
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
يواجه الاقتصاد الإسرائيلي اليوم واحدة من أخطر أزماته الوجودية منذ تأسيس الكيان قبل 77 عاماً، وتحديات غير مسبوقة تجعل من مسألة صموده لأكثر من شهر مسألة تستحق التحليل العميق. ومع استمرار الحرب في غزة والتوترات الإقليمية مع إيران لا سيما القصف اليمني ، تتعرض الركائز الأساسية للاقتصاد لضغوط هائلة مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل القوة والضعف التي تميز هذا الاقتصاد.
ما يواجهه اليوم الكيان هو توقف شبه كامل لحركة الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي اذا علمنا ان حجم الناتج القومي السنوي للكيان بلغ حوالي 540 مليار دولار، فهذا يعني ان الخسارة اليومية يمكن ان تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار .
أما اهم القطاعات التي تضررت نتيجة هذه الحرب المفتوحة فهي :
السياحة: انهيار كامل
شهد قطاع السياحة، الذي كان يوماً من أهم مصادر الدخل القومي الاسرائيلي ، انهياراً غير مسبوق. فقد انخفض عدد السياح من 4.5 مليون في 2019 إلى مليون فقط في عام 2024 ، واليوم هناك غياب شبه كامل لحركة السياحة ويمكن ان تصل الخسائر الى 5.2 مليار دولار في عام 2025 حيث تحولت بعض الفنادق إلى مراكز إيواء للنازحين الإسرائيليين .
البناء: شلل تام
يعتمد قطاع البناء الإسرائيلي بشكل كبير على العمالة الاجنبية وخاصة العمالة الفلسطينية ، فقد توقف إصدار تصاريح العمل لـ 100 ألف عامل فلسطيني ما أدى الى نقص حاد في اليد العاملة. واليوم مع اندلاع الحرب بدأ كل العمال غير الفلسطينيين مغادرة الاراضي المحتلة وهذا الامر ادى الى توقف مشاريع كبرى مثل ناطحات السحاب في تل أبيب .
الزراعة: أزمة عمالة ومياه
ادت الحرب الى فقدان 80 ألف عامل فلسطيني في القطاع الزراعي وبالتالي زيادة تكاليف الإنتاج بسبب الاعتماد على عمالة أجنبية أكثر تكلفة والابتعاد عن الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس.
العجز المالي والتداعيات الهيكلية
ان هذه الحرب ستؤدي حتما الى ارتفاع الدين العام بعد ان وصل إلى 67.9% من الناتج المحلي في 2024 ،وهناك توقعات بوصوله إلى 70-85% حسب سيناريوهات استمرار الحرب، وبالتالي سيؤدي ذلك الى زيادة تكلفة خدمة الديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة . ان تراجع التصنيف الائتماني والتي قامت وكالات التصنيف العالمية الثلاث به (موديز، فيتش، ستاندرد آند بورز) خلال العام 2024 يمكن ان يستمر خلال العام 2025 وبالتالي الذهاب الى الاسوأ مما سيؤدي الى مزيد في تخفيض تصنيف الديون الإسرائيلية .
هروب رؤوس الأموال
ان استمرار الحرب سيؤدي الى انخفاض رغبة المستثمرين الأجانب في شراء السندات الحكومية من 14.4% إلى 8.4% كما سيؤدي الى إغلاق شركات مثل “إيباي” لأنشطة البحث والتطوير في إسرائيل، وبالتالي تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير التكنولوجية.
قطاع التكنولوجيا تحت الضغط
على الرغم من صمود القطاع التكنولوجي نسبياً ، إلا أنه يواجه تحديات جسيمة على رأس هذه التحديات هو نقص العمالة المؤهلة بسبب تجنيد الكفاءات ، صعوبة جذب استثمارات جديدة في ظل عدم الاستقرار ، ومخاوف من انتقال بعض الشركات إلى دول أكثر استقراراً.
البطالة والآثار الاجتماعية
لقد ادت الحرب السابقة الى ارتفاع معدل البطالة إلى 3.4% في يناير 2024 ، واليوم مع الحرب الجدبدة هناك خوف حقيقي من ارتفاع هذا المعدل بشكل كبير خاصة مع توقف عجلة الاقتصاد، وهذا الامر سيؤدي الى تزايد أعداد العائلات التي تعجز عن سداد ديونها زيادة طلبات الاعانة بنسبة غير مسبوقة وإذا استمرت الحرب بمستواها الحالي، فانه سيحصل انكماش اقتصادي يمكن ان يتجاوز 10% في 2025 ، كما سيؤدي الى ارتفاع العجز المالي إلى ما يزيد عن 15% من الناتج المحلي ووصول الدين العام الى ما يزيد عن 80% من الناتج .
اخيرا الهجرة المعاكسة
من المتوقع ان تزيد الهجرة المعاكسة من اسرائيل الى الدول الاخرى والتي يحمل معظم الاسرائيليين جنسياتها، وقد غادر خلال العام 2024 حوالي 82700 شخص ، فيما عاد منهم فقط 23800 شخص ، ووصل الى اسرائيل حوالي 32800 مهاجر جديد ما يجعل صافي الهجرة سالبا بحوالي 18200 خلال العام 2024 ،ويتوقع ان يرتفع هذا الرقم خلال العام 2025 مع الخوف الذي احدثته الحرب الجديدة مع ايران وهي حرب غير مسبوقة ولم يمر بها الاسرائيلي سابقا .
هذه التحديات الوجودية تهدد أسس الاقتصاد الاسرائيلي والذي بني على مدى عقود . ان الحرب المستمرة لم تعد مجرد حملة عسكرية بل تحولت إلى أزمة اقتصادية – اجتماعية شاملة معها سيتم استنزاف الموارد وانهيار قطاعات حيوية مثل السياحة والبناء التي كانت تشكل عصب الاقتصاد الإسرائيلي ، وتآكل الميزة التنافسية مع هروب الاستثمارات الأجنبية وتراجع ثقة المستثمرين ، وأزمات هيكلية عميقة في سوق العمل والموازنة العامة وميزان المدفوعات ، وتداعيات اجتماعية خطيرة مع تزايد معدلات الفقر والبطالة والاحتقان الاجتماعي .
فهل تذهب اسرائيل الى وقف انزلاقها نحو الهاوية وتوقف اطلاق النار من طرف واحد؟