دولياتسياسة

شيعة العراق ولبنان بين سياسات الولايات المتحدة و إيران

 


د . جواد الهنداوي*
                
ليسوا فقط شيعة كلا البلديّن هم المعنيون، وإنما كل المكّونات الاجتماعية في البلديّن تحت مراقبة وعناية سياسة الولايات المتحدة الأميركية وسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع فارق كبير في الوسائل  والأهداف ألمُتبناة لكلا السياستيّن.
لستُ بصدد ذكرْ و تفصيل اسباب الاهتمام بالمكوّن الشيعي، اكثر من غيره ،اليوم .فهي (واقصد الأسباب ) معروفة و تحوم حول مصلحة اسرائيل اولاً، وعداء ايران ثانياً، و كلاهما، في وجهة نظر الامريكيين ، مترابطان .
امريكا تتعامل مع شيعة العراق  و شيعة لبنان كمكّون مذهبي  واجتماعي وتحاول ان ينحصر ، في الدولة و في المجتمع، في وضعهِ كمكّون لا اكثر ، ايّ لا يتمدد لأن يكون دولة او يقود دولة، وتسعى بأن يكون مكّونا دون تأثير و دون مخالب !
امريكا تتعامل مع ايران ليس كشيعة وانّما كدولة،
وتدرك امريكا جيداً بانَّ ايران تتعامل مع العراق، و كذلك مع لبنان ، ليس فقط من خلال المكوّن الشيعي في كلا البلديّن ( العراق ولبنان ) ، وانماّ أيضاً من خلال الدولة في العراق ، و الدولة في لبنان .
منذُ ٢٠٠٣ ،تاريخ سقوط النظام ، تاريخ بدء الاحتلال الامريكي، سعت أمريكا وبوسائل ناعمة تارة ، وبالإرهاب  تارة أخرى، الى افشال تجربة دور أساسي للمكّون  الشيعي في الحكم في العراق.  ووصفَ الرئيس الامريكي السابق ،أوباما، السياسة الامريكية المتبعة في العراق والمنطقة ، بانها " القيادة من الخلف " .
لم يكْ الشيعة وحدهم في قيادة العراق ،في حكم العراق ، شاركهم و بقوة الأخوة الكرد ، وهم في ذات الوقت يسعون الى دولة كردستان ، وشاركهم وبقوة أيضاً الأخوة السنة ، و عيون بعضهم صوب أقليم سني .
لم تكْ امريكا بغافلة عما يدور في العراق ، وعما تفعلّه المكونات جميعها ببناء معوجّ لدولة العراق ،و كُلَّ ما فعلته ، وتفعله امريكا الآن ،هو القول والتشهير بفشل حكومات الشيعة في العراق ، بفشل المكوّن الشيعي في حكم العراق ! بيَدَ أنَّ الحكم كان و لايزال توافقياً و تحاصصياً في العراق ،بمشاركة و بأخطاء و بخطيئات جميع المكونات.
تسعى امريكا الآن باستنساخ وسيلة تشويه صورة واضعاف دور  المكون الشيعي في العراق، و تطبيقها على لبنان، بالادعاّء بأنَّ الحكومة في لبنان هي حكومة حزب الله ، هي حكومة المكوّن الشيعي في لبنان، كي تتحمّل وزر اختطاف العميل فاخوري، من قبل الجيش الامريكي ، و بوضح النهار ، وبانتهاك صارخ و واضح لسيادة الجمهورية اللبنانية .
لستُ على يقين بانَّ كثير من السياسيين العراقيين يدركون بأنَّ هدف امريكا تجاه العراق ليس في إضعاف الشيعة او الكُرد او السّنة، وانماّ في إضعاف  وتقزيم العراق. و إضعاف العراق و تقزيمه يمّرِ من خلال تطبيق مبدأ السياسة الإمبريالية القديم الجديد " فرّق تسدْ " .
عندما اقترب داعش الى أبواب بغداد في عام ٢٠١٤ ،ليست امريكا وانما ايران التي وافقت على نجدتنا . وعندما اقترب داعش الى أبواب أربيل ليست امريكا ،وانما ايران التي وافقت على نجدتنا.
أيضاً ، لستُ على يقين بأنَّ كثيرا من السياسيين اللبنانيين يدركون بأنَّ هدف امريكا تجاه لبنان ليس فقط  إضعاف حزب الله  ومحاربته، وانماّ في إضعاف  وتقزيم لبنان ، وجعل لبنان تحت رحمة اسرائيل ،عسكرياً وسياسياً و اقتصادياً .
عندما تختطف امريكا متهماً لبنانيًا ومطلوبا للعدالة ، فالأمر ليس انتهاكاً لسيادة حزب الله ،وانماّ انتهاكاً لسيادة و كرامة كل اللبنانيين .
وعلى ذات المقياس ، أقول ، عندما تدعم ايران حزب الله بالمال و السلاح للدفاع عن ارض و كرامة لبنان ، هي ( واقصد ايران ) عرضتْ و تعرضُ مساعدتها بالسلاح المتطور الى جيش لبنان و الى دولة لبنان .
تدركُ امريكا جيداً بأنَّ الولاء السياسي لشيعة العراق ولبنان ، و بحكم صلة المواطنة ، هو لبلديهما ، و ثمّة ولاء عقائدياً لحزب الله تجاه ولاية الفقيه في ايران ، و ثمّة  امتداداً مذهبياً او توافقاً مذهبياً لشيعة العراق مع ايران .
تضحيات و شهداء حزب الله ، ومنذ مسيرته الطويلة ، كانت ولاتزال من اجل تحرير أراض لبنانية، و من اجل الدفاع عن لبنان وليس الدفاع عن ايران .
عندما يوجّه الرئيس ترامب ،في مؤتمره الصحفي ،بتاريخ ٢٠٢٠/٣/١٩ ، الشكر لحكومة لبنان ويكذب بالادعاء بتعاونها في إطلاق سراح العميل والمتهم فاخوري ،فهو يهدفُ الى أمريّن: الأول تمرير عملية القرصنة والخطف و الاعتداء على سيادة دولة، والتي نفذّها الجيش الامريكي ، بانها تمتْ بموافقة وتعاون الحكومة في لبنان ، والتي هي حكومة حزب الله، وهي إذاً عملية شرعية.
والأمر الثاني هو، ومثلما ذكرنا اعلاه، تشويه لصورة و مكانة حزب الله ، وتضليل الرأي العام اللبناني بأنَّ ما تَّم هو بمعرفة و بحيادية حزب الله .
واذا كانَ مِنْ نكدِ الدهر ، ان يدافع حزب الله عن نفسه ، كما قالها السيد حسن نصر الله ،في  إطلالته الأخيره، بتاريخ ٢٠٢٠/٣/٢٠، في موضوع يخصُ قاتل وعميل لاسرائيل ، أقول أيضاً إنَّ من العزّة و الفخر لحزب الله وللمقاومة أنْ يلوذ الآخرين به، لا بغيرهِ، و انتظروا منه، لا من غيرهِ، الإقدام على افشال عملية اختطاف العميل او استهداف الطائرة التي أقلّته.
*سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات -بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى