منوعات

قيمة الإنسان بذاته لا بمهنته: ثلثا المراهقين السويسريين يتّجهون للتعليم المهني


في الوقت الذي يتسابق المراهقون اللبنانيون ومن ورائهم الأهل، على خطب ودّ التعليم العام، والولوج إلى الجامعة، يتّخذ المراهقون السويسريون قرارهم بمتابعة تعلّمهم المهني أو الأكاديمي في الرابعة عشرة من عمرهم، وهم مجبرون على ذلك، غير مخيّرين، لكنّهم لا يباشرون متابعة التعلّم إلا بعيد إنهائهم مرحلة التعليم الأساسي، ويكونون قد بلغوا الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة من عمرهم.
ومؤخرا، كان على حوالي 85 ألف مراهقة في سويسرا اتخاذ قرار بشأن التدريب الذي عليهم القيام به في السنوات المقبلة تحضيرا لمهنة المستقبل. وكشف آخر مسح أجري بهذا الشأن، وكما كان الحال دائما، عن اختلافات كبيرة بين اختيارات الجنسيْن.
وبحسب "مؤشّر الانتقال" الذي نشرته "أمانة الدولة للتعليم والبحوث والابتكار"، فإنّ قرابة ثلثي التلاميذ اختاروا التعليم المهني، والثلث الباقي اختار متابعة التعليم العام، وهذه النسبة تفوق بكثير ما هو موجود في بلدان أخرى متقدّمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث يميل التلاميذ إلى تفضيل التعليم الجامعي الأكاديمي.
ويستعد التلاميذ لهذا الاختيار الصعب من خلال طلب النصح من المستشارين المهنيين، ومن خلال قيامهم بفترات التدريب المؤقتة التي تمتد لبضعة أيام، أو من خلال التحدّث إلى الأولياء والأصدقاء.
وكان عدد الفتيات اللواتي اخترن المسار الأكاديمي (45%) أكثر من نسبة الذكور (29%) كما كانت المدارس الثانوية الأكاديمية أكثر شعبية في الكانتونات الناطقة بالفرنسية والناطقة بالإيطالية في سويسرا مقارنة بالكانتونات الناطقة بالألمانية.
يظهر مؤشّر الانتقال للمراهقينت الذين اختاروا التعليم المهني اختلافًا في الخيارات الوظائفية بين الذكور والإناث، ففي حين احتلت الأولوية لدى الذكور، مهن الوظيفة التجارية، وتكنولوجيا المعلومات، والكهرباء والميكانيك، والتقني متعدّد الاختصاصات، وبائع التجزئة، والصائغ والطبّاخ، فإنّ مهن الوظيفة التجارية، والمساعدة في مجال الرعاية الطبيّة، وبائعة التجزئة، والعمل في مجال الرعاية الاجتماعية، وصياغة الجواهر، هي من احتلت الأولوية لدى الإناث.
كما يظهر المؤشّر، أن المراهقين والمراهقات، يختارون مهنا معيّنة، ما يؤدي إلى نقص في تمثيل الفتيات في الوظائف ذات العلاقة بالعلوم والتكنولوجيا، وهو أمر لطالما كان محل نقاش في سويسرا في السنوات الأخيرة. وتوصلت العديد من الدراسات إلى أن قرارات الفتيات يمكن أن تتأثّر بالرغبة في الجمع بين العمل ومتطلبات الأسرة في وقت لاحق، لذلك هن يخترن الوظائف التي تسمح لهن بدوام جزئي، ويرجع هذا أيضا لاستمرار بعض التصوّرات القديمة حول وظيفة "الأنثى" ووظيفة "الذكر".
إنّ الفروقات واسعة بين عالمنا النامي، ومنه لبنان، وبين العالم المتقدّم، ومنه سويسرا، وفي الوقت الذي يتراكض فيه اللبنانيين نحو التعليم الأكاديمي، ومنه التوسّل إلى مهن تضفي هيبة مجتمعية (Prestige) على ممتهنيها، ومن وراءهم أهلهم، نجد أنّ العالم المتقدّم لا يعير أهمّية للمهنة، إلا بقدر ما تعين الفرد على الاستمرار في الحياة، وتأمين حياة كريمة له، وأمّا الهيبة الاجتماعية، فقد طواها زمنهم، وأحلوا مكانها قيمة الفرد بحدّ ذاته بعيدا عن المهنة والسيّارة والفيلا وتوابعها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى