منوعات

الذبحة القلبية عند الشباب: التدخين والمخدرات ابرز الاسباب(الجزء الأول)

   كثر الكلام أخيرا في لبنان عن الأصابات المبكرة بأمراض القلب والشرايين التي لايكاد يمر يوم من دون أن نسمع أنها أصابت شابا أو صديقا بشكل مفاجئ ومن دون سابق انذار ،وأدت الى وفاته وهو في مقتبل العمر من  دون أن نعرف أسباب هذه الأمراض ولماذا هي في أزدياد مستمر في بلادنا ؟
   في الواقع لاتمثل الذبحة القلبية عند الشباب أكثر من 3 الى 5% من مجموع الذبحات القلبية الافتتاحية عند مجمل المرضى الذين يصابون بهذه الأمراض ، لكن هذه المشكلة الطبية خطيرة جدا بسبب كون المصابين بها من الشباب العاملين والناشطين في مجتمعاتهم وبسبب الأثار الأجتماعية والعاطفية والأنسانية التي تتركها .
   نشير ايضا الى أنه رغم خطورة هذه الأصابات عند الشباب وأثرها النفسي الكبير عليهم ، هناك عامل اطمئنان مهم أظهرته معظم الدراسات العلمية المتوفرة حاليا ،وهو يتمثل بأن نسبة الوفيات عند تعرض هؤلاء الشباب لذبحة قلبية هي أقل بكثير من النسبة التي نجدها عند الكبار وكذلك بالنسبة الى مستقبلهم بشكل عام والى معاودة نشاطهم واستمرارهم في عملهم بشكل طبيعي ، فهي عندهم أفضل منها عند المتقدمين في السن ، طبعا بعد مراقبة وعلاج عوامل الخطورة الموجودة عندهم .
  

  
و في حوالي %80 من حالات الذبحة القلبية عند الشباب ،غير مرضى تصلب شرياني نموذجي أو نمطي كالذي نراه عند المتقدمين في السن، لكن من أهم خصائص هذا المرض مقارنة مع المتقدمين في السن هو أنه غالباً ما يصيب شريانا واحدا فقط من شرايين القلب الرئيسية الثلاثة( Single vessel disease) مقارنة مع المتقدمين في السن حيث يصيب المرضى في غالب الأحيان شريانين أو ثلاثة من الشرايين التاجية للقلب.
في المقابل هناك حوالي %20 من حالات الذبحات القلبية عند الشباب  لايوجد فيها أي أثر مهم لمرضى تصلب الشرايين ،وهي قد تكون في هذه الحالات ناتجة عن إستعمال المخدرات مثل مادة الكوكايين، أو عند وجود تشوه خلقي في الشرايين التاجية للقلب ،وهو ما قد يترجم في أحيان كثيرة بذبحة قلبية مفاجئة تصيب هذا الشاب خلال أحد التمارين الرياضية أو خلال بعض المباريات الرياضية ،وتتسبب عنده بموت مفاجئ أو بتوقف مفاجئ في عمل القلب ،ناتج عن إنسداد مفاجئ أو ضغط مفاجئ على أحد الشرايين التاجية للقلب عند القيام بجهد كبير. وأخيراً فأن تعدد الإصابات الشريانية عند الشباب، يظهر مرتبطا أكثر بعدد عوامل الخطورة لديهم وخاصة في حال إصابتهم بمرض السكري.

  عوامل خطورة هذا المرض:
أ-إن التدخين يظهر وكأنه السبب الأول والرئيسي للذبحات القلبية عند الشباب، وهو مسوؤل عن حوالي 80% من الحالات، ذلك لأنه يتسبب في حصول خلل في وظيفة البطانة الداخلية للشرايين التاجية للقلب (Endothelial dysfunction) وهو ما قد يساهم كثيراً في حصول تشنج أو إنقباض (Coronary spasm) في هذه الشرايين في حالة الراحة أو تحت تأثير بعض العوامل الأخرى. وكلما زادت كمية السجائر المدخنة كلما كان خطر حدوث الذبحة القلبية أكبر. وهذا ما يؤشر إلى خطورة إنتشار ظاهرة التدخين على جميع أنواعة، وخاصة تدخين النرجيلة عند الشباب والمراهقين وحتى عند الأولاد الصغار، كما يحدث في معظم الدول النامية أو المتخلفة حيث نرى الأطفال يدخنون النرجيلة في شوارع المناطق الفقيرة والضواحي.
  
أما في %20 من الحالات غير الناجمة عن مرض تصلب الشرايين فيجب دائماً البحث عن إستعمال مادة الكوكايين، لأن هذه المادة تمنع إعادة ضبط أو إمتصاص مادة الـ  (Norepinephrine)في الخلايا العصبية، وهذا ما يتسبب بزيادة كميات هذه المادة في الخلايا العضلية التي تصل إليها هذه الأعصاب، وبالتالي هذا ما يتسبب في إرتفاع الضغط الشرياني وإزدياد ضربات القلب وزيادة حاجات القلب من الأوكسجين والأغذية الأخرى،وما يتسبب أيضاً في تشنج أو إنقباض الشرايين التاجية للقلب وإلى هبوط كميات الأوكسجين التي توصلها هذه الشرايين إلى عضلة القلب. وعبر هاتين الطريقتين فإن تناول كميات كبيرة من الكوكايين وزيادة هذه المادة بشكل حاد في الدم قد يؤدي إلى نقص في تروية عضلة القلب أو إلى الإصابة بذبحات قلبية حادة أو إضطرابات خطيرة في ضربات القلب. أما التناول المزمن لهذه المادة فهو يؤدي إلى أمراض في عضلة القلب التي قد تتوسع أو قد تتضخم (Dilated or hypertrophic cardiomyopathy) وإلى تسرع أو تطور مرض تصلب الشرايين بشكل كبير وإلى حدوث حالات إلتهابات في عضلة القلب أو إلى حدوث وفاة في بعض الخلايا العضلية القلبية في أماكن متنوعة من هذه العضلة.
 

ب- أما العوامل الأخرى المهمة التي نجدها عند الشباب فهي تتمثل في مشاكل وإختلال إستقلاب الدهنيات في الدم (Lipid   abnormalities) بحيث أن هناك عدة حالات ناتجة عن خلل وظيفة بعض الجينات الموجودة في خلايا الكبد ،خاصة التي يؤدي عدم عملها بشكل طبيعي إلى زيادة نسبة مستوى الدهنيات الضارة (LDL-Cholesterol) في الدم ،وبالتالي إلى تكون مرض تصلب شرياني مبكر نتيجة ترسب هذه الدهنيات السريع والمخيف في جدار الشرايين التاجية للقلب. ومن أهم هذه الأمراض: إرتفاع مستوى الكولستيرول العائلي متجانس الآليات (Homozygous familial     hypercholesrolemia)     وخلاله يرتفع مستوى الدهنيات الضارة (LDL-Cholesterol) في الدم إلي 4 اضعاف المستويات الطبيعية.
  
وهناك نوع آخر من هذه الأمراض وهو إرتفاع الكولستيرول العائلي غير المتجانس الآليات(Heterozygous familial hypercholesterolemia)   والذي يرتفع خلاله مستوى الـ (LDL Cholesterol) إلى ضعفي الرقم الطبيعي. والنوع الأول الخطير من هذا المرض يصيب حوالي شخص من كل مليون شخص من عامة الناس، والنوع الثاني هو أكثر إنتشاراً ويصيب شخصا من كل 500 شخص. ولكن الإصابة بهذه الأمراض قد تكون أكثر رواجاً عند بعض الفئات والقوميات مثل  اللبنانيين المسيحيين  والكنديين من أصل فرنسي والجنوب أفريقيين.
  
وبعكس الشكل الطاغي( Dominant) هناك بعض الأشكال التقهقرية(Recessive)  التي تم إكتشافها أيضاً عند بعض العائلات اللبنانية. ومنذ إكتشاف الأختلالات الجينية التي قد تصيب لاقط ال(    LDL Receptor) في الجسم سنة 1986 والذي بتسبب بسبب خلل عمله   بإرتفاع مستوى الـcholesterol)  LDL )  الضار في الجسم إلى مستويات غالباً ما تكون متوسطة أو خطيرة في بعض الأحيان. ومع أن البدايات كانت تشير إلى أن هذه الأمراض قد تكون ناتجة عن عمل جين واحد توالت الأكتشافات فيما بعد مع إكتشاف خلل عمل جين الـ  (Apolipoprotein B) سنة 1987 وخلل عمل جين الـ(Protein convertase subtilin /kexin 9 )    سنة 2003 وكذلك إكتشافات أخرى تتناقل من خلال الصبغة التقهقرية المتنحية العادية   (Autosomal recessive hypercholesrtrolemia gene(ARH)) في سنة 2001.
  
وسريرياً فإن النمط الظاهر الأول من هذا المرض واضح وسهل التشخيص بسبب إرتفاع مستوى الـ(LDL Cholesterol  ) إلى مستويات خطيرة (4 أضعاف الطبيعي) وبسبب علامات خارجية جلدية وفي العيون واضحة منذ الطفولة. وهنا غالباً ما يكون التاريخ العائلي المرضي مليئ بالمعلومات والحالات المثيلة. في المقابل فإن النمط الثاني المتوسط منه فهو ذو تشخيص أصعب وعلاماته الخارجية أقل بروزاً ،وقد لا تظهر أبداً أو تظهر فقط خلال مرحلة البلوغ.
وهنا يختلف مستوى الـ  (LDL Cholesterol ) بين الرقم القريب من المستوى الأعلى من الرقم الطبيعي، إلى مستويات تصل إلى ضعفي الرقم الطبيعي. وقد يكون العامل الوراثي أو العائلي غير واضح في هذه الحالة بسبب العلاج المبكر الذي قد يؤمن الحماية من الإختلاطات الجانبية وخاصة من مرض تصلب الشرايين.
وأخيراً نشير إلى أن هذه الأمراض الخطيرة قد يتم تشخيصها سريرياً عبر إرتفاع مستوى الدهنيات بشكل متوسط أو خطير أو متناقض في بعض الأحيان، وإرتفاع مستوى الـ (LDL Cholesterol) إلى مستويات قد تصل إلى 4 أضعاف الرقم الطبيعي من دون علامات خارجية جلدية لإرتفاع الدهنيات ،ومن دون إرتفاع خطير بنسبة الوفيات من أمراض القلب والشرايين أو على العكس مستوى دهنيات عادي أو قليل الإرتفاع مع علامات جلدية خارجية للمرض وزيادة في الإصابات القلبية والشريانية.
  

الطريقة الثانية للتشخيص هي بواسطة تقنيات علم الوراثة التي تطورت كثيراً في السنوات الأخيرة ،وأصبحت تشير الى   عدم مسؤولية جين واحد  في عدد كبير من هذه الأمراض بل الطبيعية المتعددة الجينات لهذه الامراض (Polygenic state) وحتى إلى تأثير بعض العوامل غير الوراثية في هذا المجال. وهنا نشير إلى أهمية أن يقوم التحقيق أو الدراسة الوراثية في مراكز متخصصة في هذا المجال .
ج -عوامل زيادة تخثر الدم Hypecoagulable state)   ) ذ لك انه عندما نقوم   بدراسة تفاعل عوامل تجلط الدم في الجسم وتعدد طرق عملها والتوازن الدقيق الموجود بين    العوامل التي تزيد من حدة التجلط والعوامل التي تحمي من ذلك، نفهم  بسرعة  أن هذه الشلالات من التفاعلات البيولوجية قد تكون عرضة لعدة إختلالات قد تتسبب بزيادة مبكرة في الإصابات الشريانية عن طريق عدة إختلالات مثل:
1- إرتفاع مستوى العامل الثامن( Factor VIII)  و إرتفاع مستوى مادة الـ (Fibrinogen)  في الجسم التي ظهر أنهما يزيدان بشكل كبير خطر الإصابات القلبية عند الرجال البالغين بين 40 و 64 سنة.

2- هبوط مستوى بعض العوامل التي تذيب الجلطات في الدم مثل (Plasminogen activator inhibitor-1: PAI-1)  والذي يزيد أيضاً من خطر الإصابات القلبية.

3- هبوط بعض البروتينات الطبيعية الموجودة في الجسم والتي تلعب دورا مضادا للتجلط مثل(Protein C)    وال(Protein S)   او مادة ال ( Anti thrombin III) والتي غالباً ما يصاحبهما إرتفاع في نسبة الإصابات بالجلطات والسدادات الوريدية.

4- إرتفاع مستوى مادة ال(ـHomocystein)  في الجسم والتي غالباً ماتزيد من الإصابات الشريانية عن طريق التسبب بخلل في عمل البطانة الداخلية للشرايين (Endothelial dysfunction) وفي تكاثر الخلايا العضلية الملساء التي توجد في جدار الشرايين.

5- بعض الإختلاطات المكتسبة أو الوراثية في عمل صفائح الدم هي أيضاً قد تتسبب بزيادة النوبات القلبية المبكرة في بعض الحالات. أخيراً نشير إلى دور إستعمال حبوب منع الحمل عند النساء التي ظهر أنها تزيد من خطر الإصابات القلبية في سن مبكر خاصة إدا كانت النساء من المدخنات اللواتي يدخن عددا كبيرا من السجائر يومياً.
  
6- متلازمة ال (Anti phospholipid syndrome)  وهو مرض ينتج من خلل في جهاز المناعة في الجسم ويتسبب بزيادة إكتسابية بتجلط الدم ويتخلله زيادة في عدد الجلطات الوريدية والشريانية ،وفي بعض الشرايين الصغيرة وبإختلاطات كثيرة أثناء الحمل من أهمها فقدان الجنين أو الولادات المبكرة وغيرها من الإختلاطات. ويتميز بزيادة بعض العوامل البيولوجية في الدم  (Anti phospholipid antibodies, Anti cardiolipin, Lupus anti coagulant…)  وغيرها. وتعتبر الذبحات القلبية المبكرةمن اخطر اعراضه.
  
  
د- بعض المشاكل الخلقية في شرايين القلب (Coronary abnormailities) :وهي مسؤولة عن حوالي %4 من الذبحات القلبية عند الشباب .ومن أهم هذه التشوهات وجود جسر عضلي كبير وعميق في داخل العضلة لأحد شرايين القلب التاجية الكبيرة muscle bridge  Intra myocardial     وولادة أحد الشرايين التاجية من غير مكانه الطبيعي(Abnormal coronary origin)، إنسداد على فم أحد الشرايين. وجميعها عوامل قد تتسبب بالموت المفاجئ للمريض.
وهنا نشير أيضاً إلى بعض العوامل الأخرى التي قد تصيب الشباب مثل الأسلاخ التلقائي لأحد شرايين القلب(Spontaneous coronary artery dissection  أو الأمراض التي قد تتسبب بحدوث إلتهابات خطيرة في هذه الشرايين (Vascularitis) وإلى الجيوب التي قد تصيب هذه الشرايين مثل ما يحدث مع مرض (Kawasaki)   ومرض ( Behcet ) وإلى الصدمات الصدرية الطبيعية التي قد تؤدي إلى حصول تمزق أو إنسداد في أحد الشرايين التاجية للقلب (Blunt chest trauma) وإلى بعض العلاجات بالأشعة (Mediastinal radiotherapy) التي تستعمل لعلاج بعض أنواع الأورام اللمفاوية وغيرها. وأخيراً إلى بعض مشاكل الصمامات وخاصة تلك الناتجة عن الحمى الرئوية والأنسدادات التي قد تنتج عن مرض إلتهابات هذه الصمامات في بعض الحالات.
 
  

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى