سياسةمحليات لبنانية

القادة اللبنانيون ..وطير الوقواق


بلا شك ان لعناصر القيادة في الشخصية عوامل فطرية على علاقة بالبنية الجسدية الصحيحة والعوامل الوراثية .
الجميع يذكر، عند شرائه للصيصان كيف كان أحدهم أكثر نشاطا وحيوية وقوة، يتبعه الصيصان الباقون؟
ومن لا يتذكر كيف كان أحد زملاء الدراسة يفرض سيطرته وهيبته ومزاجه على الباقين في الصف.
الا ان العوامل الفطرية تلك لا تكفي بل هي بحاجة لشروط مكتسبة مع الايام تساهم وتشجع لتصنع شخصية قيادية، ومن هذه الشروط تربية الاهل والاستاذ ورفاق الحيّ وبرامج الأجهزة المرئية والأجهزة الالكترونية وظروف الحياة والحاجة المعنوية والمعيشية والاحزاب وربما المخابرات وغيرها.
عند باب غرفة العمليات الجراحية، يقف أهل المريض المرعوبون والمتوترون  والقلقون على حياة قريبهم، وما إن يطلّ الجرّاح حتى يتحلقون حوله، يرجونه فعل المستحيل لإنقاذ المريض، ما يعزّز لدى الجرّاح الثقة بنفسه و بقدرته وأهميته. وعندما يخرج من غرفة العمليات ويبشر الاهل بنجاح العملية يبادر هؤلاء برفع الدعاء للطبيب، ما يشعره بقدرة خارقة خفية لديه بما انه اللاعب والمقرّر الخطير في غرفة العمليات ،عند حدود الموت والحياة، بالتوافق او بالتآمر مع الإله، ما يضخّم أناه وما يجعله يتعجرف بعظمته، فان كان الجراح  يعرف حدود أناه،  تواضع بذكائه وان كان بالأصل مغرورا صار متكبرا ومخدوعا أكثر بعظمته الكاذبة.
جُبن الناس وخوفهم وقلقهم الوجودي وعدم ميلهم لحب المغامرة ولعدم إمتلاكهم لعقل مقامر، رغبة منهم لتجنب المخاطر ولرعبهم من الألم خاصة، يجعلهم سريعي الانسياق خلف من يتقدم بقوة وصلابة وشجاعة وحنكة لِما يعتقدونه تضحية ودفاعا وتعويضا عن جبنهم الخاص بهم والخاص بالمجموعة او بالقوم او بالطائفة او بالجيش او بالشعب.
من اجل ذلك، إن سقط القائد في المعركة إنفضت الناس وتشتتت وتقهقر الجيش وانهزم .
ثقة الناس بقوة القائد تفوق حدّ شجاعتهم فكيف إن كان القائد اسطوريا بتراكم بطولاته .
بعد الحرب الاهلية لم يخرج على المجتمع اللبناني قائد الا من بركة دم ومن قصة خطف ومن استبسال في هجوم او في دفاع او من حيلة ماكرة أقنعت انصاره بإنقاذهم من مصير موت محتم .
ليست الامور بسهلة لتكون قائداً، فليس أيًّا يكن باستطاعته ان يوزع المقاتلين عند المفارق وعلى السطوح وفي الكهوف، ثم تأتيه الاخبار بمقتل الرفيق فلان وبجرح خطير يهدّد حياة الأخ فلان، الأمر يستدعي رباطة جأش وانعدام للندم وفقدان للذنب  واعتبار الموت والحياة حظا او قدرا او تدخلا مباشرا من إله او لعبة او ورق لعب على طاولة قمار.
انبهار الناس بصلابة من يتقدمهم وبتوزيعه الموت والحياة من حوله، جعلهم يصفقون له بإعجاب و ايضا من خوف، اعجابا وخوفا معاً، يخافون من غضبه ومن غضب  اتباعه وانصاره الذين يحاولون تقليده حتى في لدغة الحرف او لهجة الكلام او اشارة اليدين او في تسريحة الشعر او اللحية  لعلهم يتقمصون شخصيته طمعاً بقوّته.

ازمة القادة اللبنانيين الجدد الذين لا يعرف لهم تاريخ في الدم والبطولة، انهم حوّلوا أنفسهم لطفيليات سياسية تعيش على حساب حياة بطولات غيرهم، لذلك تجدهم تائهين، الناس لا تقبلهم كقادة حقيقيين، ولا هم مقتنعون انهم بحد ذاتهم بقادة، لذلك يبتكرون المعارك الوهمية مع الكبار لعلهم يتسلقون كالقطط.
في الشرق عموما لا يكون قائدا الا من كان على كتفه سلاح ومن حوله دم وبطولة.
من خرج من مجزرة مال او من معركة صفقة تجارة او من قصة بيع سلاح او من حرب مخدرات او من عهر اومن مشروع مالي مشبوه صار رئيسا حتماً، الا انه لم يكن ولن يصبح ابداً بقائد…
الرئيس ليس بالضرورة قائداً…
هؤلاء وقواقيون تنطبق عليهم حقيقة طير الوقواق الذي يبيض في عش طير آخر ليهتم الآخر بإطعام صغيره، وعندما يكبر صغير الوقواق قليلا يرمي الجلابيط اهل العش الحقيقيين التي بجانبه الى خارج العش، ليحتكر كل طعام امه وتستمر العصفورة الحمقاء بإطعامه حتى يصبح أكبر منها حجما بأربع مرات وهي تعتقد انه صغيرها.
الناس تعظم قادتها أكثر مما يستحقون…
الناس تصفق للوقواقيين لتأكل ولتعمل في السلم وتصفق للقادة لتحميها في الحرب.
اسوأ ظاهرة كيميائية-اجتماعية حصلت في لبنان ان القادة والرؤساء تبادلوا الادوار ليصبحوا جميعا وقواقيين ،والناس هم العصفورة المخدوعة والجلابيط التي ترمى خارج العش عندما يقوى القائد او الرئيس أكثر مما يجب.
المال والسلاح يقتلان ويجرحان ويسببان المجازر…
مجزرة المال ألعن من مجزرة الدم ونحن كطيور النعام!
لا للوقواقيين…
لا تكن طير نعام ،ولا تسلم لقائد من صنف الوقواق!
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى