ثقافةفنون

في ذكرى رحيل “صديق الموسيقى العربية” سيباستيان باخ (عمار مروة)

 

بقلم عمار مروة – بلجيكا

تمر في هذه الأيام الذكرى الثالثة والسبعون بعد المئتين على رحيل أحد كبار الموسيقيين العالميين يوهان سيباستيان باخ الذي توفي في العام 1750 ميلادية.
هو شيخ المؤلفين الموسيقيين العظماء وآية الموسيقى العظمى،إن لم يكن أعظم الموسيقيين العالميين نضحاً وابتكاراً وعمقاً ،وفي رأيي أنه احد اهم اصدقاء الموسيقى العربيه من حيث لم يدري، وذلك نتيجه تقارب معالجاته لانسجة موسيقى حقبة الباروك المميزه بروحها وطبيعتها المقاميه والتي تتآخى مع طبيعة موسيقانا العربيه .

 

والواقع أنالمؤلفات الموسيقيه الخالده الممتلئه بروح الخلق والابداع تحمل الكثير من الرسائل والعناصر الجماليه التي تنعكس بإيجابيه وسمو في وجدان وروح المُتلقي المنفتح على الاحتفال بمضامينها الانسانيه وفك شيفرتها الجماليه .

واعتقد جازماً ان في مؤلفات الشيخ الاكبر والآية الموسيقيه العظمى جان سيباستيان باخ، اهم مصدر من مصادر وذخائر مسّت دائماً وما زالت وستبقى تمس الى الابد، العقل والروح والوجدان والذاكره الموسيقيه الانسانيه الجمعيه بكل فئاتها ومشاربها وانتماءاتها وتطلعاتها بعمق وشفافيه ،تماماً كما يحدث مع مؤلفات بقية المؤلفين الموسيقيين العظام . ولكن سيبقى ل”باخ” تحديداً قدرة اعمق على لمس كل من روح الموسيقي العربية تحديداً اكثر من غيره من أولئك المؤلفين الموسيقيين الكلاسيكيين العظام الخالدين ، كون موسيقاه تحمل في اعماق خصائصها اللحنيه روح طبيعة وجذور اللحن الموسيقي الشرقي المتماسك ،وهو يسير بخطوط ميلوديه أفقيه كامله الاتجاه والمعنى والهويه، باتجاه البوليفونيا الكونتربوانتيه والمودالية الهوية ،والتي تتحرك فوق بعضها بتواز ميلودي مركب ومتعدد بتراكيبه الافقيه التي تجتمع بحبٍ وتآلف وانسجام ،ضمن انسجة بوليفونيه ذات طبيعه انفردت بها السلالم الموسيقيه الكروماتيكية لحقبه الباروك .

إنها السلالم الموسيقية التي تتحرك فوق بعضها بانسجام هارموني يعطي المعنى الموسيقي المعنى المكتمل بإجمل فنون المودال modal الذي لا يكترث كثيراً للطبيعه الهارمونيه  التوناليه الهويه Tonal التي لا تحاكي الطبيعه اللحنيه المقاميه للموسيقى العربيه .

لعل باخ دون ان يدري كان أهم من حاكى وتوسل هذه الحقائق اكثر من بقيه المؤلفين الآخرين في الحقبات اللاحقه على حقبة الباروك .. وبهذا يكون باخ تحديداً ،من اسس لصلابة  فنون التركيبات الهارمونيه المتماسكه بتعدد الالحان في البناء الشاهق بالغنى والتنوع والتفاعل ، ضمن طبيعة المقام الموسيقي الذي يكتمل معناه كموضوع  يجري تطويره وتثويره ضمن الصيغه الدراميه لحبكة التعبير الموسيقي الاسمى ، ليس فقط في نضج الميلودي الاساسي ، بل ايضاً في الميلوديات المتفرّعه عنه افقياً على اساس تقنيات فن الفيوجيه Fuge الذي ابتكره باخ بالشكل النهائي الذي نعرفه اليوم وهويسير افقياً على اساس اربعة خطوط متوازيه بشكل لحني . تتوازي هذه الخطوط الاربعه لتكرّس  باخ بالمؤلف الموسيقي الذي أرسى الاسس النهائيه لفن الفيوغ ضمن علوم الهارموني والكونتربوان الخاصه بحقبة الباروك . هذا الفن العظيم المسمى the art of the fugue هو تحديداً ( مع اشكال هارمونيه موداليه متعدده أخرى ) هو ما يناسب القماشه  اللحنيه لطبيعة الموسيقى العربيه .

وتعتبر تلك النماذج أيضا احدى اهم الابواب والوسائل التي لا يمكن  تطوير الموسيقى العربيه الا بها وعبرها، اذا ما ارادت هذه الموسيقى ان تدخل الى رحابة فضاء عوالم التأليف الموسيقي العالمي الآلي المجرد، لتصل الى بناء انسجه موسيقيه مركبه بصلابة لتحمل سمة تعدد الاصوات المزركش بالتلوين الاوركسترالي الذي يؤدي الى اسلوب التفكير السيمفوني العربي او الشرق عربي، الهادف لإنجاز مهمات تحرره من شكله المونوفوني اولاً ،كما ولتخلّصه ثانياً من التبعيه العمياء التي تقلد الموسيقى الكلاسيكيه الغربيه بشكل صنمي  أعمى مشوه وسيئ ،حيث  يدور بفلكها بالتونال مبتعداً عن طبيعته الموداليه المقاميه اللحنيه الشرقيه الهوى والهويه  .

 

لذلك وبسبب كل هذه الحقائق يمكن اعتبار باخ الصديق الذي تحاكي مؤلفاته مواضيع وافاق تطوير الموسيقى العربيه، بحيث اخذها باساليبه وابتكاراته المقاميه العظيمه الى انفتاحها بالحركه الديناميكية على افاق التركيب المتعدد بالحركة الهارمونية المقاميه الهوى التي تحتفل روحها دائماً بهم التجدد والتطوير والابتكار المركب بالحركه والتلوين الذي يثري بالبناء من داخل الطبيعه الميلوديه المركبه بالمقامات العربيه ،التي يمكن ان تزدهر بالثلاثة ارباع الصوتيه اذا ما توفّرت لها عبقرية المؤلف الموسيقي العربي الذي يحتفل بالعمق والنضج ولا يخشى المواجهه !.  

وهذه إحدى روائعه الموسيقية:

(101) رائعة باخ – YouTube

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى