الاقتصاد العالمي بين فكي المضائق (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوار نيوز
بعد الضربة الكبيرة التي نفذتها الولايات المتحدة الاميركية للمنشأت النووية الايرانية والتي لغاية اليوم غير واضحة التفاصيل والنتائج، يبدو ان المنطقة ذاهبة الى مزيد من الفوضى والحرب . واليوم بعد تصويت مجلس الشورى الايراني على اقفال مضيق هرمز وترك امر التنفيذ لمجلس الامن القومي الايراني ، وبعد التصريحات اليمنية والتي اكدت على ان استهداف الولايات المتحدة الاميريكية لأيران سوف يدفعها الى المشاركة في التصدي الى جانب ايران وامكانية اقفال مضيق باب المندب أمام كل السفن الغربية ، ما يعني امكانية اقفال الممر بالكامل وتحول البحر الاحمر الى ساحة معركة .
ان اغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب في آنٍ معًا سيكون بمثابة ضربة مزدوجة شديدة التأثير على الاقتصاد العالمي ، وسيكون له تداعيات كبيرة وفورية على الدول الخليجية والعراق بالدرجة الاولى ، لكون هذه المضائق تمثل شرايين أساسية في نقل الطاقة والتجارة العالمية والتي تمثل اكثر من سبعين بالمئة من واردات هذه الدول لتمويل موازناتها .
لكن ما اهمية هذه المضائق بالنسبة للاقتصاد العالمي ؟
أزمة نفط وارتفاع الأسعار:
يمر عبر مضيق هرمز حوالي 20% من استهلاك النفط العالمي (نحو 20 مليون برميل يوميًا ، كما يمر عبر باب المندب حوالي 6.2 مليون برميل من النفط والمشتقات يوميًا ، إلى جانب كميات هائلة من السلع الزراعية والصناعية اضافة الى المواد الاولية التي تحتاجها الكثير من الدول والقادمة من اسيا واستراليا .
ان إغلاق المضيقين سيدفع بأسعار النفط إلى مستويات قياسية قد تتجاوز 150 دولارًا للبرميل وفق العديد من المصادر الدولية ولا سيما صندوق النقد الدولي ، جي بي مورغان ، وغيرها من المصادر وذلك بسبب نقص الإمدادات .
اضطراب سلاسل الإمداد :
سيتأثر النقل البحري العالمي ، خاصة البضائع من آسيا إلى أوروبا وسنشهد تأخير الشحنات وارتفاعا في تكاليف النقل نتيجة ارتفاع اسعار الطاقة وارتفاع تكاليف التأمين ما سيؤدي إلى موجة تضخم عالمي جديدة لن تستطيع دول كثيرة مواجهته بسهولة وسيزيد من أزمة سيولتها وأزمة الدين العام وكلفته السنوية والتي سترهق الموازنات لمعظم هذه الدول .
اضطراب الأسواق المالية :
الأسواق ستشهد تقلبات شديدة ، مع هبوط الأسهم وارتفاع الذهب . ان زيادة القلق الجيوسياسي سيؤثر على معنويات المستثمرين ويؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة ما سيضغط على هذه الاسواق ويمكن ان يؤدي الى خلل كبير في اسواقها وانهيارات في مؤشراتها .
أما بالنسبة لدول الخليج العربي فان اقفال هذه المضائق سيؤدي الى خلل كبير في اقتصادها القائم بمعظمه على تصدير المواد الطبيعية ولا سيما النفط والغاز. وسيؤدي ذلك الى:
انخفاض عائدات النفط :
رغم ارتفاع الأسعار ، إلا أن توقف الصادرات عبر المضيقين سيحرم دول الخليج خاصة السعودية، الكويت، الإمارات، وقطر من أهم مصدر للدخل وسيجري الاعتماد على البدائل مثل خط أنابيب أبو ظبي – الفجيرة، أو شرق السعودية – ينبع لكن هذه البدائل لن تستطيع تعويض كامل الخسائر .
انكماش اقتصادي :
ان تراجع الواردات النفطية والغازية لدول الخليج حتما سيؤدي الى تراجع في اداء هذه الاقتصادات وبالتالي سيؤدي الى انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة توقف الصادرات ، وارتفاع كلفة الواردات، وأبرز المتضررين سيكون مشروع رؤية 2030 الخاص بالمملكة العربية السعودية حيث يمكن ان يتم تأجيل بعض هذه المشاريع بسبب نقص السيولة.
ضغط على العملات وأسواق المال :
سيؤدي هذا الاقفال الى تراجع الاحتياطات من العملات الصعبة لهذه الدول مما سيخلق ضغطا كبيرا على العملات الخليجية المرتبطة بالدولار كما ان بورصات الخليج ستتأثر سلبًا ، وعمليات سحب رؤوس الأموال سترتفع.
في النهاية نتائج هذه الحرب ستكون قاسية اقتصاديا على الجميع، لذلك من المتوقع ان تسعى كل الدول جاهدة وخاصة الدول الاكثر تضررا الى منع هذا الاقفال من خلال جولات سياسية وتقديم اقتراحات وبالتالي التقدم بتسويات ترضي الجميع .