دولياتسياسة

حلف الأطلسي ما بعد كورونا:إما التعاون او الموت المحتم…!

ِ

محمد صادق الحسيني
التهديدات التي كان يعيشها العالم ، قبل انتشار وباء كورونا ، وبغض النظر عن طبيعتها ، اختلفت تماماً بعد ظهور هذا الوباء القاتل والخطير جداً ، على البشريه جمعاء وليس على شعب بعينه .
وعليه فان منطلقات الدفاع الأورواطلسيه ، التي أقيم على اساسها حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) قد انقلبت رأساً على عقب ، لا بل انتفى وجودها من الاساس . فمن المعلوم ان امين عام حلف شمال الأطلسي كان قد لخص مهمات الحلف بالكلمات التاليه :
‏To keep Russia out , Americans in , German down .
اي :

•ابعاد روسيا .
•تمكين اميركا .
•قمع المانيا .
لكن الظروف التي كانت سائدة آنذاك قد انتهت تماماً ، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وكتلة الدول الاشتراكيه وضعف قدراتها العسكريه بشكل عام ، وتمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً ، وضمه جميع الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو للدول الاشتراكيه الى عضويته ، ووصول قوات الناتو الى حدود جمهورية روسيا الشماليه الغربيه ، بحيث اصبحت مدينة لينينغراد الروسيه في مرمى مدفعية قوات الحلف الأطلسي ، وذلك على عكس الضمانات التي أعطيت لآخر رئيس للاتحاد السوفييتي ، ميخائيل غورباتشوف ، عند توقيع اتفاقية سحب القوات السوفيتيه من المانيا دول أوروبا الشرقيه .
   و قداختفى التهديد السوفييتي المزعوم ، من قبل الناتو والولايات المتحده واذنابها الاوروبيين ، مما جعل الناتو ، بقيادة واشنطن ، يبدأ بالبحث عن أعداء جدد ، ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي ، لتبرير وجود هذا الحلف العدواني ، الذي هدد السلم العالمي منذ نشأته . وقد ترجمت هذه السياسه العدوانيه ، الاميركيه الاطلسيه ، في خطوات الحلف التاليه :

1. الحرب العدوانيه ، التي شنتها قوات الحلف والجيش الاميركي ، ضد العراق سنة ١٩٩١ .
2. حروب البلقان ، التي هندستها ومولتها وسلمت لاعبيها ، بهدف تفكيك جمهورية يوغوسلافيا ، صديقة العرب والقضيه الفلسطينيه ، وتدمير قدراتها العسكريه ، وذلك عبر حرب بدأتها سنة ١٩٩٢ واستمرت حتى ١٩٩٦ .
3. الحرب الشامله ، التي شنتها الولايات المتحده وقوات حلف شمال الأطلسي ، ضد جمهورية صربيا ، اليوغوسلافيه السابقه ، سنة ١٩٩٩ ، والتي ادت الى تدمير شبه كامل للبنى التحتيه الصربيه واقتطاع اقليم كوسوفو وفصله عن الدوله الصربيه ، بحجة ان أغلبية سكانه من القوميه الالبانيه .
4. الحرب الاميركيه الاطلسيه ضد العراق سنة ٢٠٠٣ واحتلاله وتدمير الدولة العراقيه بالكامل اضافة الى تدمير البنى التحتيه المدنيه والتي لا زالت تعاني من آثار تلك الجريمه حتى يومنا هذا .
٥.الحرب على ليبيا ، سنة ٢٠١١، والمستمرة حتى اليوم ، والتي دمرت ليس فقط الدولة الليبية وانما كل بناها التحتيه وجميع مقومات الحياة في هذا البلد العربي المنكوب .
6. كما لا بد من الاشارة باللون الأحمر الى الحرب العدوانيه على الشعب اليمني والتي بدأها محمد بن سلمان سنة ٢٠١٥ بدعم أمريكي اوروبي غربي واسرائيلي مباشر .

وما ان استنفذت مبررات وجود هذا الحلف من جديد ، مع بداية الألفية الثالثه ، حتى تفتق عقل المخططين الاستراتيجيين الامريكيين والأوروبيين عن اختراع عدو جديد ، يمتد وجوده المزعوم على امتداد العالم ، اطلق عليه اسم : الارهاب .
فكان ان شنت واشنطن ، بالتعاون مع الحلف ودول اخرى ، اثر هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ في نيويورك ، حربها على افغانستان إبتداءً من شهر ١٠/٢٠٠١ ، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم .ثم تبع ذلك خلق وتفقيس تنظيمات ارهابيه أمريكية ، تحت مسميات مختلفه ، ونشرها في عدة دول عربيه ، مستخدمة إياها لذات الاسباب المذكوره اعلاه . حيث قام تنظيم داعش بالاستيلاء على اجزاء واسعة من سورية والعراق وأعلن ما اسماه " دولة الخلافه الاسلاميه " سنة ٢٠١٤، كمقدمة لتفكيك الدوله السوريه والعراقية .
وقد سارعت واشنطن آنذاك لتشكيل " تحالف دولي " ، بحجة محاربة الارهاب ، زجت به من جديد بقوات حلف شمال الأطلسي ، في مسرحية عسكريه ، هدفت الى تمديد عمر حلف شمال الأطلسي الافتراضي ، الذي كان قد انتهى بزوال الاتحاد السوفييتي . ذلك التحالف الذي لم يكن له اي دور يذكر ، في محاربة وجود التنظيمات الارهابيه ، مثل داعش والقاعده ، وانما اقتصرت محاربة هذه التنظيمات على الجيش العربي السوري ، مدعوماً بقوات ايرانيه واُخرى من حزب الله اللبناني ، الى جانب قوى المقاومة العراقية ومن ثم الجيش وقوات الحشد الشعبي العراقي ، التي تشكلت اثر اجتياح الارهاب الامريكي الأسود لمناطق واسعه من سورية والعراق ، سنة ٢٠١٤ .
هذا الصمود ، الذي كان لايران دوراً أساسياً وفاعلاً في تحقيقه ، والذي ادى الى شعور القيادة الروسية بخطر الارهاب ، واحتمال تمدده الى داخل الاراضي الروسيه ، من خلال مقاتلين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى ، مما جعلها ، وانطلاقاً من اهداف استراتيجية دوليه ، الى التدخل العسكري المباشر ،في شهر أيلول ٢٠١٥ ، لدعم الدولة السوريه ومنع اسقاطها ، من قبل الولايات المتحده وحلفاؤها الغربيين ( دول الناتو ) .
وهو الامر الذي ادى الى فشل حلف الناتو وسيد البيت الابيض في المهمه ، ما يعني افراغ هذا الحلف من محتواه مجدداً ، وطرح السؤال الحاسم حول جدوى استمرار وجوده ومبررات ذلك الوجود . علماً ان الإجابة على هذا السؤال اصبحت اكثر الحاحاً ، بعد اجتياح وباء كورونا معظم دول العالم وتسببه في موت وإصابة الملايين من البشر ، على امتداد العالم .
من هنا ، وفي ظل استحالة تمكن اي دولة بمفردها من مواجهة هذا الوباء ، وغيره من الأوبئة المحتمله في المستقبل ، وفي ظل العجز المرعب والنقص المخيف في التجهيزات الطبيه اللازمه ، الذي أظهرته الولايات المتحده والدول الأوروبية جميعها ، في مواجهة هذا البلاد الذي حل بالعالم ، وبالنظر الى التداعيات الاقتصاديه والاجتماعية والسياسية الكارثية ، التي ستنجم عن انتشار هذا الوباء ، فاننا نرى ان من من الضرورة بمكان ان نؤكد على النقاط التاليه ، كمخرج آمن وحيد من الأزمة الحاليّه وأي ازمات مستقبلية :

أولاً : الحل الفوري لحلف شمال الأطلسي ، بفروعه السياسية والعسكرية والتنظيمية وغير ذلك ، وانهاء وتصفية وجوده بشكل نهائي ودائم ، وتوجيه الاموال التي تنفق على الحلف حالياً ، الى مجالات الاستثمار في البنى التحتية والنشاطات الاقتصاديه الإنتاجية في دول الحلف نفسها .
ثانياً : في ظل الهدر المتزايد لثروات الكرة الارضيه واستغلالها بشكل مجحف ، من قبل القوى الرأسماليه الليبرالية المتوحشة جنياً لمزيد من الأرباح وتركيزاً للثروة العالميه في ايدي بضع عائلات فقط ، فقد اصبح من الملح جداً ، على جميع دول العالم ،ان تتداعى للبحث في آليات جديده تكون ناظمة للعلاقات الدوليه ، عوضاً عن سياسات التهديد العسكري المباشر والعقوبات الماليه والاقتصاديه ، التي تمارسها الولايات المتحده والدول الغربيه ، ضد العديد من دول العالم  من ايران ، الى جمهورية الصين الشعبه وروسيا الاتحاديه ، وصولاً الى خلق قاعدةٍ دولية للتعاون الاقتصادي الدولي المتوازن والمستند الى خطط علمية دقيقه ، عوضاً عن سياسات النهب الشامل لثروات الارض ، من قبل قوى خفيه تفتقر الى وجود اية روادع اخلاقيه او انسانيه وتحكمها الأنانية المطلقة ، التي لا تتوانى عن شن الحروب وتدمير الدول وقتل شعوبها ، حفاظاً على المصالح الذاتيه لهذه القوى .
ثالثاً : من هنا فان الحل الشامل والناجع ، لمشاكل البشريه بشكل عام ، لا يكمن في مواصلة سياسة اللعب بالنار ، التي تمارسها الولايات المتحده ودول الناتو الاخرى ، على حدود روسيا الشماليه الغربيه ( لينينغراد ) ، ولا في مواصلة التحرشات العسكريه ، التي تنفذها البحرية الامريكيه ، في بحر الصين الجنوبي والشرقي ، وفي غرب المحيط الهادئ ، ومحاولات اختلاق " عدو جديد " للولايات المتحده وحلف الناتو ، الذي تواصل واشنطن استخدامه ، في تنفيذ عمليات ألعاب نارية ، هنا وهناك ، مرة ضد ايران واخرى في مواصلة توجيه التهديدات للصين الشعبيه والعمل على دق اسفين بين روسيا والصين ، من خلال اغراء روسيا بمعاملة تفضيلية ، اذا ما ابتعدت عن الصين الشعبيه وأوقفت التعاون معها ، وانما الحل لا يمكن الا في التعاون الدولي ، لمواجهة التحدي المشترك ، المتمثل في وباء كورونا وغيره من الأوبئة .
رابعاً : ولعل اقرب الطرق للوصول الى تصور مشترك وخطة عمل مشتركه لمواجهة تحديات المستقبل ، على الصعيد الكوني ، هو العودة الى اقتراح الرئيس الروسي ، فلاديمير بوتين ، الداعي الى عقد اجتماع طارئ لرؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن ، لتدارس امكانيات ايجاد آليات لمواجهة التحديات المستقبليه التي تواجه البشرية جمعاء . ذلك الاقتراح او المبادره ، التي اطلقها الرئيس الروسي بتاريخ ٢٧/١/٢٠٢٠ ، في مناسبة الذكرى ٧٥ لتحرير قوات الجيش الأحمر السوفييتي لمعسكر الاعتقال في بلدة أوشفيتس ، الواقعه جنوب غرب بولندا ، بتاريخ ٢٧/١/١٩٤٥ .
وهذا يعني ، من الناحية الواقعيه وانطلاقاً من من المبدأ السياسي ، الذي أسسه المستشار الألماني السابق ڤيللي براندت بداية سبعينيات القرن الماضي ، ويطلق عليه اسم " رِيالْ بوليتيك Realpolitik " -، وتعني السياسه الواقعيه ، والتي أسست لبدء سياسة الانفتاح الألماني على دول المعسكر السوفييتي بشكل عام وجمهورية المانيا الديموقراطيه ( الشرقيه ) آنذاك بشكل خاص ، نقول ان هذا يعني :

–ان على الولايات المتحده ، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا ، العدو المشترك لكل دول العالم ، ان تتخلى عن سياسة المواجهه والعدوان العسكري والعقوبات الماليه والاقتصاديه ، وتجلس الى طاولة المفاوضات وتجترح ، بالتعاون مع الدول العظمى الاخرى ، خريطة حلول دبلوماسية سياسية للمشكلات الدوليه ، الامر الذي سيساعد واشنطن على البدء بعلاج جنودها المصابين بفيروس كورونا وسحب قواتها ، من قواعدها العسكريه التي يزيد عددها عن الف قاعدة منتشرة في العالم ، وتصفية هذا الوجود العسكري المكلف وباستثمار الاموال المهدورة في استثمارات داخل الولايات المتحده او في المشروع الصيني العملاق : طريق واحد …حزام واحد . خاصة وان التاريخ يُعَلِّم ان سبب انهيار الإمبراطوريات الرئيسي هو انفاقها على حضورها العسكري الواسع في العالم والذي يفوق امكانيات الإمبراطورية الماليه والاقتصاديه .
ولا بد من الإضافة ، الى كل ما تقدم ، بان جمهورية الصين الشعبيه وروسيا الاتحاديه ليستا جمهوريتي موز ، او ممالك رمليه ، كمملكة محمد بن سلمان في السعوديه ، كي تتمكن واشنطن من ابتزازهما بالتهديدات المستمره ، بإصدار قوانين عقابية ضد الصين ، تشبه قانون جاستا الخاص بتعويض " اقرباء ضحايا " ١١ / ايلول ٢٠٠١ . فالدولتان قادرتان ، ليس على مقاومة الضغوطات الاميركيه فحسب ، وانما على الحاق هزيمة عسكرية نكراء ، بالولايات المتحده الاميركيه ، في حال تجرأت على ارتكاب اي خطأ عسكري تجاه اي من الدولتين .
اما حديث ترامب ، عن نيته تدمير الزوارق الايرانيه ، اذا ما " تحرشت " بسفن البحريه الاميركيه في الخليج ، وحديث وزير خارجيته ، مايك بومبيو ، عن ضرورة معاقبة ايران على إطلاق الحرس الثوري قمراً صناعياً بنجاح ، فلا تنم لا عن سياسة واقعية ولا عقلانية وانما تؤشر الى استمرار السياسه الاميركيه العدوانيه والعنجهية ، التي لن ينتج عنها سوى انهيار الإمبراطورية الاميركيه من الداخل ، بسبب المشكلات الداخليه ، وتفكك الولايات المتحده وتحولها الى الولايات المتقاتلة بدلاً من المتحده .
وهي نهاية حتمية لسياسة اعتباطية ومعادية لأصول المنطق والعلم والمنهج والتخطيط الايجابي الخلاق .
انها السنن الكونية التي لا مناص منها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى