حروبسياسة

بايدن أقرب إلى منح الضوء الأخضر لاجتياح رفح (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

بعد أنباء كثيرة عن التوتر القائم بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، وأحاديث عن قطيعة بين بايدن ونتنياهو، وتصريحات رسمية وتسريبات أمريكية مثيرة للخلاف بين الطرفين، تحادث الرئيس الأمريكي مع رئيس الحكومة الإسرائيلية لمدة 45 دقيقة.

ومن البيانات الرسمية للطرفين دار الحديث عن الحرب في غزة، وخصوصا عن تهديدات نتنياهو وقيادة جيشه باستهداف رفح ومحيطها من أجل تدمير “كتائب حماس” وإعادة السيطرة على محور فيلادلفي بل و”تطهير المنطقة” من المخاطر.

وأعلن البيت الأبيض أن بايدن حثّ نتنياهو على عدم شنّ عملية عسكرية برية في رفح بجنوب قطاع غزة “من دون خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ” لحماية المدنيين، و”ضمان الأمن والدعم لأكثر من مليون شخص لجأوا إلى هناك”. وكعادتها لم تبد إدارة بايدن اعتراضا على استهداف رفح ،وإنما شددت على وجوب التقيد بالقانون الدولي وتجنب المس بالمدنيين.

ومن تجربة الحرب بكل مجازرها كان هذا على الدوام موقف أمريكا، وهو موقف لم يمنع أبدا استمرار وتعاظم جرائم الحرب الإسرائيلية التي رفضت أمريكا علنا اعتبارها جزءا من مخطط إبادة جماعية. ويقدر كثيرون أنه رغم الخلافات الأمريكية الإسرائيلية الأكيدة إلا أن موقف بايدن، وبناء على تجارب الماضي، أقرب إلى منح الضوء الأخضر لإسرائيل لإتمام المهمة، ولكن بخطوات أقل إثارة وأقل مساسا بالمدنيين.

وتطرق بايدن مع نتنياهو إلى قضية الاجتماع الاستخباري في القاهرة يوم الثلاثاء المقبل لبحث صفقة التبادل، وحث رئيس الحكومة الإسرائيلية على “اتخاذ خطوات عاجلة ومحددة لزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين”. وتشكل هذه المكالمة دليلا على أن التوترات السياسية القائمة بين بايدن ونتنياهو لا تقود إلى قطيعة، وأن أمريكا تواصل دورها كراعية لإسرائيل حتى من أجل حمايتها من مساوئ نفسها. وهذا هو معنى انتقاد بايدن للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي وصفها بأنها رد “مبالغ به” على 7 أكتوبر.

من جانبه رأى المراسل السياسي ل”يديعوت” إيتمار آيخنر أن مكالمة بايدن مع نتنياهو للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع، جاءت لحث نتنياهو عى إرسال وفد للمشاركة في لقاء القاهرة الذي يحضره رؤساء مخابرات مصر وأمريكا ورئيس حكومة قطر وبحضور رئيس الموساد. وكانت إسرائيل ألمحت إلى أنها قد لا ترسل وفدا للمشاركة في مباحثات لقاء القاهرة لأنها “لا ترى أفقا” له من دون أن تسبقه ضغوط عربية وأمريكية على حماس لتغيير مطالبها.

ومعروف أن صفقة التبادل تثير خلافات كبيرة في إسرائيل داخل الحكومة وخارجها. وسبق لمعلقين إسرائيليين أن وصفوا مأزق نتنياهو تجاه هذه المسألة بتناقض موقفي غانتس وآيزنكوت من جهة وبن جفير وسموتريتش من جهة أخرى. فرفض الصفقة يخرج غانتس وحزبه من الحكومة ويضعف استقرارها ،كما أن قبوله بها يهدد بخروج حزبي سموتريتش وبن جفير من الحكومة وسقوطها. وهذا ما دفع غيل تماري رئيس “ديسك السياسة” في القناة 13 ليعلن أن نتنياهو يريد الأسرى أمواتا.

ونقلت “يديعوت” عن مسؤول سياسي في إسرائيل قوله إن المكالمة كانت جيدة وركزت على ثلاث قضايا: معبر رفح والمساعدات الإنسانية وقضية الأسرى. وفي ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، طلب بايدن من نتنياهو الحفاظ على المبدأ المركزي الذي بموجبه ستضمن إسرائيل استمرار دخول الكمية المحددة إلى القطاع – حوالي 200 شاحنة يوميا.

وقد استبق نتنياهو المكالمة بالإعلان في مقابلة مع شبكة ABC الأمريكية أن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح ، التي غدت ملجأ لأكثر من مليون فلسطيني ،ولذلك أعرب بايدن عن خشيته من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى كارثة ، وطلب من إسرائيل أن تفعل كل ما بوسعها لحماية السكان المدنيين. ورد نتنياهوعلى سؤال بأنه كما عرفت إسرائيل خلال الحرب أن تتصرف وفق القانون الدولي وبأعلى المعايير، فإنها ستعرف كيف ستتصرف في الأهداف التالية أيضا. وشدد نتنياهو أيضًا على أن العملية في رفح ضرورية وأن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين.

وكان لافتا أن بيان البيت الأبيض بعد المكالمة أشار إلى أنه “في مكالمته مع نتنياهو، أكد الرئيس بايدن هدفنا المشترك المتمثل في رؤية هزيمة حماس وضمان أمن إسرائيل ومواطنيها على المدى الطويل. وناقش الرئيس ورئيس الوزراء الجهود الجارية”، لضمان إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين لدى حماس.

أما صحيفة “واشنطن بوست” فقد ذكرت أن الرئيس بايدن وكبار مساعديه أصبحوا أقرب إلى القطيعة مع نتنياهو من أي وقت مضى منذ اندلاع الحرب، ولم يعودوا يرون فيه شريكا منتجا يمكن التأثير عليه حتى على المستوى الخاص، وذلك بحسب بعض المصادر المطلعة على المناقشات الداخلية حول الموضوع. وأضافت نقلا عن المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن الإحباط المتزايد من نتنياهو دفع بعض مساعدي بايدن إلى حثه على التعبير عن المزيد من الانتقادات العلنية لنتنياهو بسبب العملية العسكرية في غزة.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الرئيس مؤيد قوي لإسرائيل ويعرف نتنياهو منذ أكثر من 40 عاما، ولذلك امتنع عن التعبير عن إحباطه حتى الآن. وبحسب المصادر، فإن الرئيس الأميركي يغير موقفه في الآونة الأخيرة، فيما يواصل نتنياهو إثارة غضب كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بحسب قولهم، إما بالإذلال العلني أو برفض المطالب الأساسية للولايات المتحدة. وتشعر إدارة بايدن بالقلق، وتعتقد أن إسرائيل ليس لديها خطة منظمة للأنشطة في رفح من شأنها أن تسمح بحماية السكان المدنيين الكثيفين في المدينة، التي يعيش فيها أكثر من مليون فلسطيني من شمال ووسط قطاع غزة.

وفي ظل الانتقادات الدولية لنية إسرائيل العمل عسكريا في رفح، ادعى نتنياهو اليوم أمام حكومته قائلا: “إننا نقول للأمريكيين والأصدقاء الآخرين في العالم ، لا يمكننا أن نترك كتائب في رفح. وليس أربع كتائب و لا كتيبة واحدة. يبدو الأمر كما لو أن الأمريكيين لن يوافقوا على ترك مقاطعة صغيرة لتنظيم الدولة الإسلامية أثناء الحرب في العراق”.

وأشار نتنياهو في مقابلة مع “فوكس نيوز” إلى أنه توجد الآن أماكن في شمال رفح “وسنقوم بتشجيع السكان وتوجيههم بالمناشير والمكالمات الهاتفية للانتقال إلى منطقة آمنة، وهذا هو الاتجاه الذي أعطيته للجيش الآن”.

وزعم نتنياهو في المقابلة أنه “لا يوجد جيش آخر على وجه الأرض يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الإضرار بالمدنيين”… “نوزع المنشورات ونتصل بالفلسطينيين ونطلب منهم الخروج من منازلهم”. وشدد نتنياهو على أن “إسرائيل ترد بطريقة مسؤولة، وتضمن الخروج الآمن للمواطنين، وفي الوقت نفسه تعمل بتصميم على محو حماس من على وجه الأرض”. وزعم رئيس الوزراء: “إذا هزمنا حماس فإن دائرة السلام ستتسع بشكل كبير. ولدينا مستقبل مشرق إذا فعلنا ذلك وسنفعله قريبًا”.

وتحدث نتنياهو عن الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي: “الهدف ليس أقل من هذا النصر الذي نتحدث عنه. إنه في متناول اليد. كما يتطلب منا أن نواجه الضغوط التي تتزايد. يجب أن أقول لكم الحقيقة – إنهم في تزايد، وكل من يتعامل مع أطراف أجنبية يستطيع أن يخبرنا عن ذلك، كل على طريقته”.

وأضاف: “نريد في الواقع تحقيق نزع السلاح في القطاع. وهذا يتطلب سيطرتنا الأمنية ومسؤوليتنا الأمنية العليا – على كامل المنطقة غرب الأردن، بما في ذلك قطاع غزة. ولا بديل عن ذلك في المستقبل المنظور”. ونقول ذلك أيضًا للمجتمع الدولي، وكذلك لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك لجميع القادة. وهذا يعني أنه ستكون هناك دائمًا سيطرتنا الأمنية – وإذا تطلب الأمر البقاء في الداخل، فستكون هناك إقامة في الداخل. وإذا كان الأمر يتطلب الدخول إلى أي مكان، حيث أن الجيش الإسرائيلي قادر على الوصول إلى أي مكان وفي أي وقت، فهذا مذكور هنا وسيتم الحفاظ عليه أيضًا في المستقبل”.

وفي مقابلة نتنياهو أمس مع قناة ABC، سُئل عن تصريح بايدن بأن رد إسرائيل في غزة كان “مبالغًا فيه” فأجاب: “أقدر دعم الرئيس بايدن لإسرائيل منذ بداية العام. لا أعرف بالضبط ماذا كان يقصد بذلك». وقال رئيس الوزراء إن “عدد المختطفين المتبقين في أسر حماس على قيد الحياة يكفي” لتبرير القتال في غزة”. وقال أيضًا إنه مقابل كل مدني يُقتل في غزة، يُقتل أيضًا إرهابي من حماس.  

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى