رأي

أميركا..وهندسة الشعوب في الشرق الأوسط (نسيب حطيط)

 

 بقلم د. نسيب حطيط – الحوارنيوز

يستمر المشروع الأميركي-الصهيوني ، بعنوان “هندسة الشعوب” وكياناتها لولادة الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته “غونداليزا رايس” عام 2006، وأسقطته المقاومة اللبنانية، وأعاد بنيامين نتنياهو اعلان تغيير معالم الشرق الأوسط من بوابة  الربيع العربي والرد على طوفان الأقصى، حيث استطاع تحقيق نتائج ميدانية بارزة ، بعد إنزال ضربات قاسية بحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والضربة الإستراتيجية ضد محور المقاومة بإسقاط سوريا المقاومة وإستبدالها بسوريا التكفيرية.

تعتمد أميركا في مشروع “هندسة الشعوب” على الحروب الإسرائيلية المتنقلة والفتن الطائفية والحصار وتجزئة الكتل الكبرى على مستوى الأمة العربية والإسلامية وتثبيت شعار “الوطن أولاً” وفك الإرتباط بالجماعة ومنع وحدة الموقف ، لإحداث عمليات تهجير ديموغرافي للأقليات والجماعات الإثنية داخل الدولة او بين الدول، وتجميع الأقليات داخل جغرافيا نقيّة مذهبياً او قومياً ،لصناعة دويلات جديدة او فيدراليات ،كنسخة متطورةعن “إتفاقية سايكس- بيكو ” وفق الآتي:

– الدولة الكردية التي تجمع أكراد( العراق سوريا وتركيا وإيران) لجعلها قاعدة أميركية  تختلف قومياً مع الدول الأربع، وتستطيع أميركا من خلالها مشاغلة هذه الدول حتى لا تبقى إسرائيل نقطة الإرتكاز الأميركية الوحيدة في المنطقة، مع إمكانية تعميم تجربة إقليم كردستان في العراق وتأسيس أقاليم مستقلة داخل الدول ،ما يضمن لأميركا والأكراد الشراكة في القرار السياسي والمالي للدول الأربع.

–  الدولة الدرزية في مثلث الحدود المشتركة  (لبنان سوريا فلسطين) والتي يساعد في تأسيسها  الديموغرافيا الدرزية ضمن الدول الثلاث، وتجميعها في دويلة واحدة  تضمن لإسرائيل مصالحها وحل الخلاف الجغرافي  بين سوريا وإسرائيل ( الجولان والجنوب السوري) وبين لبنان وإسرائيل (شبعا وكفرشوبا)، وينقل القرار الدرزي من  المختارة في لبنان  الى الدولة الدرزية، مع إمكانية تهجير دروز الجبل ، لصالح الديموغرافيا المسيحية لتوسعة الغيتو المسيحي او لصالح الجماعات التكفيرية .

–  دولة “إسرائيل الكبرى” من النيل الى الفرات عبر تهجير غزة  ، كخطوة أولى  في مشروع “هندسة الشعوب” والتغيير الديموغرافي، وفي حال نجح مشروع التهجير ،سيليه تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية الى الأردن  وإلغاء الهوية الفلسطينية وحل الدولتين وإقفال ملف القضية الفلسطينيه،لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي الذي انتهى عملياً ولم يبق إلا حركات المقاومة المُنهكة والمُحاصرة.

– دولة لبنان الصغير من خلال إعادة تصغير لبنان وفق المشروع الإسرائيلي التأسيسي، وفي رسائل “بن غوريون” الى  مؤتمر الصلح في “فرساي” عام 1919 والذي طالب بأن تكون حدود إسرائيل(التي يتم التخطيط لتأسيسها) حتى حدود الزهراني او الأولي صعوداً الى جبل الشيخ ،لتأمين المياه لدولة إسرائيل (قبل ولادة المقاومة في لبنان) ومحاولة تهجير الشيعة في الجنوب الى العراق في عهد الرئيس بشارة الخوري.

يتقدّم المشروع الأميركي-الصهيوني بشكل متسارع مع النوم العميق للأمة وشعوبها، والتي لن تكون الدول المتآمرة على القضية الفلسطينية وحركات المقاومة بمأمن من تداعياتها، سواء تركيا وتغيير نظامها بعد انجاز مهامه الأميركية-الإسرائيلية، وكذلك دول الخليج التي سَيُفرض عليها تجنيس العمال الاجانب وإسقاط الخليج بقبضة أميركا شعوباً وأنظمة وثروات. 

المشكلة أن ضحايا المشروع الأميركي “لهندسة الشعوب” وإعادة توزيعها على كيانات جديدة ،يتلّهون بالتفاصيل الجزئية الهامشية من الخلاف على الحدود بين الأشقاء حتى لو كانت صحراوية، او على حصرية القرار والتمثيل او الإنتخابات البلدية او النيابية وشكل الدوائر والتي مهما كانت فإن قرار المجالس النيابية  او الوزارية والتعيينات ، سيكون باليد الأميركية.

لا بد من رفع مستوى المواجهة بالتخطيط الإستراتيجي ووحدة الموقف والمقاومة الشاملة غير المذهبية او المناطقية او الطائفية على المستوى الوطني والقومي ، بدل الإنشغال بقضايا سطحية وقشورية. وما يزال الوقت متاحاً لمواجهة المشروع الأميركي-الإسرائيلي وإفشاله وحماية مستقبل الأقليات والشعوب وتثبيت حدود الدول، ومنع تأسيس “إسرائيل الكبرى” وإستحداث دويلات لحمايتها في المنطقة.

قد يستغرب البعض إمكان تحقيق هذا المشروع ، لكن الوقائع تُظهر تحقيق خطوات عملية كبرى منه ،بعد إبادة غزة وإسقاط سوريا ومحاولة فرض التطبيع على لبنان ومذابح العلويين في سوريا ، والإحتماء الدرزي باسرائيل من الجماعات التكفيرية والفوضى التركية القادمة واقاليم الاكراد التي تتزايد،كل ذلك يؤكد ان المشروع قد بدأ يحقق أهدافه ويسير بخطى ثابتة  ولا يمكن إسقاطه ،إلا بمقاومة شاملة على مستوى الأمة والإبتعاد عن استراتيجية الحرب ب”المفرّق” لقوى المقاومة .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى