سياسةمحليات لبنانية

عندما يبدأ الناس دخول بيوت الله لغير الصلاة!

 


محمد هاني شقير
اجتاح وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس الثلاثاء خبر عن قيام مجهول بسرقة مروحتين من مسجد في بلدة عدلون الجنوبية.
ربما كان الخبر عادياً، ففعل السرقة ليس أمراً غريباً إنما تحصل سرقات كثيرة في شوارعنا وأحيائنا ومن منازلنا وحتى من داخل سياراتنا، ولكنّ الأمر اللافت في هذه العملية هو طبيعة المسروقات والمكان الذي سرقت منه.
المؤشر الواضح أن السارق هو من الأشخاص الفقراء الذين يفتقدون في منازلهم أجهزة التكييف والتبريد ،والظنّ يغلب ان الفاعل لا يملك مروحةٍ تنسم له ولمن يعيش معهم بعض الهواء، وقد يكون من الأشخاص الذين تعطلت أعمالهم،  وتراكمت عليهم الديون في الأشهر المتأخّرة، وحاله ككثيرين ممّن يرزحون تحت خطّ الفقر. والاحتمال الآخر، أي السرقة كفعل جرمي وارد أيضاً، إنّما مجرد التجرؤ على دخول المسجد والسرقة منه – تحديدًا سرقة مروحة- يعطي انطباعًا عن أنّ السارق هو من الصنف الأول الذي أشرنا إليه.
ما نذهب إليه في هذه العجالة ليس تشجيعاً على السرقة بقدر ما هو الإضاءة على ما وصلت إليه ظروف العباد في هذه البلاد، في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة بالذات.
منذ أشهر، وتحديداً قبل أن يجنُ الدولار ويرتفع بشكل متصاعد، ويأكل قيمة الليرة اللبنانية، كانت أسعار المراوح في الأسواق اللبنانية تتأرجح بين ثلاثين ألفًا وخمسة وثلاثين ألف ليرة لبنانية ( 30000 و 35000) أي ما يعادل عشرين إلى ثلاثة وعشرين دولاراً أميركياً. ومع تهاوي قيمة الليرة ارتفعت أسعار معظم السلع الاستهلاكية والغذائية، وأصبح سعر تلك المروحة يتراوح بين ثمانين ألفًا، ومئة ألف ليرة لبنانية ( 80000  و 100000) وهذا المبلغ يشكل عبئاً إضافياً على العائلات الفقيرة وحتى الميسورة منها؛ إذ يعجز الفقير في هذه المرحلة، ولا سيّما العاطل عن العمل، أن يخصّص مثل هذا المبلغ لشراء مروحةٍ، فهو سيدّخر المبلغ المذكور، إذا توافر معه، لشراء حاجيات عائلته الغذائية الأساسية.
إن مثل هذه الأفعال سوف تزداد وتتصاعد، يوماً بعد آخر، وسنسمع كثيرًا عن وقوع سرقات مختلفة ومتنوعة، لم نكن قد اعتدنا على سماعها سابقًا، وذلك بالتزامن مع التدهور المريع الذي يصيب ليرتنا الوطنية، وعدم وجود صناعة وطنية تنافسية تخفّف الأعباء عن كاهل اللبنانيين.
ربما أصبحنا في حاجة قصوى الى سياسة اجتماعية تكافلية تتبناها الدولة وأجهزتها المختلفة بشكل رئيس، لتتضافر مع المبادرات التي يقوم بها الجمعيات والأحزاب والأشخاص الخيريون، بغية تخفيف فاتورة الاستهلاك اليومي للفقراء على وجه الخصوص.
فقيرنا، ذلك "السارق الصغير" – وصفة الصغير محمولة على قيمة المسروق هنا-  لا يشبه "السارقين الكبار" ،هو واحد من اللبنانيين المفجوعين بالطبقة السياسية التي اختاروها، ووقفوا سداً منيعاً دفاعاً عنها في مراحل عزّها، وقدموا لأجلها الغالي والنفيس، وكانوا يمنّون النفس بأن تقيهم شر العوز ذات يوم، ولكنّ هذا اليوم جاء، فأصيبوا بخيبة أمل، خيبة جاءت ثمرة فاسدة لخيارات حكمتهم أن يرفعوا ساسة في غير مقامهم، لم يدركوا أنّ طينتهم هي من "التجّار الذين يأكلون مال الفجّار".
ويبقى الحال على ما هو عليه، بل أسوأ، بانتظار بناء دولة وطنية قادرة عادلة تعيد للبناني عزته التي تسبّب – الملعون- في ضربها والنيل منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى