إغتراب

جورج أنطون وداعاً(أحمد ناصر) 

 

 

أحمد ناصر – الحوارنيوز

حضوره استثنائي وغيابه مؤلم.
هو أكثر من صديق بل أخ لكل من عرفه، ولي شخصيا حيث تجذرت علاقتي به التي استمرت الى يوم الرحيل الصعب..
خمسون عاما من تبادل الأفكار والهموم الوطنية والاغترابية.
شريكٌ في رحلة الاغتراب، حمل هموم المغتربين حول العالم، قبل تسلمه مهام رئاسة الجامعة اللبنانية الثقافية في العام 1998 وبعد انتهاء ولايته وتسلمي الأمانة منه بالإجماع بناء لإقتراحه العام 2005. وخلال ولايته تسلمت مسؤولية نائب الرئيس العالمي الأول وكانت مسيرة غنية من العمل المؤسسي حيث تمكنا من إعادة الاعتبار للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وشرعنا في تجديد فروعها وتطوير أنظمتها، والأهم من كل ذلك أننا تمكنا من تحييدها عن السياسة بملوثاتها الطائفية والمذهبية، وحصّناها لتغدو مؤسسة جامعة وحاضنة لكل أبناء الاغتراب من بلدان الأميركيتين الى افريقيا وآسيا وأستراليا وكل ناحية من نواحي العالم حيث الاغتراب اللبناني مترام.

أذكر كيف كان شغوفا في المؤتمر الحادي عشر والذي انعقد لأول مرة في بيروت بتاريخ 9/1/1998 بعد انقطاع دام قرابة 25 عاماً وبرعاية الرؤساء الثلاثة. كطفل يسعى وراء حلم الوحدة الاغترابية، ” …كلنا عائلة لبنانية واحدة وعلينا أن ننقل تجارب العالم النموذجية في المواطنة والمساواة الى مجتمعنا ولبناننا الحبيب، لا نقل خطاب التفرقة الى مغتراباتنا”.

استحق الراحل جورج أنطون ثقة المغتربين وقادة البلاد ووزارة الخارجية والمغتربين  آنذاك حيث استبقنا المؤتمر المذكور بالحصول على موافقة وزارة الداخلية وذلك من أجل “إعادة تكوين ملف الجامعة باسم: “الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم”، وجاء في منح الجامعة الموافقة ما يفيد بأن “هذه الهيئة هي المخولة بإدارة الجامعة الى حين انتخاب هيئة جديدة”. وضمت الهيئة الجديدة على ما أذكر كل من: جورج انطون رئيسا، أحمد ناصر نائبا للرئيس وجوزيف فرنسيس أمينا عاما.

لقد شدد في كلمته المؤتمرية على محبة لبنان وضرورة الالتفاف حول مؤسساته الدستورية وقال: “ان انعقاد هذا المؤتمر في لبنان هو دليل على مدى محبتنا للبنان الذي خرج من الحرب”، واعدا بالعمل من خلال هذا المؤتمر على “إعادة توحيد صفوف الجامعة”. وهذا فعلا ما كان بمثابة العنوان لمسيرة من العمل الشاق.
الوحدة الاغترابية بالنسبة للراحل كانت تحتاج الى خطاب وحدوي والى برامج عمل لا تميز بين مغترب وآخر الا بمقدار حبه للبنان.
وطوال فترة ولايته كان خطابه ثابت، لا يحيد عن الدعوة الى التآخي والتآزر بين كل الفروع أو المجالس القارية.
جورج أنطون ” أخي الوفي” كما يحب مناداتي .. رحل في وقت نفتقد للرجال الذين لا يهابون قول كلمة الحق ويعطون من وقتهم ومالهم لخير لبنان والاغتراب.
لم تثن جورج أنطون هجرة والده المبكرة إلى الولايات المتحدة حيث حطّ رحاله في هاييتي مسقط رأسه، عن حبه لوطنه الأم …عادت العائلة الى الولايات المتحدة حيث تزوج سيدة برازيلية من أصلًٍ لبناني وعاش في البرازيل و عُيِّن قنصلاً لهاييتي في ساوباولو.
في العام 2015 كان آخر لقاء لي مع الراحل، وذلك خلال جولتي كرئيس للجامعة ورافقني خلالها امين عام الجامعة بيتر الأشقر وعدد من أركان الجامعة، وشملت عدة دول في اميركا اللاتينية ومن بينها البرازيل التي كانت من أهم المحطات، وقد وصف الرحلة الصديق الأشقر بالرحلة المفصلية…
ورغم المسافات وضغط العمل والحياة، لم يغب جورج يوما عن لبنان وكانت علاقته بأخيه الأصغر اللواء الدكتور ألبير مميّزة، كان بالنسبة له أخا أكبر ووالدا وصديقا ورفيقا وشريكا حملا حب الوطن بقلبهما، فالأول كان نجما من نجوم الوطن في فضاءات العالم والثاني حمل الوطن نجوما على كتفيه.

“أخي الوفي” لك مني وردة من بستان العمر الذي قضيت أكثر من نصفه ونحن نعمل معاً، الى جانب شخصيات وقيادات اغترابية آخرين، فأغنينا معا مسيرة الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وعززنا معا واقع الجاليات حول العالم.
* الرئيس الفخري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ورئيس عالمي سابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى