سياسةمحليات لبنانيةمن هنا نبدأ

رسالة مصارحة الى “نواب التغيير”:كي لا تضيّعوا جهدكم سدى!(واصف عواضة)

 

واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

السادة “نواب التغيير” الكرام،

أسعد الله أوقاتكم بكل خير،

أما وقد بدأت ولاية المجلس النيابي الجديد بعدما حملتكم الانتخابات إلى أروقة البرلمان والحياة السياسية ،فقد صار من حقنا عليكم كمواطنين لبنانيين أن نخاطبكم من موقع المسؤولية الملقاة على عاتقكم ،بعد أن ضرّستنا الأزمات بأنيابها وطحنت عزائمنا وإراداتنا صنوف المعاناة ما يقرب من نصف قرن من الزمن ،فغدا لبنان ساحة فسيحة للصراعات الداخلية والخارجية ،ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من إنهيارات على مختلف الصعد والمجالات.

أيها السادة،

ثمة قاعدة شرعية تقوم على الآية الكريمة “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.وعليه ،ومن باب الحكمة التي تستند إلى مسلّمة “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل” ،فإننا نريد أن نعوّل عليكم لإضاءة شمعة في ليلنا المظلم،على أمل أنكم(كما تعلنون) اللبنة الجديدة لدك أسوار هذا النظام السياسي الظالم، وتوهين  المتمسكين به منذ الاستقلال.

لا يختلف اثنان على ان التغيير سمة الحياة.وقد حمل جيلنا لواءه ودفع الأثمان الغالية من أجل ذلك ،كل على طريقته،لكننا للأسف فشلنا في تحقيق أدنى مستوياته فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.ولذلك نرجو أن تستفيدوا من تجاربنا المخزية وإخفاقاتنا المعيبة التي لم تحقق وطنا لأولادنا وأحفادنا يفخرون به أمام الأمم.

ربما في هذا الكلام، نحمّلكم طاقة أكبر من أكتافكم ،لأننا نعرف وتعرفون ،أن الهاوية عميقة، وأن هذا النظام ما زال يتمتع بركائز متينة ،لكنها بدأت تهتز شيئا فشيئا،تحت أحمال الناس ومعاناتهم وضيق سبلهم.

لقد جئتم من مشارب شتى ،مناطقيا وطوائفيا ومهنيا،واخترقتم جدرانا عالية ما كنا نؤمن بقدرتكم على مقاربتها ،وهذا ما يبعث في نفوسنا أملا في الرهان عليكم ،فإياكم أن تضيّعوا هذا الأمل سدى من خلال الإصطفاف وراء جدران قديمة بالية ،فيذهب جهدكم سدى. ولأن الإسراع في اختراق جدران المعاناة مطلوب ومستعجل ،فإياكم والتسرع لأن فيه مقتلة لآمالكم وآمالنا.

لا نريد أن نسألكم كيف جئتم ،ومن دفعكم ،ومن دعمكم ،ومن هم مشغلوكم(نسبة للتهم الموجهة إليكم) . فكل هذا سنضعه اليوم وراء ظهورنا،ولسوف نصدّق أنكم أهل للثقة بكم.المهم بالنسبة إلينا كمواطنين ،مَن سيركب حافلتكم ويسوس خيلكم.فالطامعون بكم كثر في الداخل والخارج ،ولعلكم تعرفون ذلك جيدا ،فلا تقعوا في ما وقع به السابقون ،وسيقع به اللاحقون.

     بعد هذه “المقدمة العصماء”، نستميحكم عذرا في تنوير دربكم، بناء على التجربة الفاشلة لجيلنا ،في بناء وطن حقيقي لكل أبنائه، يقوم على المواطنة الكريمة البعيدة عن صراعات الطوائف وحصصها المُذلة. وكي لا تقعوا كما وقع غيركم في لجة الصراعات السياسية ،حددوا من الآن قواسم مشتركة ،بعيدا عن الولوج في الخلافات الضيقة التي قد تدمّر مسيرتكم.

   وهذه بعض الأفكار والطروحات التي نحسب أنها تفيد مسيرتكم وتعزز كيانكم في الحاضر والمستقبل:

  • إن علة العلل تكمن في هذا النظام السياسي الطائفي البغيض، فلا تتركوا لخيولكم عنان الإنخراط فيه بأي شكل من الأشكال.فإذا كنتم تحلمون وتطمحون الى بلد ووطن ودولة وسيادة ،فإن هذا النظام لا يحقق شيئا من ذلك.ولا بأس أن تبدأوا من الطائف ودستوره ،فالمادة 95 بانتظاركم لتثبتوا صدق نواياكم.
  • إن الانتخابات هي المدخل الأساس إلى الإصلاح والتغيير، وقد ثبت ذلك من خلال حضوركم اليوم تحت قبة البرلمان، وقد وجه اللبنانيون إليكم الإشارة ،فبادروا الى اجتراح قانون انتخابي يصحح القانون الحالي الأعوج ،ويكون على مستوى البلد لا على مستوى الطوائف.
  • ضعوا هموم الناس نصب أعينكم ، من رغيف الخبز والمحروقات والكهرباء والاستشفاء وسائر القضايا المعيشية. فإذا ربحتم الناس تحققون المكسب الأوفر،وإذا خسرتموهم ،فالنماذج واضحة أمامكم في تجارب الآخرين.
  • ركزوا في تشريعاتكم على المشاريع المنتجة ،وفق رؤية إقتصادية سليمة (زراعة فصناعة فتجارة ،وليس العكس).فلا سيادة لدولة غير منتجة. وويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج.صدق جبران ..خليل جبران!
  • حاذروا الوعود البرّاقة واعملوا بصمت ،وإياكم ومغريات الإعلام وأساطينه.فلا تكبّروا حجركم إلا بما فيه الصالح العام،وإياكم أن تأخذكم العزة بما حققتموه ،فأنتم في بداية الطريق.هي خطوة في رحلة الألف ميل ،فاخطوا بتأن وحكمة وحذر.
  • تجنبوا الساعين إلى ركوب خيلكم .فالسائسون كثر بعروضهم السامة ،وهم الذين لم يرعووا عن سرقة الناس ونهب المال العام طوال عقود من الزمن . وسوف يضعون الألغام في طريقكم ،فحاذروا أن تنفجر بكم.والعبرة في لقائكم المتلفز الأخير.
  • حاذروا ركوب موجة “محاربة الفساد”،قبل إصلاح النظام والقضاء والنفوس.فالفساد في لبنان ثقافة،ليس من السهل اقتلاعها قبل تصحيح الإدارة وكف أيدي حماتها.
  • لا تغرقوا في طروحات لا طائل منها في هذه المرحلة،وهي أعلى من أكتاف لبنان ،وقد يأتي زمنها لاحقا،ويحين أوانها بعد أن تستوفي غرضها.وفهمكم كفاية ،ولا ضرورة للدخول في تفاصيلها.
  • تجنبوا الشعبوية الضيقة واعملوا على أساس لبنان وحدة متكاملة ووطن واحد لجميع أبنائه.فرغيف بيروت هو نفسه رغيف عكار والشمال والجنوب والبقاع والجبل.
  • إعملوا بصدق وشفافية ونظافة،فإن نجحتم ينجح البلد ويكون لكم أجران،وإن أخفقتم يكون لكم أجر واحد.
  • وأخيرا،تجنبوا استفزاز زملائكم في البرلمان على قاعدة النكد السياسي ،فلا شك أن بينهم كثر يحلمون بوطن نظيف ويؤمنون بالقواعد السالفة الذكر.وابتعدوا عن الشخصنة كي لا تأكلوا بعضكم بعضا ،كما توقع ذلك “المرشد الأميركي” شينكر ،سليل شايلوك في  “تاجر البندقية”.

 

أيها السادة،

نحن لا نلقي فيكم موعظة حميدة ،إنما بكل تواضع نضع أمامكم تجاربنا المؤلمة خلف طوائفنا العنيدة،والتي لم تجلب لنا سوى الويل والثبور وعظائم الأمور.فكونوا فعلا اللبنة الصالحة في جدار بنيان جديد للبنان المستقبل.

وفي الختام، نسأل أنفسنا: هل نعوّل عليكم؟؟

مبكر أن نقول هذا بملء أفواهنا،ربما لعيب فينا أو فيكم أو في هذا البلد من الأساس .فالأيام بيننا وبينكم،وإن غدا لناظره قريب.والسلام على من اتبع الهدى!

 

العبد الفقير لله

 الصحافي واصف عواضة

  

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى