إقتصاددوليات

حرب الممرات والمضائق تقلق اسرائيل والعالم(عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز

تعمل الممرات والمضائق المائية على تقصير المسافات والزمن في حركات توصيل البضائع حول العالم. وهي تُعتبر شريان حياة للتجارة الدولية ،ومن أهم هذه الممرات قناة السويس والتي تم حفرها في العام 1869 وتصل بين البحر المتوسط ومدينة السويس المصرية على البحر الأحمر. هذا ويمر عبر القناة نحو 30% من سُفن الحاويات العالمية . كما تأتي أهميتها لربطها بين دول شرق آسيا وأوروبا والأميركيتين ، هذه القناة تعتبر بلا فائدة اذا ما تم اقفال البحر الاحمر وباب المندب . ويمر عبر قناة السويس 12% من حجم التجارة العالمية.
أما مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب ويعتبر الممر الاساسي لقناة السويس، فيمر عبره أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً.ويقع مضيق هرمز في منطقة الخليج العربي ويمر عبره نحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم. ويصل مضيق جبل طارق البحري بين مياه البحر المتوسط ومياه المحيط الأطلسي . وتمر عبره نحو 5% من تجارة النفط العالمية. وأخيراً قناة بنما ، هذا الممر المائي الصناعي يصل ما بين المحيط الأطلسي والهادئ ، وتمر عبره نحو 14 ألف سفينة سنوياً .

بالعودة الى حدث اليوم فقد لعب البحرالأحمر دورًا محوريًا في التجارة العالمية لقرون عديدة من أيام الإمبراطورية الرومانية ، كما لعب دورا مهما في تجارة التوابل في العصور الوسطى . واليوم سيكون البحر الأحمر خطا أساسيا من مشروع طريق الحرير الجديد ، المشروع الصيني الضخم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية . وتمر من خلاله سنويا بضائع وسلع بنحو 2.5 تريليون  دولار تمثل نحو 13% من التجارة العالمية . هذا البحر يضم 20 دولة تستخدم هذا الطريق الملاحي كممر أساسي للتجارة ، وهي أكبر وأسرع الأسواق نمواً وأقلها استغلالية في العالم . فخلال العقود الثلاثة المقبلة تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد سكان المنطقة من نحو 600 مليون نسمة إلى 1.3 مليار نسمة . أما قيمة التجارة العالمية فستقارب 5 تريليونات دولار بحلول عام 2050 ، في حين يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 6 تريليونات دولار!هذه الأرقام تظهر أهمية توجه هذه الدول لتحسين البنى التحتية ولتفعيل مبادرات تسهل إجراءات التجارة وتسرع عمليات المناولة في موانئها ، خاصة أنها ستلعب دورا رئيسيا في طريق الحرير الجديد.
تتسبّب اليوم اضطرابات طرق التجارة الحيوية ، على خلفية دخول اليمن الحرب ضدّ دولة الاحتلال الاسرائيلي، في موازاة الجفاف الذي يخنق «قناة بنما»، أو حتى توسع المعركة ليشمل اقفال بحر العرب ومضيق هرمز ، في إثارة قلق القائمين على سلاسل توريد التجارة الدولية من تأثُّر الإمدادات . وفي هذا الإطار، حذّرت شركات الشحن الكبرى من أنّ تصعيد الهجمات اليمنية على الملاحة في مضيق باب المندب، والذي يترافق مع تراجع قدرة «بنما» على تمرير السفن، سيكون كارثيّاً.

ووفقاً لمصادر مختصّة بالنقل التجاري، فإن أكثر من نصف حاويات الشحن التي تتنقّل بين آسيا وأوروبا/ أميركا الشمالية، تمرّ عبر قناتَي «بنما» في أميركا الوسطى، و«السويس» المصرية. كما تقطع باب المندب، يوميّاً، ناقلات تحمل أكثر من اربعة ملايين برميل من النفط ، متّجهة نحو الغرب. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن رئيس «معهد التصدير والتجارة الدولية» البريطاني، ماركو فورجيوني، قوله إن «الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل هواتف آيفون، قد لا تكون متاحة بسهولة أثناء موسم الأعياد».وكانت عمليات اليمن ضد السفن التي تمتلكها جهات إسرائيلية أو لها صلات برجال أعمال إسرائيليين، أو حتى التي تمرّ عبر البحر الأحمر في طريقها إلى الكيان العبري، تسببت في ارتفاع أسعار التأمين على حاويات الشحن المتّجهة إلى «قناة السويس» بشكل ملموس ، فيما توازي الضغوط العسكرية اليمنية مع تراجع قدرة «قناة بنما» التي تربط بين المحيطَين الهادئ والأطلسي على تمرير السفن، سيجعل توافر الحاويات – وليس مجرّد أسعارها – مسألة حرجة في الأسابيع القليلة المقبلة.
هذه الاحداث بالتأكيد ستنعكس بالدرجة الاولى على الاقتصاد الاميريكي المعزول بريا” عن الاسواق الكبيرة في العالم وهو يحتاج الى هذه الممرات للابقاء على النمو في الاقتصاد وتجنب المزيد من التضخم الذي يمكن ان يحصل نتيجة رفع تكاليف الشحن والتأمين ، لذلك رأيناها كيف تتحرك عسكريا” لمنع هذا الاقفال .
وتزيد هذه الهجمات من المخاوف بشأن التهديد الذي تشكله طهران على مضيق هرمز، وهو الممر المائي الضيق الذي يفصل إيران عن دول الخليج والذي يعد نقطة عبور لصادرات النفط والغاز. إذ يمر نحو 40 في المائة من تجارة النفط المنقولة بحراً عبر مضيق هرمز يومياً إلى جانب شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر، مما ساعد أوروبا على استبدال الغاز الروسي.
يستكشف مالكو السفن الآن طرقاً بديلة أكثر أماناً، ولكن أكثر تكلفة، ويطالبون بمزيد من الحماية في مياه الشرق الأوسط. ويتضمن المسار البديل الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، بالقرب من كيب تاون، والإبحار على طول غرب أفريقيا، وهي طريق أطول بكثير وأكثر تكلفة. ويتعين على مالكي السفن دفع المزيد مقابل التأمين، فضلاً عن تحويل السفن والاستثمار في تدابير أمنية إضافية.
وأدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، ويتعين على السفن إخطار شركات التأمين التي تتعامل معها عند الإبحار عبر هذه المناطق، وكذلك دفع قسط إضافي عادة لفترة تغطية مدتها سبعة أيام.
يبقى ان نقول بأن للبحر الأحمر أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لإسرائيل، حيث تمر أكثر من 98 في المائة من تجارتها الخارجية إما عبره وإما عبر البحر الأبيض المتوسط . وكانت شركة الشحن البحري الإسرائيلية «زيم»، قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها تحوّل بعض سفنها بعيداً عن المنطقة، مما يعني زيادة زمن الرحلات بوصفه إجراء مؤقتا. كما نشير الى ان أكبر المالكين لشركات الشحن البحري هم اسرائيليين او صهاينة ومنهم شركة «راي» التابعة لأنغر تملك أسطولًا من ناقلات النفط والمركبات وناقلات البضائع الجافة. فيما يمثل عيدان عوفر أحد أكبر مالكي السفن في العالم. فإضافة إلى حصته في شركة «زيم»، التي تعد من أكبر 20 شركة شحن بحري في العالم، وتشغل أكثر من 150 سفينة، يمتلك عوفر حصصًا في شركات «XT» و«آيس تانكرز»، و«إيسترن باسيفيك»، تنقل إضافة للنفط والمركبات والبضائع، الكيماويات والغاز الطبيعي المسال. أما شقيقه إيال، فيشغل عبر «زودياك» أكثر من 130 سفينة تنقل كذلك البضائع والمركبات والكيماويات والنفط والغاز البترولي المسال. كل ذلك يرفع عدد السفن المملوكة إسرائيليًا أو المشغلة من قبل شركات إسرائيلية أو المرتبطة بها، ما يرفع بدوره حجم التهديد الاقتصادي.
لذلك، فإن تنفيذ التهديد اليمني بإغلاق باب المندب أمام كل السفن المتجهة إلى «إسرائيل» قد يفرض طوقًا خانقًا على اقتصادها سينعكس سريعًا على توفر السلع الاستهلاكية وأسعارها، وسيضر بكل الشركات الاسرائيلية ، وقد تحدثت مصادر إسرائيلية عن اتفاق مع شركة لوجستية إماراتية ، نال بالفعل موافقة الحكومة الإسرائيلية ، لإنشاء جسر بري بين مينائي دبي وحيفا ، يمر بالسعودية والأردن ، كبديل عن التجارة المارة بالبحر الأحمر، إلا أن ترتيب مثل هذا البديل إن تحقق لن يتم بسرعة تمنع الخسائر الإسرائيلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى