سياسةصحفمحليات لبنانية

قالت الصحف:تحضيرات سياسية للعام الجديد..وبوادر خلافات جديدة حول ممارسة السلطة

 

الحوار نيوز – خاص

تتهيأ البلاد لمرحلة ما بعد الأعياد والسنة الجديدة لدفع المحركات السياسية نحو تعبئة الشغور الرئاسي ومعالجة الأزمات المتعددة على مختلف الصعد،ويبدو أن الخلافات ستذر قرنها من جديد خاصة على صعيد ممارسة السلطة في ضوء الحديث عن نية الرئيس نجيب ميقاتي دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد مجددا.

الصحف الصادرة اليوم تناولت هذا الواقع على النحو الآتي:

 

النهار عنونت: أكلاف “متدحرجة” لأزمة الفراغ مع مطلع السنة

 وكتبت صحيفة “النهار” تقول: بدا من المفارقات الغريبة التي تفرزها وقائع الوضع المضطرب سياسيا واقتصاديا وخدماتيا في لبنان، ان تطورا إيجابيا كهبوط حاد غير تقليدي في أسعار المحروقات تسبب بإضرابات واسعة في هذا القطاع وانعكس على توزيع المحروقات بدل ان يطلق موجة ارتياح وانفراج. وهي ظاهرة لم تعد تثير الكثير من الاستهجان ما دامت سمة الإجراءات التي ترافق حالة التذبذب في الأسواق المالية والمصرفية تنسحب فورا على القطاعات الحيوية في ظل انعدام وجود خطة ثابتة وواضحة للجم انفعالات الأسواق والقطاعات من خلال إدارة حكومية – مصرفية جادة وثابتة وشفافة، بل ان ما يجري من صعود وهبوط وتدخلات ظرفية مفاجئة لمصرف لبنان مع غياب كلي للإدارة الحكومية الضابطة لمجريات الأمور يبقي الوضع مفتوحا كل يوم على موجات الاضطرابات المتنوعة والمختلفة.

 

ولعل اللافت في هذا السياق ، وطبقا لما أوردته “النهار” امس، هو ان الجانب المتصل بالازمة المالية والاجتماعية يطغى تصاعديا على مجمل المشهد الداخلي في ظل الشلل السياسي الكامل الذي يرافق عطلة الأعياد والتي كانت مطية وحجة وذريعة لتبرير او حجب العجز السياسي الاخذ في الاشتداد من دون أي مؤشرات او ضمانات حيال احتمال تحريك هذا الشلل والاتجاه نحو حلول تنهي ازمة الفراغ الرئاسي مع مطلع السنة الجديدة. وتحذر أوساط معنية بتداعيات الازمة الرئاسية في هذا السياق من ان كلفة تداعيات الفراغ على مختلف وجوه الازمات التي يعاني منها لبنان ستكون مع السنة الجديدة اشد خطورة بكثير في حجمها وسلبياتها مما يعتقد افرقاء سياسيون لا يحسبون بدقة لخطورة تفلت الوضع كلما طال امد الفراغ واتجهت الأوضاع الى مزالق جديدة. وتشير الى ان الأشهر السابقة من الازمة الرئاسية والسياسية تسببت حتى الان بتفكك إضافي خطير في مختلف المؤسسات والإدارات الامر الذي يرسم علامات الإنذار المتقدم حيال ما يمكن ان ينتهي اليه لبنان وفي ظل أي دولة كلما طال امد الفراغ وهل سيبقى ممكنا إعادة ترميم واحتواء الاضرار العميقة والجوهرية في بنية الدولة والنظام. ولذا تتكثف التحذيرات الديبلوماسية الغربية للبنان من ان اكلاف ازمة الفراغ المؤسساتي ستتخذ منحى متدحرجا غير عادي مع السنة الجديدة نظرا الى تداعي ما تبقى من قدرات الصمود المالي والاجتماعي بما يملي انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع ما يمكن.

 

في أي حال فان التجاذبات الجارية داخل التركيبة الحكومية نفسها لا تبدو انها انتهت بل ركدت راهنا ضمن هدنة الأعياد. ولكن تطورا برز في هذا السياق امس حيال توقيع مراسيم مجلس ‏الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، اذ اصدرت رئاسة مجلس الوزراء المرسوم رقم 10958، ‏القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للاسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية ‏والمتقاعدي، وتخطت رفض وزير الدفاع موريس سليم الالتزام بقرار مجلس الوزراء كما ارسل اليه. ووقع المرسوم رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزراء الداخلية والبلديات بسام مولوي، والمال ‏يوسف الخليل‎ والدفاع الذي عاد ووقعه بعد تاخيره .

 

 

رئيس الوزراء الاسباني

ووسط هذه الأجواء حط في بيروت امس رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز مفتقدا الوحدة الاسبانية العاملة ضمن قوة اليونيفيل. وبدا واضحا ان حادث استهداف الكتيبة الايرلندية طغى على أجواء الزيارة اذ جدد ميقاتي بعد لقائه سانشيز تاكيد التزام لبنان كل مندرجات القرار 1701 والعمل الحثيث على تطبيقها، مشددا على”ان كل السلطات الأمنية والعسكرية والقضائية ، لم تتوان ولن تتوانى، ولو للحظة عن القيام بواجباتها كافة لناحية معرفة هوية مطلقي النار على آلية اليونيفيل قبل اسبوعين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم”. وعقد ميقاتي وسانشيز في السرايا خلوة تلتها المحادثات الرسمية الموسعة بمشاركة اعضاء الوفدين. وخلال المحادثات تحدث ميقاتي معتبرا الزيارة “تأكيد اضافي على التضامن الدولي مع لبنان والدعم الذي لا بديل عنه لينهض من كبوته”. وقال :”إنني اؤكد أمامكم، ما سبق وأكدته لقائد قوات اليونيفيل الذي انتدبتموه مشكورا لقيادة هذه القوات، ان كل السلطات الأمنية والعسكرية والقضائية ، لم تتوان ولن تتوانى، ولو للحظة عن القيام بواجباتها كافة لناحية معرفة هوية مطلقي النار على آلية اليونيفيل قبل اسبوعين ما ادى الى فقد عنصر من الكتيبة الايرلندية في قوات حفظ السلام، واصابة رفاق له بجروح، وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم. وانتهز فرصة وجودكم اليوم في لبنان ، لأكرر امامكم ما صرتم تعرفونه، ان ما يزيد من وزر الضائقة الاقتصادية الخانقة في لبنان هو وجود اعداد كبيرة من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية وتبعات هذا الوجود على الأمن والأستقرار والاقتصاد”.

 

وقال “إننا على ثقة بأن اسبانيا يمكن ان تقدم الكثير من الدعم وأن تعطي ملف النازحين السوريين الأولوية ضمن الاتحاد الأوروبي خلال فترة ترؤسها المجلس الأوروبي في النصف الثاني من العام 2023. لنعمل معا بشراكة تامة على الساحة الدولية لنؤمن الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي للبنان”.

 

واعلن رئيس الوزراء الاسباني :”جئت الى لبنان لأنه بلد يعني لنا الكثير وهو البلد الاول الذي تدعمه اسبانيا من صندوق الدعم الاسباني” . وأكد حرص بلاده على دعم عمل اليونيفيل في جنوب لبنان، وقال ان الكتيبة الاسبانية هي اكبر الفرق المشاركة منذ العام 2006. وأشار الى ان بلاده سترأس العام المقبل المجلس التنفيذي للاتحاد الاوروبي، “ومن اولوياتنا دعم العلاقة مع دول الجوار وفي مقدمها لبنان وتقويتها، اضافة الى تعزيز العلاقات بين لبنان والاتحاد الاوروبي في مجالات الطاقة البديلة والزراعة والبنى التحتية وتنمية قدرات الشباب”. ونوه باستقبال لبنان النازحين السوريين ، رغم الازمات التي يعاني منها، ويتفهم حرص لبنان على العودة الطوعية لهؤلاء الى بلادهم وسيبذل جهده عبر الاتحاد الاوروبي لدعم لبنان في هذا المجال”.

 

وزار سانشيز والوفد المرافق بعد ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نوه بزيارته خصوصا في هذه المرحلة مشيدا بدور اسبانيا ودعمها للبنان من خلال مشاركتها في قوات الطوارئ الدولية. وشدد على “وجوب انجاز الاستحقاق الدستوري الأول المتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل الزامي لولوج لبنان مرحلة الحل والخروج من الازمة الراهنة”.

 

 


الأخبار عنونت: ميقاتي نحو عقد الحكومة مجدداً

 

حراك باسيل يسوّق لـ«الاسم الثالث»: ميقاتي يفتتح العام بـ«مشكل» جديد

 

وكتبت صحيفة “الأخبار” تقول: بعيداً من كل التعهّدات التي قطعها، خصوصاً للبطريرك الماروني بشارة الراعي، يبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيفتتح السنة الجديدة بأزمة حكومية جديدة تقود إلى مزيد من التشنّج. فقد كشفت مصادر مطلعة لـ «الأخبار» أن ميقاتي، بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ينوي الدعوة إلى جلسة حكومية مطلع عام 2023، يتضمن جدول أعمالها إعداد مشروع قانون «التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين» لإحالته إلى مجلس النواب للتصويت عليه. وفيما يبقى مصير الجلسة مرهوناً بمواقف القوى السياسية التي شاركت في جلسة الخامس من الشهر الجاري، إلا أن مجرّد النية إلى الدعوة تشكّل في حد ذاتها «رغبة» في تحدّي التيار الوطني الحر، وستؤدي لا شك إلى صدام أوسَع مما شهدته الجلسة الأخيرة، في ظل استحالة الوصول إلى توافق على ملف آلية عمل الحكومة التي ترفض القوى المسيحية، وفي مقدمها التيار، أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو العنوان الذي يختزل العنوان الخلافي مع رئيس الحكومة.

بوادر الاشتباك الحكومي الجديد بدأت تظهر مع توقيع ميقاتي، أمس، مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء الأسلاك العسكرية، في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، مساعدة اجتماعية. وطلب ميقاتي في كتاب وجّهه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء «إجراء ما يلزم من تعديلات على مشروع المرسوم الموقع من قبل وزير الدفاع موريس سليم لإصداره بحسب الأصول الدستورية، أي بالصيغة المرسلة سابقاً إلى وزير الدفاع الوطني بعد استكمال تواقيعه أصولاً»، بحجة أنه تم الاتفاق عليه في اجتماع سابق في السراي الحكومي. ونص الكتاب على أن «وزير الدفاع، بعد انتظار أكثر من أسبوعين، أعاد بتاريخ 21-12-2022 مشروع المرسوم موقعاً من قبله، لكنه أدخل عليه بعض التعديلات في خانة البناءات، فأضاف خلافاً للحقيقة والواقع حيثية تتعلق بطلب مقدم من وزيري الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، رغم عدم وجود هذا الطلب في الملف. كما شطب الحيثية المتعلقة بقرار مجلس الوزراء وموافقته، فضلاً عن تعديل في خانة التواقيع، حيث أدرج أسماء جميع أعضاء الحكومة خلافاً للأصول الدستورية التي توجب توقيع الوزراء المعنيين فقط، أي توقيع وزير الداخلية والبلديات ووزير الدفاع الوطني ووزير المالية، على أن يصار بعدها إلى إصداره أصولاً، أي بعد توقيعه من قبل رئيس مجلس الوزراء مرتين».
ولاحقاً، صدر عن رئاسة مجلس الوزراء المرسوم رقم 10958، القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للاسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، ممهوراً بتوقيعين لميقاتي ولوزراء الداخلية والبلديات والدفاع الوطني والمالية. علماً أن التيار الوطني الحر يشكّك قانونية المراسيم التي يوقعها رئيس الحكومة مرتين، عنه وعن رئيس الجمهورية، ويطال باعتماد تواقيع الوزراء جميعاً على المراسيم، وهو ما سيسعّر من جديد نار الخلاف حول آلية العمل الحكومي وصيغة إصدار المراسيم.

إلى ذلك، لم تغيّر الحركة التي اختتَم بها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل العام الجاري مِن وقائِع المشهد السياسي المسدود الذي يُرخي بظلالِه على لبنان ربطاً بالتقاطعات الداخلية والإقليمية المتعثرة. علماً أن باسيل لا يزال مقتنعاً بأن قوة كل من المرشحين الرئاسيين الجديين سليمان فرنجية وجوزف عون تكمن في وجود دعم داخلي وخارجي كبير لهما، ولا يمكن بالتالي اختراق ثنائيتهما سوى بمرشح ثالث يحظى هو الآخر بدعم داخلي وخارجي. وإذا كان فرنجية يتكئ على ثنائي حزب الله وحركة أمل، بينما يتكئ عون على كلمة السر الأميركية، فإن دعم التيار الوطني الحر لمرشح ثالث لا يكفي وحده وسيؤدي إلى احتراقه بسرعة، لذلك يعمل باسيل على توسيع إطار الدعم لهذا المرشح المفترض، وهو من هذا المنطلق يميل إلى مراعاة البطريركية المارونية، مفترضاً أن حيثية وجدية أي خيار ثالث ستزداد كثيراً إذا انطلقت من دعم البطريركية والتيار، لا التيار فقط أو البطريركية فقط. وفي ظل تردد القوات اللبنانية في ما يخص تبني ترشيح قائد الجيش، يمكن أن يكون بين الأسماء التي تقنع بكركي والتيار من يقنع معراب أيضاً، فيصبح عندها هذا المرشح أكثر جدية من فرنجية وعون مجتمعين.
ويقول أحد المطلعين على اتصالات باسيل إن آفاق الحوار باسم ثالث أقفلت بسرعة مع حزب الله بحكم تمسكه بفرنجية كمرشح وحيد، ثم مع الرئيس بري، فيما كان المقلب الآخر أكثر انفتاحاً وترحيباً بالحوار، من بعض النواب «التغييريين» إلى الدوحة وما بعد بعد باريس، حيث لم تكن المعادلة: جوزف عون أو لا أحد، أو معنا أو ضدنا. وإذا كان الحوار سالكاً بشأن المرشح الثالث مع العاصمتين القطرية والفرنسية والبطريركية المارونية فإن «النقاش في الأفكار» كان إيجابياً جداً مع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ومع عدة نواب تغييريين ومستقبليين سابقين يلتقون بشكل دوري بعيداً من الإعلام مع ثلاثة من النواب العونيين. وفي رأي العونيين أن أي خيار جدي ثالث يمكن أن يشكل مخرجاً حقيقياً لهؤلاء من الإحراج الكبير الذي سيمثله السير بفرنجية أو عون بالنسبة لهم. فبعد كل الكلام عن الدولة المدنية والنهوض والحريات لا يمكن أن يكون انتخاب قائد الجيش رئيساً خياراً سهلاً بالنسبة لكثير من النواب التغييريين، تماماً كما أن النائب وليد البعريني يستفيد حتى الآن من عدم وجود معركة كسر عظم سياسية ليحافظ على علاقته الإيجابية بكل من الثنائي الشيعي من جهة والسفارة السعودية من جهة أخرى، ولن يكون مسروراً أبداً بحسم أمره مع واحد منهما، حاله في ذلك من حال عضو تكتل فرنجية نفسه النائب ميشال الياس المر وزميله في الكتلة نفسها وليم طوق.
وعن العلاقة مع جنبلاط، يقول أحد المطلعين إن جنبلاط تعايش باكراً مع تصحيح التمثيل السياسي في الجبل، ورغم تعبير بعض نوابه عن خطاب كراهية غير مفهوم تجاه التيار الوطني الحر وحادثة قبر شمون فإن المعارك سواء في السياسة أو في مجلس الوزراء أو حتى في الانتخابات النيابية بين التيار والاشتراكي كانت محدودة جداً وضيقة، في ظل تنام كبير في عدد الأصدقاء المشتركين للجانبين، وهو ما يفسح المجال أمام فتح صفحة جديدة جدية بين الطرفين. مع الأخذ في الاعتبار أن جنبلاط أيضاً يبحث عن خيار ثالث يجنّبه عناء الاصطفاف العنيف مع فريق ضد آخر، وهو يجد بين السطور التي يرددها باسيل عن الخيار الثالث عدة مرشحين مناسبين يطمئنون المختارة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى حرص باسيل منذ عدة شهور على عدم الانجرار إلى الجبهات التي اعتاد العونيون استحداثها، مصراً على وجوب الحفاظ على أقل قدر ممكن من المشاكل السياسية إلا عند الضرورة القصوى.

 

 

 

الجمهورية عنزنت: رهان على تحرّك برّي .. التحذيرات تتوالى من “الوجع الكبير” .. السلطة: أريد حلًّا؟

 وكتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: في وضع سياسي متخثّر كالذي نعيشه في لبنان، لا مجال على الإطلاق للرهان على جريان طبيعي للدماء في عروق سياسية يابسة، وعلى كائنات متسلطة مصابة بسكتة وطنية وإنسانية وأخلاقية، قدّمت أسوأ نموذج في معاداة وطن وشعب يصارعان للبقاء على قيد الحياة.

كلّ اسباب الحياة والاستمرار باتت معدومة في هذا البلد؛ الهواء بلا أوكسيجين، والسياسة أقل ما يُقال فيها انّها ملوّثة، والعبث بالحاضر والمستقبل والمصير هو القاسم المشترك بين تجار المصالح والمكاسب وصانعي العتمة والظلام. على هذه الصورة ثُبِّتَ لبنان، وحكم عليه صراع الأحقاد والحسابات والحزبيات والنعرات والطائفيات والمذهبيات بأن يبقى مقيّدًا خلف قضبان الفوضى والتعطيل، ممنوعًا عليه ان يتحرّر ويتنفس الهواء النظيف.

 

الاقتصاد إلى مزيد من الانهيار، والدولار يتقلّب على جمر النار، والمؤشّرات المالية والاجتماعية والمعيشية تنذر بكوارث ودمار، فيما العقول السياسية ثابتة في مسار شيطاني ركّزت البلد على سكة الإنحدار، فلا مبادرات جدّية ولا حوار مسؤولًا يصوّب المسار نحو تسوية داخلية تخرج الملف الرئاسي من قمقم التعقيدات لإنقاذ دولة تتآكل وتتداعى، خزينتها مفلسة، ووزاراتها مشلولة، واداراتها باتت تتسول وتستجدي من يمدّها بالمعونات.

 

الخيارات محسومة

 

هذا المشهد الكارثي، آيل لأن يتفاعل اكثر، على ما تؤكّد مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، «فلا شيء في الأفق السياسي يبشر بانفراج وشيك، فالجمود تام، والجميع في عطلة، ولا كلام رئاسياً او حكومياً، ما خلا تقطيع وقت، فضلًا عن انّ مكونات الانقسام السياسي حسمت خياراتها بالسير عكس التيار التوافقي، وحبست نفسها في مربّع التعقيدات».

 

وفي هذه الاجواء سألت «الجمهورية» مرجعًا مسؤولًا عن تطورات الملف الرئاسي، فسارع إلى القول: «مطرحك يا واقف، لا كلام بالرئاسة ولا بغير الرئاسة، «ما في شيء ابدًا» كل شيء مؤجّل إلى السنة الجديدة».

 

وعمّا يحكى عن مبادرات، ولاسيما من قبل «التيار الوطني الحر»، قال المرجع: «نحن مع كل ما من شأنه ان يؤدي إلى توافق على رئيس، ولكن ليس المهم كثرة المبادرات او من يقوم بهذه المبادرة، فقبل كل شيء ينبغي ان تتوفر إرادة التوافق والنوايا الصادقة ببلوغه وإعلاء مصلحة البلد على كل المصالح السياسية والحزبية، ودون ذلك لا يتعب احد نفسه .. والله يا جماعة صار وضعنا بِبَكّي .. الله يعين الناس».

 

مشاورات ولا حوار

 

على انّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أبلغت إلى «الجمهورية» قولها، انّها على الرغم من الأفق المسدود، فإنّها تلمح نافذة امل، وقالت: «المشهد الداخلي أمام مراوحة مفتوحة في دائرة السلبية، الّا إذا نجحت المحاولة الاخيرة لكسر حلقاتها، التي يُنتظر ان يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وخصوصًا انّه اعلن انّ الشغل الجد، سيبدأ اعتبارًا من مطلع السنة الجديدة».

 

وإذا كانت اجواء الرئيس بري تؤكّد انّه ليس بصدد تكرار الدعوة إلى حوار بين المكونات الداخلية، على اعتبار انّ عناصر هذا الحوار غير مكتملة جراء عدم تجاوب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» مع هذا المنحى، فإنّ في أجندة رئيس المجلس افكارًا لكسر حلقة التعقيد، منها عقد جولات من المشاورات الثنائية مع الكتل النيابية والتوجّهات السياسية.

 

واكّدت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ الرئيس بري، قرّر ان يحفر جبل التعقيدات ولو بإبرة، ويراهن في محاولته هذه، على انّ استفاقة سياسية شاملة تقارب الأزمة بمسؤولية وتكسر الواقع التعطيلي القائم، وخصوصًا انّ ما استتبع هذا التعطيل من تداعيات على اكثر من صعيد، زادت من مخاطر الأزمة وأعبائها على اللبنانيين، يفترض انّه يحفز الاطراف السياسية على أن تتعمق في قراءة وضعنا الكارثي، وان يتحمّل كل طرف مسؤوليته في الشراكة في إحداث اختراق في الجدار الرئاسي المسدود، يفضي إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، حيث لا سبيل لإنهاء الأزمة من دون هذا التوافق، والّا فإنّ لبنان سيبقى غارقًا في مشهد سوداوي مفتوح، وبمعنى اخطر، مشهد أقرب إلى ساحة للتداعيات والمصاعب التي فقد اللبنانيون طاقتهم على تحمّلها.

 

تجنّبوا الوجع

 

على انّ ما يزيد من سوداوية المشهد، هو أجراس الخطر التي تواظب المؤسسات المالية الدولية على قرعها، وآخرها ما تبلّغته مستويات اقتصادية مسؤولة من تحذيرات وصفت بالأكثر من جدّية هذه المرّة، من انّ لبنان سيقبل على وجع كبير جدًا اعتبارًا من بدايات السنة الجديدة، ما لم يسارع المسؤولون فيه إلى إعادة ترتيب واقعه السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة على وجه السرعة، تباشر فورًا في خطوات التعافي والانقاذ. حيث ورد في هذه التحذيرات ما حرفيّته: «امامكم فرصة ضيّقة جدًا يمكنكم خلالها من تجنّب الوجع غير المحتمل الآتي عليكم. والإجراء الأقرب امامكم هو إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث لا سبيل غيره امام لبنان. ويؤسفنا إبلاغكم بأنّ وضعكم الحالي تخطّى حدود الانهيار، وخرج من دائرة التصنيفات السلبية، وصرتم في مرتبة حرجة جدًا ودون الصفر بمراحل، حيث بات بلدكم اقرب من اي وقت من ان يُصنّف بدولة فاشلة».

 

دلّونا.. ما العمل؟!

 

في موازاة هذا المشهد، تبدو السلطة السياسية مقيّدة غير قادرة على مجاراة الانهيار. وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ التلاعب الاخير بسعر الدولار والقفزات الكبيرة التي سجّلها أربكا الطاقم الحاكم، الامر الذي دفع أحد كبار المسؤولين إلى استطلاع رأي بعض الاقتصاديين ورجال المال، حيث بدا وكأنّه يستجدي حلًّا للأزمة المستعصية، ونقل عنه قوله: «نشعر اننا امام قنبلة موقوتة، قولوا لنا ماذا يمكن ان نفعل، لقد أقفلت السبل في وجهنا، ولا نعلم ماذا يجري بالدولار، ومن يتلاعب به، فجأة ارتفع الدولار 5 آلاف، ثم بعد تعميم مصرف لبنان هبط 4 آلاف، وفي اقل من ساعتين عاد وارتفع 2500 ليرة، وكانت كلفة ذلك إضاعة نحو 50 مليون دولار. اعترف بصراحة اننا لسنا قادرين على لجم الدولار، والمصرف المركزي عاجز عن احتوائه، ولا حل جاهزًا في ايدينا، فهل من سبيل إلى ذلك.. دلونا ما العمل؟!».

 

أسباب الانهيار

 

وفي هذا الإطار، قالت مصادر اقتصادية لـ«الجمهورية»، انّ «اسباب الانهيار المالي وارتفاع الدولار متعددة، أولها عدم الاستقرار السياسي وتعطّل انتخاب رئيس للجمهورية وغياب حكومة قادرة على اتخاذ القرارات والقيام بالخطوات العلاجية اللازمة والضرورية. وثانيها، وهنا الأساس، هو التهرّب من المسؤولية، وتعطيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والتغييب المتعمد لخطة التعافي، والتمييع المتكرّر لمشروع الكابيتال كونترول. وهنا لا نستطيع ان نلوم احدًا، وخصوصًا المؤسسات المالية الدولية التي لطالما حذّرت من انّ لبنان سيعاني وجعًا كبيرًا تسبب به المسؤولون فيه، ويتهرّبون من إيجاد العلاجات اللازمة له. فلا عذر امام الحكومة في تأخير خطة التعافي، كما لا عذر على الإطلاق للنواب في تأخير البت في مشروع الكابيتال كونترول، وخصوصًا انّ دولًا عانت الأزمة مثل لبنان وربما بأكثر خطورة مثل سيريلنكا والباكستان وغانا، ومع ذلك سارعت إلى خطط التعافي وإقرار الكابيتال كونترول في غضون اسابيع، بينما نحن في لبنان مضت ثلاث سنوات ولم يخرج البحث في موضوع الكابيتال كونترول عن التعطيل والمماحكة والمماطلة والتسويف، وهو ما يضع الجميع في خانة الاتهام والتآمر على لبنان».

 

الخطة إلى المجلس

 

إلى ذلك، وفي سياق الحديث عن خطة التعافي، علمت «الجمهورية» انّ خطة التعافي والتوازن المالي سلكت طريقها إلى المجلس النيابي منذ ايام قليلة، وثمة اقتراحان نيابيان بهذا المعنى قد وقعّا، وتمّت احالتهما إلى لجنة المال والموازنة النيابية لدراستهما والبت فيهما. وقالت مصادر اقتصادية لـ«الجمهورية»، انّ هذه الخطوة بالغة الأهمية، حيث أنّها تضع قطار العلاج على السكة، الّا إذا كان مصير هذين الاقتراحين كمصير الكابيتال كونترول الذي يراوح بالمماطلة والتسويف في اللجان النيابية المشتركة، فساعتئذ يمكن القول انّ على خطة التعافي والإنقاذ المالي السلام.

 

بري: هذا مدخل الحل

 

في الحركة السياسية، برزت أمس زيارة رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز الى بيروت، حيث عقد محادثات مع الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.

 

ونوّه بري بزيارة رئيس الحكومة الإسبانية والوفد المرافق الى لبنان خاصة في هذه المرحلة، مشيداً بدور إسبانيا ودعمها للبنان لا سيما من خلال مشاركتها في قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، لافتاً الى انّ العلاقة التاريخية مع هذه القوات والتي تعود لأكثر من أربعة عقود، أسهمت وتسهم في تعزيز روابط الصداقة وفي تبادل الخبرات على أكثر من صعيد بما فيها برامج التعاون في مجالات عدة.

 

وأبدى استعداده العمل على تطوير صِيَغ التعاون بين لبنان وإسبانيا خاصة على الصعيد البرلماني والتشريعي، مشدداً أمام الضيف الإسباني على وجوب إنجاز الاستحقاق الدستوري الأول المتمثّل بانتخاب رئيس للجمهورية كمدخل إلزامي لولوج لبنان مرحلة الحل والخروج من الازمة الراهنة.

 

ميقاتي عند عودة

 

من جهة ثانية، زار الرئيس ميقاتي أمس ‏متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده في دار المطرانية. وقال بعد الزيارة: «تحدثنا عن مواضيع عديدة، وأثار سيادته نقاطاً معينة ‏وعبّر عن الهواجس التي يشعر بها كل لبناني مخلص. في الموضوع السياسي انّ سيادته ‏مع انتخاب رئيس جمهورية بأسرع وقت ممكن ضمن النظام الديموقراطي الحقيقي. وفي ‏الموضوع الامني يقول صاحب السيادة إن الامن لا يُلزّم والدولة مسؤولة عن أمن المواطن ‏بكل ما للكلمة من معنى، ويجب ان يكون الامن صارماً ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يحل ‏مكان الدولة».

 

أضاف: «تطرقنا بالبحث الى موضوع آثار انفجار مرفأ بيروت الذي لا يزال ‏يُدمي كل القلوب، وبخاصة في هذه المنطقة المنكوبة بالذات والتي اصيبت جراء هذا ‏الانفجار. طرحَ صاحب السيادة اسئلة عديدة في هذا الموضوع تتعلق بالتحقيق في الملف او ‏بموضوع المساعدات للمتضررين. كل هذه الامور انا أعيها تماماً، وصاحب السيادة نقل ‏هواجس اللبنانيين».

 

الراعي: الوطن في خطر

 

بدوره حذّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ‏امام وفد كتائبي زاره في بكركي امس، من «انّ الوطن في خطر، لأنّ الدستور في مكان ‏ونحن ذاهبون إلى مكان آخر»، مبديًا أسفه «لأنّ الشعب يتلقّى الضربات ولا يحق للكتل ‏النيابية ان تستمر بما تقوم به في موضوع رئاسة الجمهورية‎»‏. اضاف: «نحن نتكلم ‏كبطريركية، نتكلم نفس لغة الكتائب، ولا نريد ان تطغى المصالح الشخصية على المبادئ ‏الوطنية، وان يكون الولاء للبنان»، مؤكّدًا «لا ‏يمكن للكتل النيابية ان تستمر في الأخذ والرد، والطريقة التي تجري فيها عملية انتخاب ‏الرئيس خطأ»‎‏.

 

واعتبر البطريرك الراعي «انّ الاعتداءات على الاراضي في رميش غير ‏مقبولة»، مذكّرًا بما حصل في لاسا، ومشيرًا الى «انّ السلطات المعنية، أبلغتهم انّها غير ‏قادرة على القيام بشيء‎»‏.‏‎

 

اضاف الراعي: «عندما سألنا: ألا يوجد قانون؟ اجابوا يوجد، ولكن لا نستطيع تطبيقه»‎‏.‏

 

قبلان

 

بدوره، إعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أنّ «الطائفية أخطر عدوّ للبنان وأسوأ سلاح فتّاك بيد الخارج وأكبر مصدر لأزماتنا الدستورية والوطنية».

 

واشار في بيان، إلى انّ «المطلوب حماية لبنان من القنبلة الطائفية، وهذا ينسحب على السياسة والإعلام ومعالجة القضايا الرئيسية، واليوم لبنان كغيره من دول العالم يُطبخ بالتواصل الاجتماعي وعلى الشاشات، وسط تيارات دولية تلهب النار الطائفية والخيارات التقسيمية للبلد، وهنا أقول: خط الدفاع الوطني للبنان يبدأ من التواصل الإجتماعي والشاشات الإعلامية والمطابخ السياسية، ونحن قبل نشأة لبنان السياسي كنا عائلة لبنانية وما زلنا ونريد أن نبقى كذلك إلى آخر الدهر. لذلك، حين أقرّ واضع الدستور اللبناني انتخاب رئيس الجمهورية عبر مجلس النواب كانت نيّته منصّبة على انتخاب رئيس وطني يمثّل المصالح الوطنية لا الطائفية، وإصراره على مجلس النواب لأنّه مرجع الشرعية الوطنية ومصدر الشراكة التمثيلية لكل الطوائف».

 

اضاف: «لذلك القطيعة السياسية قطيعة للبلد، وترك الحلول نسف للجسور الوطنية، وانتظار الخارج تعطيل للإنقاذ الوطني، والتعويل على الملفات الدولية تضييع للبنان، والحصار الأميركي للبلد ظالم للجميع، ولن نقدّم لبنان جائزة ترضية، ولن نستبدل بالشرعية النيابية أي شرعية على وجه الأرض، كما لن نقبل بأي بديل عن الشراكة الوطنية، وما يصلح للمسيحي كشريك وطني يصلح للمسلم، ولبنان اليوم على مفترق طرق والقائد العظيم من ينقذ لبنان».

 

جعجع: الحزب وحلفاؤه

 

واعتبر رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع، أنّ «ما هو ‏حاصل اليوم ليس بسبب «جبروت محور الممانعة» وإنما بسبب ضعف من كان يجب عليهم ‏تحمّل مسؤولياتهم ويرفضون القيام بذلك‎»‎‏. ولفت خلال العشاء السنوي الذي أقامته منسقيّة ‏عاليه في المقر العام للحزب في معراب، إلى أنّه «حتى اللحظة مرّ شهران من المهلة ‏الدستوريّة وشهران إضافيان من الفراغ ولم يتمّ انتخاب رئيس للجمهوريّة، لأنّ محور ‏الممانعة لم يتمكن من إيصال المرشح الذي يريده، وبالتالي يعمد إلى تعطيل الإنتخابات، ‏وهذا بصراحة ليس عملاً ديمقراطيّاً ولا عملاً سياسياً ولا عملاً شريفاً ولا عملاً وطنياً بل ‏عملاً في غاية الحقارة يضرب الديمقراطيّة والوطنيّة ولبنان».‎

 

وشدّد على انّ «الأزمة تشتد ‏يوماً بعد يوم، ومن يتحمّل تبعاتها هو «حزب الله» وحلفاؤه أي «محور الممانعة»، لأنّهم ‏يقومون بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهوريّة»، مشيراً إلى أنّ «الإنقاذ في» مطال اليد» ولا ‏يعتقدن أحد أنّ هناك «برمبو القرن 21» لأنّه لم يعد هناك «برمبويات» على الإطلاق، جلّ ‏ما في الأمر اننا بحاجة لأشخاص يتحمّلون مسؤوليتهم، وفي هذا الإطار على المواطنين ‏اللبنانيين الذين يُلذعون يومياً من نار الأزمة أن يطلبوا من النائب الذي اقترعوا له بصفته ‏صاحب الوكالة النيابيّة، التصويت في الانتخابات الرئاسيّة لرئيس جدّي يعيد الحق الطبيعي ‏لموقع رئاسة الجمهوريّة‎».‏

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى