مصارف

جشع المصارف

 

د.عماد عكوش
في كل يوم يتبين كم هو كبير جشع هؤلاء المصارف وكم هم لصوص هؤلاء . لقد تمادوا في كل شيء دون حسيب ودون رقيب ، فلم يكتفوا بحجز أموالنا وودائعنا لديهم ، بعد أن أساؤوا إدارتها ، وبعد أن أساؤوا الأمانة بحق كل لبنان ، وبعد أن وقفوا متفرجين على ما يحصل للأقتصاد اللبناني ولسمعة لبنان ، لا بل لم يكتفوا بذلك بل حاولوا ويحاولون الأستفادة من كل ذلك بتحقيق المزيد من الأرباح على حساب أرزاق الناس ، وعلى حساب الخزينة اللبنانية ، بغض النظر عن الأضرار الكبيرة التي تصيب الجميع .
لقد بدأت حكاية جشع المصارف مع توظيف ودائع الناس في غير محلها للاستفادة بأكبر قدر ممكن من فرق الفوائد على سندات الخزينة، معرضين ودائعهم لكل أشكال الخطر ، متناسين المعايير الدولية التي تمنعهم من توظيف هذه الأموال وبشكل كبير في سلة واحدة . إنه الجهل والطمع الذي حرم هؤلاء المودعين من حقوقهم ، جهل المسؤولين وطمع المصارف والنية في السرقة التي جمعت المسؤولين والمصارف .
مع بداية الأزمة جمدت المصارف أموال الناس لديها وأوقفت إحتساب الفوائد عليها إلا ما ندر . في المقابل أبقت لا بل رفعت فوائدها على تسهيلات الزبائن لديها ، ما رفع هامش الأرباح لديها بشكل كبير وصل الى أكثر من عشرة بالمئة بشكل وسطي. ولو علمنا أن قيمة تسليفات المصارف بلغت وبشكل وسطي خلال سنة 2020 مبلغ ستين الف مليار ليرة لبنانية، لعلمنا أن حجم هذه الفوائد بلغ حوالي ستة آلاف مليار ليرة لبنانية .
من ناحية أخرى بلغ متوسط توظيفات المصارف في سندات الخزينة اللبنانية بالليرة وبالدولار الأميريكي حوالي أربعين مليار دولار أميريكي ، ولو افترضنا أن هامش الربح عليها كان خلال سنة 2020 ستة بالمئة ، فهذا يعني ان حجم الأرباح على هذه السندات بلغ حوالي 2،4 مليار دولار ، وإذا ما اعتبرنا أن توزيع الدين هو ثلثان بالليرة وثلث بالدولار فهذا يعني ان قيمة هذه الفوائد فعليا تعادل حوالي 8،8 آلاف مليار ليرة لبنانية .
لم يقف جشع المصارف عند هذا الحد ، فقد لجأت الى إلزام المودعين والموظفين بفتح حساب جار وطلب بطاقة سحب نقدي ، وتحميل المودع كلفة هذه العمليات ، ووضعت حدا أقصى لعملية السحب حتى لا يستطيع المواطن سحب المال المحرر دفعة واحدة ،وذلك بهدف المزيد من العمولات مع كل عملية سحب نقدي ، ومع كل عملية تحويل من الدولار الى الليرة اللبناني ، ما جعلها تحقق رقما خياليا من العمولات لم تكن تحلم به يوما ، بحيث بلغ متوسط عدد العمليات في الشهر حوالي ستة ملايين عملية بسعر وسطي عشرة آلاف ليرة لبنانية ، فبلغت حجم العمولات 60 مليار ليرة لبنانية .
كما بلغ متوسط ودائع المصارف لدى مصرف لبنان خلال العام 2020 حوالي 165 ألف مليار ليرة ، ومتوسط الفائدة التي تتقاضاها هذه المصارف على هذه الودائع خمسة بالمئة محققة ما لا يقل عن أربعة بالمئة هامش ربح عليها ، وهذا يعني حوالي 6.6 ألف مليار ليرة من الفوائد .
ثم عمدت المصارف الى حجز والاستفادة من شراء الدولار من مصرف لبنان والذي كان المفترض ان تقدمه لمستحقيه من الأهالي تطبيقا لتعاميم مصرف لبنان بما خص الدولار الطالبي ، والخدم ، وتذاكر السفر ، والسلع الأساسية ، والسلة الغذائية ، قامت بحجز جزء منها لمصلحتها لتعيد بيعها كشيكات في السوق السوداء بسعر 3100 ليرة محققة أرباح مضاعفة .
مما أسلفنا نعتقد بأن المصارف حققت خلال العام 2020 الأرباح التالية :
فرق فوائد تسليفات   6000 مليار ليرة
فرق فوائد سندات الخزينة 8800 مليار ليرة
فوائد الودائع لدى مصرف لبنان 6600 مليار ليرة
عمولات نقدية 60 مليار ليرة
مجموع صافي الفوائد 21460 مليار ليرة لبنانية
الخاسرون :
الخاسر الأول في هذه العملية هو المودع اللبناني الذي بعد أن تم الحجز على وديعته خسر العوائد عليها .
الخاسر الثاني هو الخزينة اللبنانية والتي كان من المفترض ان تكسب عشرة بالمئة ضريبة على هذه الفوائد المفترض دفعها للمودع ، ها هي اليوم تخسر حوالي 90  بالمئة من هذه الضريبة لمصلحة المصارف .
يبقى الرابح الأكبر من كل ما يجري هي المصارف ومن يقف خلف المصارف والذي رفض منذ بداية الأزمة تطبيق قانون الكابيتال كونترول عليها لتنظيم علاقة المصارف مع المودعين وعدم ترك الأستنسابية للمصارف في كل شيء .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى