فنون

راجعون للأخوين الرحباني.. عمل فني متكامل يجسد نهضة موسيقية ووطنية

مغناة "راجعون" نموذج صارخ للكمال الفني الذي لا يجمع فقط الكلمه باللحن والتوزيع والاوركستراسيون والتفاعل الدرامي بينها فحسب، بل يشمل تأريخاً فنياً لنهضه مستمره كان لها وما زالت تحتفظ بالقدره والحرفيه الرفيعه لشرف التعبير عن سمات وخصائص العصر واحلام الناس والمواطنين  العرب من المحيط الى الخليج، رغم النكسه التي ما زالت تحاول ان تسرق تلك النهضه الفنيه العارمه التي بناها عاصي ومنصور من معالم وشظايا مبعثره!.

مغناة "راجعون" ليست فقط احد اهم اعمال الاخوين رحباني قاطبةً !.. بل قد تكون احد اهم اكمل، اشمل، واعمق عمل درامي غنائي- موسيقي لبناني – عربي يمكن ان يُعوّل عليه ليقول معظم ما يربط ويجمع تاريخ الموسيقى والاغنيه اللبنانيه والعربيه ببعضه ودراسته كنموذج  خلاق للإنسجام الكامل الذي لابد ان يحصل بكمال مثالي خارق ليربط بشفافيه بين الشعر واللحن والتوزيع الاوركسترالي والذي يجمعه ايضاً بشمولية ليرتقي بالروح التعبيريه  الفنيه للموسيقى اللبنانيه الشرق العربيه فيأخذها من روح الشرق الغنائي الموسيقي إلى التآخي بأعقد تقنيات التأليف الموسيقي الغربي التي تناسبه  !.
لقد عرف الاخوان عبر رهافة حرفيتهم وعبقريتهم في تركيب هذا العمل تحديداً كيف يجمعون وبشكل متفرّد ومُلفت بين فن التأليف والتوزيع والاركستراسيون المحترف من جهه، وبين خلق وتطوير نسيج موسيقي بوليفوني مركب لخطاب جديد ومبتكر في آنٍ معاً …  وعرف الأخوان يومها وبهذا العمل تحديداً كيف  يطوّعا انواع بعينها من الهارموني ليأخذها من اجواء التونال الغربي  ليعيدا حياكتها فتتصل وتلتقي بانواع الهارموني المودال الذي يخدم الروح الشرقيه للقماشه اللحنيه المميزه بطنين  اللغه اللحنيه المقاميه  فيرتفع هذا النسيج شاهقاً مزدهراً ومطواعاً ومن خصائصها الداخليه الى مستوى منفتح راقي وقابل للمعالجه الفنيه بما يطوّع تنوع التفكير البوليفوني لمصلحة تثوير ذلك المقام اللحني صوتياً بتلك الأنسجه البوليفونيه فتحاكيها  من الداخل  وتجعلها قادره على الوقوف بصلابه عالميه تحتفل بوعي قدرتها المحليه على محاكاة متطلبات العصر من الداخل المقامي الى الخارج البوليفوني الذي ذهب به الاخوان ليزدهي على يديهما بأرفع أنسجة  اسلوب التفكير السيمفوني القادر على جمع الموسيقى العربيه بالكلاسيكيه العالمية وجعلها أكثر غنى  وقدره وقابليه لتزدهرا ببعضهما بفراده لم تكن موجوده من قبل  .. ولتزدهيان بغنى لوني مترابط متداخل بلا فكاك امام الوان اكثر الموسيقات العالميه ثراءً وكمالاً !. انا لم اخترع هذا الكلام من عندي .. انا كنت سمعته من عطاءات عاصي ومنصور  بطرق ووسائل واساليب وانسجه كثيره منذ نعومه أظفاري وشببت عليه كجيل جديد يلهث خلف تلك الابتكارات التي تربينا عليها على يدي وقدرات الاخوين على تثوير وتطوير وخلق وإغناء وعي فني فكري موسيقي ثقافي إجتماعي وسياسي محلي لبناني عربي جديد لا متنازل عن متانته وثرائه وقدرته على محاكاة العصر والطموحات والاحلام
لقد عملا على تأسيس تلك القيم والعطاءات  من الصفر ليرتفع فوقها مجدنا الموسيقى واسس الاغنيه الشرق عربيه التي خرجت على يديهم مبتكره نظيفه خارقه لم يسبقهم اليها احد  لبنانياً، كفن غنائي موسيقي لبناني جديد صافي الهويه والجذور وقادر على رفد أخته الكبرى الموسيقى والاغنيه العربيه بما يغنيها ويرفدها من مصادر وابتكارات وافكار خرجت على يديهما وفكرهما اكثر  تنوعاً وثراءً وإيماناً بقدرتها على المنافسه والخروج من صنمية الحياكه على المتداول والسائد المكرور ،بهدف الخروج  من تلك الحلقه والدائرة المفرغة المحليه لبنانياً  وعربياً  مغلقة ببناء عالمي، ولكن شرقي صلب يعرف كيف يشرق ويشع بخصائصه وميزاته وجذوره بفخر دون خجل او مواربه !.
قليلون هم اللذين لفتوا الأنظار الى اهمية واستثنائية  هذا العمل اللبناني العربي العالمي الخارق "راجعون " وكان اولهم بروفسور الرياضيات والناقد الموسيقي اللبناني المحترف والمميز في الشرق الراحل نزار مروه  ، كما احب  ان الفت النظر الى ما قرأته مره في إحدى المقالات الصحافيه ان المايسترو والموسيقي العالمي المرموق  sir جون إليوت كاردنر عندما زار بيروت في ستينات القرن الماضي مع اللندن سيمفوني اوركسترا ،وعزفوا أعمالاً غربيه في لبنان، وقتها سمع هذا العمل وانبهر به وتكلم حسب رأيه عن عناصر الاعجاز والقوه فيه . ويقال انه وزع بعض أجزائه باسلوبه الخاص   في احدى التسجيلات التي يمكن اعاده التفتيش عنها في مصادرها .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى