دولياترأيسياسة

حرب الناتو – روسيا: هل تعجّل في فناء الغرب المتوحش؟(أكرم بزي)

كتب أكرم بزي

يقول باتريك بوكانن (مستشار سابق لثلاثة رؤساء أميركيين) في كتابه “فناء الغرب”: “إن الغرب يتجه إلى مرحلة الموت الكامل، وهي تسير على مرحلتين: الأولى موت أخلاقي بسبب دعم المظاهر غير الأخلاقية والشذوذ الجنسي”، والثانية موت ديموغرافي وبيولوجي “النقص السكاني بالموت الطبيعي”.

 ويضيف أن الموت المقبل مريع ومخيف لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا وأفكارنا، وليس بسبب خارجي. فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب، وهذه المشكلة ستحول أوروبا إلى قارة العجائز، فانتحار المراهقين الأميركيين يرتفع 3 أضعاف على ما كان عليه في العام 1960، وعدد مدمني المخدرات بلغ أكثر من 6 ملايين أميركي، وفي إحصاءات رسمية غربية استند عليها يضيف بوكانن أن 17 بلداً أوروبيا تقام فيها جنازات الدفن أكثر من احتفالات الولادة، فهناك يوجد تدمير تدريجي لمفهوم الأسرة، من خلال القبول بالعلاقات الشاذة بين أبناء الجنس الواحد، وتراجع رغبة الشباب في الإقدام على الزواج. فالثقافة التي انتجت الحضارة الغربية كما هو مفهوم تقليدياً هي في أوج موتها في أميركا والتي لن تكون دولة غربية بحلول عام 2050، والغرب ينقرض بسبب جفاف خصوبته، كما غدا الجنس والمال والسلطة هو كل ما تبحث عنه أميركا”.

أما الاقتصادي الأميركي جيفري ساكس فيقول خلال مشاركته في منتدى أثينا للديمقراطية، “إن المجتمع الأميركي “شبه ديموقراطي” يهيمن فيه الأبيض على الأسود، وهو مجتمع هرمي يسعى للحفاظ على امتيازات وسيطرة النخبة، وهكذا تأسست اميركا في العام 1787، عندما تمت عملية إبادة جماعية للأميركيين الأصليين “الهنود الحمر”، من اجل الثقافة البيضاء، ومن العجيب والمدهش إنه ما يزال كذلك، مع أننا اصبحنا أكثر تنوعاً. ويقول عن أميركا أنها أكثر الدول الوحشية في العالم أجمع، وعن بريطانيا العظمى: “من الممكن أن تكونوا ديموقراطيين في الداخل، وإمبرياليين قساة من الخارج”، وأعنف دولة في العالم منذ العام 1950، هي الولايات المتحدة الأميركية”.

هذان نموذجان أميركيان وعلى قاعدة (شهد شاهد من أهله)، يتحدثان عن فناء الغرب الأميركي والأوروبي، إن كان عبر تدني المستوى الأخلاقي وتسيير المجتمعات الغربية نحو الإنصياع الكامل للمال (الرأسمال)، أو إن كان عن تدمير الغرب الأوروبي.

فما نشهده اليوم من تداعيات في الاقتصاد الأوروبي نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية،  يكاد يكون غير مسبوق إذ بلغت الخسائر حوالي 2.5 تريليون دولار بحسب الخبراء الغربيين، ناهيك عن الخسائر البشرية والبيئية، وما ستخلفه ويلات ومآسي، ما لم تتطور الحرب إلى “نووية” أو عالمية ثالثة، تكاد أسبابها تنضج، من خلال التصعيد الأميركي المتتالي، ودفع الأوروبيين لتسليح أوكرانيا والمشاركة الفعلية في هذه الحرب.

يقول يوهان كالتونغ (المؤسس الرئيسي لمعهد بحوث السلام _ أوسلو في عام 1959 وعمل كأول مدير له حتى عام 1970) ، عن “الفاشية الهيكلية” في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، والتي تجعل الحرب وسيلة لتأمين المواد والأسواق: “يسمى هذا النظام الاقتصادي “الرأسمالية”. وعندما تنتشر بهذه الطريقة في بلدان أخرى، يطلق عليها “الإمبريالية””. وقال: إن الولايات المتحدة “دولة قاتلة” ومذنبة “بسبب إرهاب الدولة”.

جورج غالوي، النائب البريطاني السابق، قال في حديث على قناته في “التيك توك”: “إن المخابرات الروسية التقطت رسالة نصية أرسلت إلى وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بعد دقيقة من الإنفجار من رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس تقول فيها: ” المهمة انتهت”، ولم يكن أشيع النبأ بعد! ويقول غالوي: أن ” بريطانيا فجرت خط أنابيب نورد ستريم2، وهاجمت قاعدة الأسطول العسكري البحري الروسي في البحر الأسود، وبريطانيا شاركت في الهجوم على جسر القرم، ويضيف غالوي أن غباء تراس دفعها الى تقديم معلومات بغاية الحساسية والسرية عن الهجوم الإرهابي الذي قامت وشاركت به بريطانيا”. (شواهد اوروبية).

 تخاطر أوروبا بخسارة كل شيء من حيث تعتقد أنها يمكن أن تربح كل شيء. هكذا قالت مجلة “لوبوان”  الفرنسية  إن العالم يميل نحو الشرق، وستحكمه آسيا “الاستبدادية” غدا أو بعد غد، ولن يكون أمام الغرب سوى التكيف، خاصة أن الأزمة الحالية أدت إلى ظهور قطبين متعارضين، هما الولايات المتحدة التي لا تزال سيدة الغرب المنحل، وآسيا التي يجسدها محور موسكو بكين الذي أصبح أقوى”.

 

وأوضحت المجلة – في مقال للباحث والخبير السياسي الفرنسي سيباستيان بوسوا – أن هناك ما يشبه الإنكار الانتحاري لدى الغرب منذ سنوات، وذلك لرفضه الاعتراف بأن العالم قد تحول بالفعل إلى الشرق، خاصة أنه يلعب على انهيار الغرب الذي فقد إغراءه وقيمه الديمقراطية، وينوي إنهاء هيمنته، في عملية انتهازية يتجلى فيها منطق التاريخ.

“وبعد أن تمتع الغربيون لقرون بقيادة عالمية وأنتجوا أدواتهم الخاصة للشرعية والتنظيم الدوليين من خلال التعددية التي أصبحت الآن تتعثر، فإن إعادة بناء كل شيء، وإشراك العديد من القوى الجديدة، لم يكن قد فات أوانه بعد -كما يقول الكاتب- ولكن هيمنة الدولار في التجارة الدولية تجعل الغرب يقاوم، حتى لو تم تحدي هذه الهيمنة بشكل خطير من قبل موسكو وبكين وتوابعهما الاقتصاديين”.

 وهناك في الناحية الأخرى -كما يقول الكاتب- الصين والهند وجزء كبير من أفريقيا وبعض دول آسيا الوسطى متأثرة بالكرملين، مما يعني أن روسيا، مهما ظننا، يعشقها بصمت ملايين الأفراد الذين لم يعودوا يقبلون بالأبوة الغربية، ولقد وصلنا إلى نقطة تحول تاريخية، حيث يُنظر إلى “تضحية” روسيا على أنها ممر لا مفر منه وتطهير أساسي، لظهور “عالم جديد” ولن يكون أمام الغرب، وخاصة أوروبا، خيار للبقاء سوى التصالح مع هذا العالم الجديد الذي يخيفنا كثيرا”.

لطالما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إذا تعرض الأمن القومي الروسي للخطر فسنستعمل كل الوسائل المتاحة للدفاع عن أنفسنا”، فروسيا القوة النووية الأولى في العالم مع مخزون بنحو 4500 رأس نووي وفق تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام SIPRI ، تمتلك أسلحة نووية “تكتيكية” أقل قوة من قنبلة هيروشيما”.

ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من ضغوط على العالم أجمع وخاصة أوروبا، قد تجبر الرئيس بوتين على القيام بخطوات غير متوقعة، وخارج حسابات الدائرة الامنية – العسكرية،  (الأميركية – الأوروبية)، فقد دخلنا مرحلة الشتاء الآن، والبرد بات داخل الأبواب، والشعب الأوروبي برمته يعاني من أزمة غذاء غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، أما أزمة البرد والثلوج، فستصبح قريباً المصيبة الكبرى لهم، فماذا ستكون النتائج، لا أحد يعلم، ولكن المؤشرات تدل على أننا دخلنا في الجزء الأصعب من الحرب والتوقعات باتت تكون قريبة جداّ، أما من المنتصر، فستكون لأصحاب الكتلة النقدية الأكبر في العالم، وهي الدولة العالمية العميقة التي تدير هذه اللعبة القذرة، والتي غالباً يدفع ثمنها الشعوب من كافة أجناسها.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى