادئ ( اي منطقة الصين والبحار المحيطه بها ….. وهذه دعوه مباشره الى عدم الدخول في حرب مع حلف المقاومه لهذا السبب والاستعاضة عن ذلك ، ربما ، بعمليات سريه ضد ايران وحلفائها ).
4. يرى هؤلاء الخبراء ان استراتيجية المنطقه الرماديه الاميركيه يجب ان ترتكز الى ثلاثة ركائز هي :

•تقييد أنشطة ايران .
•دحر تأثيرها في المنطقه .
•ردع اي اعمال عدائية اضافيه ( يقصدون ضرورة رد الولايات المتحده على اي عمليات ينفذها حلفاء ايران ضد اتباع واشنطن في المنطقه …. مثل عملية أرامكو ).

5. وهنا يبقى السؤال حول دور ايران ومركزيتها في المواجهه الدوليه ، التي تتلاحق فصولها في اكثر من مسرح ، سواء في بحار الصين او على حدود روسيا الشماليه الغربيه ( بحر البلطيق ومدينة لينينغراد ) والجنوبية الغربيه ( البحر الأسود وشبه جزيرة القرم ) وهي المواجهة التي ستنتج نظاماً عالمياً جديداً لن تكون فيه الولايات المتحده القوة القطب الدولي الوحيد المهيمن على مصير العالم .
خاصة وان ايران تشكل خط الدفاع الاول عن حدود روسيا الجنوبيه ، في دول آسيا الوسطى ، وعن حدودها الجنوبية الغربيه ،كون ايران هي القاطره في مواجهة سياسات الهيمنه الاميركيه في "الشرق الاوسط" وان تحالفاتها في كل من العراق وسورية ولبنان وفلسطين هي الضامن للوجود العسكري ، وبالتالي النفوذ السياسي لكل من روسيا وحليفتها الموضوعيه ، الصين ، في منطقة "الشرق الاوسط" ، الذي يعتبر اقليماً غاية في الاهميه بالنسبة لمشروع التعاون الاقتصادي الدولي الصيني العملاق ، المسمى مشروع الحزام والطريق . كما ان دور ايران يكتسي اهمية خاصة في تأمين امدادات النفط والغاز ، اي الطاقه ، التي يحتاجها الاقتصاد الصيني للمحافظة على نموه وتطوير البلاد في المستقبل .
6. لذلك يجب التذكير بان ايران الشاه قد لعبت دوراً مهماً ، كقاعدة تجسس ومركز لوجستي لنشاطات الولايات المتحده ضد الاتحاد السوفييتي السابق ، ذلك الدور الذي انتهى بانتصار الثورة الاسلاميه في ايران عام ١٩٧٩ . وهذا يعني ان ايران تشكل الحصن القوي الذي يمنع الولايات المتحده من فرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقه الممتدة من البحر المتوسط غرباً وحتى حدود الصين الغربيه شرقاً . وهو الامر الحيوي جداً في الدفاع عن حدود الصين الغربيه وحدود روسيا الجنوبيه والجنوبيه. الغربيه ، لضمان مواصلة عملية انهاء سيطرة الولايات المتحده الاحاديه على العالم .
7. ومن الجدير بالذكر ان لايران دوراً استراتيجياً مهماً في الحفاظ على سلامة طرق التجاره الدوليه ، عبر مضيقي باب المندب وهرمز ، امتداداً الى بحر العرب وصولاً الى غرب المحيط الهندي شرقاً . وما المناورات البحريه المشتركه التي اجراها سلاح البحرية الصيني والروسي والايراني ، في منطقة هرمز وبحر العرب وغرب المحيط الهندي ، الا دليلاً على الدور المهم الذي ستلعبه ايران في الاستراتيجيات الدوليه في المستقبل القريب .
8. كما تجب الاشاره الى الاهمية الاستراتيجيه لايران ، في ما يتعلق بالانتشار العسكري الروسي في "الشرق الاوسط "، وذلك لجهة تأمين خط امداد بري للقوات الجويه والبحريه الروسيه المنتشره في سورية وشرق المتوسط .
فعلى الرغم من ان اتفاقية مضائق البحار الموقعه بتاريخ ٢٠/٧/١٩٣٦ ، يضمن حرية العبور في مضائق الدردنيل والبوسفور ( تركياً ) ، الا ان هذا الاتفاق يعطي حق السياده على هذه المضائق ، الى جانب بحر مرمره ( جنوب المضائق ) للدولة التركيه . وهو الامر الذي يعني ان تركيا قد تلجأ الى تقييد او عرقلة عبور السفن في هذه المضائق ، من والى البحر الأسود ، ما قد يقود الى احتمال قطع الإمدادات البحريه عن الانتشار العسكري الروسي في سورية والبحر المتوسط ، وهو الإجراء الذي سيكون له آثارًا سلبية جداً على الحضور العسكري الروسي في تلك المنطقه .
وعليه فإن خط الامداد البري البديل ، عبر ايران والعراق ، سيكون ذا اهمية استراتيجية كبيرة جداً . وهذا ما يفسر السعار الاميركي في محاولات منع فتح معبر البوكمال / القائم ، بين سورية والعراق ، وكذلك محاولات الولايات المتحده المستميتة للإبقاء على وجودها العسكري ، سواءً في العراق او شمال شرق سورية ، والهادف الى قطع التواصل البري ، ليس فقط بين طهران وبيروت ، وانما ايضا بين موسكو ودمشق ، عبر طهران وبغداد .
٩)وعليه فان ايران تمثل حليفاً استراتيجياً لكل من موسكو وبكين ، سواءً أعلن عن هذا التحالف ام لا .
انه تحالف موضوعي تقتضيه المصالح المشتركه للبلدان الثلاثة ، بالاضافه الى تأثيراته المتعددة الاوجه على الكثير من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا ودول آسيا الوسطى ، التي لا بد من دمجها في مشروع التعاون الدولي الاقتصادي الصيني العملاق ، الطريق والحزام ، خاصة وأنها دول بحاجة الى تنمية اقتصادية مدروسة وممنهجة للنهوض بشعوبها واقتصادياتها واستغلال ثرواتها الطبيعيه الكبيرة ، من الغاز والنفط ( كازاخستان / أذربيجان / وتركمانستان ) على وجه التحديد .
ما تقدم يؤكد بدون تردد بان مركز ثقل العالم ينتقل شرقاً لحساب قوى عظمى صاعدة وعلى حساب اميركا تحديداً ،وان الفضل في ذلك بشكل كبير هو انجازات محور المقاومة في مسرح العمليات وايران الجمهورية الاسلامية باعتبارها درة التاج في هذا المحور الصاعد في معادلات العالم الجديد.
عالم ينهار ، عالم ينهض..

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى