رأيسياسةغير مصنفمحليات لبنانية

حكومة معا للإنقاذ:إدارة الإنهيار وإجراء الانتخابات(أمين صالح)

 

بقلم أمين صالح

غايتان أساسيتان يشي بهما بيان حكومة ” معاً للإنقاذ ” ، بالرغم من غموض البيان والتباسه وضبابيته والأوجه العديدة التي يحملها .

الغاية الأولى : استكمال تنفيذ خطة الإنهيار أي خطة الدولة العميقة وأداتها التنفيذية حاكم مصرف لبنان وبرعاية صندوق النقد الدولي والتي تقضي بتحميل الشعب اللبناني ، ولا سيما فقرائه ومعوزيه ، الخسائر المالية اللاحقة بالدولة ومصرفها المركزي . هذه الخطة المرتكزة على إحداث الإنهيار النقدي وزيادة كمية النقد الوطني المتداول وخفض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي وزيادة الأسعار للسلع والخدمات كافة ، وبالتالي نقل عبء الدين العام وفوائده وخسائر البنك المركزي الى الشعب اللبناني وامتصاص ما تبقى من ثروات ومداخيل هذا الشعب . وهذا الحل هو خيار الوصاية الدولية للحصول على بعض الدعم الخارجي من المؤسسات والهيئات والصناديق الدولية .

لذلك تعهدت حكومة ” معاً للإنقاذ ” بالتفاوض مع صندوق الدولي للوصول الى خطة دعم من الصندوق ، ولم تنس الحكومة من أن تتعهد بتحديث خطة التعافي أي خطة الحكومة السابقة محاباة للمصارف التجارية التي أحبطت هذه الخطة لأنها فضحت المصارف وراعيها البنك المركزي وحملتهما مسؤولية الإنهيار .  ولم تنس الحكومة أيضاً إلزام نفسها الإلتزام بالمبادرة الفرنسية واسترضاء مؤتمر سيدر بالتعهد باستكمال سياسة الإصلاح الإقتصادي  التي تقدم بها لبنان الى المؤتمر أي بيع أملاك الدولة وخصخصة مرافقها العامة . وتذكرت الحكومة أيضاً دراسة الإستشاري ماكينزي وتعهدت بالإستفادة منها ، وتأكيداً لخيارها الخارجي تعهدت الحكومة بمعاودة مفاوضة الدائنين للإتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام ، أي عملياً التفاوض مع مصرفها المركزي والمصارف التجارية وبعض حملة سندات اليورو بوند. وتناست الحكومة أنه ليس من شيء يقتضي التفاوض بشأنه مع الدائنين إذ أن أكثر من 94% من الدين العام هي عبارة عن فوائد حرام شرعاً وقانوناً لا مثيل لها في أي دولة من دول العالم الرأسمالي وبالتالي يقتضي شطبها نهائياً .

لقد لاذت الحكومة بالصمت المطبق فلم تتجرأ حتى ولو بالإشارة الى ما يتوجب عليها عمله بشأن إستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وخفض الأسعار وزيادة القدرة الشرائية للمداخيل ، ذلك أن أساس الأزمة هو الدين العام وسعر صرف العملة الوطنية وبدون حل هاتين المشكلتين ستبقى الأزمة مستمرة لأكثر من عشرين سنة .

 

الغاية الثانية : إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها ، دون أي تغيير أو تبديل أو تحديث لقانون الإنتخابات الحالي الطائفي المذهبي التحاصصي الذي يميز بين المواطنين خلافاً لأحكام الدستور ، وهذا التعهد للحكومة وإن كان في الشكل يتوافق مع الدستور والقانون إلا أنه في المضمون يستجيب لرغبتين : رغبة الدولة العميقة بإلهاء الناس بالإنتخابات وصرف اهتمامهم عن شؤون وشجون حياتهم التي أصبحت بفضل سياسات الدولة جحيم لا تطاق ورغبة الجهات الخارجية التي ترغب بإحداث تعديل في ميزان القوى السياسي الحالي والحصول على أغلبية نيابية تتيح لهذه الجهات الإمساك بقرار الدولة الرسمي في شتى المجالات ولا سيما ما يتعلق بالسياسة الدفاعية وترسيم الحدود والعلاقات الدولية ومسار التطبيع مع العدو الصهيوني .

بصراحة ، إن الحكومة العتيدة تتبنى الخيارات الخارجية في السياسة والإقتصاد وهي خيارات خطرة قد تمس بالسلام الوطني والاستقرار الداخلي .

أما ما تبقى من البيان الوزاري مفردات وتعهدات ملها الشعب اللبناني ويستنكنف عن سماعها ، فهي ترداد لبيانات الحكومات منذ اتفاق الطائف ولغاية تاريخه وستبقى الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

 إن ما يثير الاستغراب والاستهجان هو أن حكومة ” معاً للإنقاذ ” ترى أنه من الواجب سماع أصوات الشبان والشابات الذين انتفضوا في الساحات منذ 17 تشرين الأول والإصغاء الى مطالبهم . نعم إن مطالب هؤلاء واضحة وهي إستعادة الأموال المنهوبة والمسروقة والمحولة الى الخارج ومحاسبة المسؤولين عنها ، وإجراء الإنتخابات على أساس قانون إنتخابي جديد يحقق التمثيل الصحيح والعادل للجميع وحكومة من خارج الطبقة السياسية … فهل في البيان الوزاري وعد أو تعهد أو حتى تلميح الى ذلك  ؟ كلا وألف كلا ، فلا هم للحكومة إلا إعادة إنتاج منظومتها السياسية والمالية التي أسقط شرعيتها الشعب في 17 تشرين الأول 2019 .

وقانا الله شر النفاق  ومنحنا بركات الصدق .

 

                            بيروت في 19/9/2021

                                    أمين صالح 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى