رأي

نسأل الرئيس إيمانويل ماكرون: ما هو مستقبل فرنسا في لبنان؟(نسيم

 

د. نسيم الخوري – الحوار نيوز

 

أهدي هذا المقال أوّلاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. أستهله بسؤال غريب عجيب مُقيم منذ عامين فوق ألسنة لبنانيين :” متى تنتخبون رئيساً للبنان؟”.

1- يمكنني التفكير، بمشاريع الطموحات القارية التي طبعت تواريخ معظم بلدان البحر الأبيض المتوسط لا لبنان وحسب، وتستمرّ عبر شواطيء القارات الثلاث: افريقيا الغنيّة الملتهبة وآسيا الغامضة المتحيّرة وأوروبا المتأرجحة بين عظمتين من الشرق والغرب. قد يبدو مفيداً التلميح إلى أن الرهانات القديمة على بيزنطية والعثمانيين والغربيين، قد أورثت الأجيال الوفاء لنضالات أجدادهم ولو كانوا قد رافقوا الغرب عبر طلائع عصر النهضة نحو ثروات الشرق.

2- يخلط اللبنانيون كثيراً في مواقفهم من فرنسا  و”الفرانكوفونية” ويحشرونهما في خانتي “الأم الحنون والإستعمار” وما يلحق بهما من صفات متقابلة. يتظهّر الخلط مرتجلاً وكيديّاً إذ تنشب الأزمات والتجاذبات الطائفية على الصلاحيات والمناصب العليا في الجمهورية . وتتّسع الفجوة بين أنّ تكون فرنسا الجهة التاريخية التي أدمنت فكّ العقد، خصوصاً وأنّ المسيحيين ينظرون إليها بصفتها واضعة لمدماك الأساس للبنان، مقابل من يراها من القوى الناهضة بأنّها من البلدان المستعمرة التي خضع لها ويخضع لها لبنان.

3- ليست الفرانكوفونية استعماراً . هذا فيه ارتجال غير علمي في عصر العولمة مهما اختلف باحثون جذبتهم السياسات أكثر من العلوم والأبحاث في المجال. إنها تحديد ما للفضاء الجغرافي الثقافي الذي يجمع الناطقين بالفرنسية في العالم. تأسست سنة 1970 وتضمّ اليوم 88 دولة وحكومة 54 عضواً، و7 أعضاء منتسبين، و27 ملاحظاً ، كان في صلب مؤسسيها  4 رؤساء: الحبيب بورقيبة عن تونس، ليبوبولد سنغور عن السنغال، حماني ديوري عن النيجر ونورودوم سيهانواك عن كمبوديا. هكذا وقّعت 21 دولة بتاريخ 20 مارس 1970 اتّفاقية تأسيس “وكالة التعاون الثقافي والتربوي والبحثي” التي اتّخذت اسماً جديداً في ال 2007 هو “المنظّمة الدولية للفرانكوفونية” وتضمّ  88 دولة، توسعت صلاحياتها إلى ميادين السلم والديمقراطية والتنمية المستدامة والإقتصاد والتعايش والتنوع الثقافي والتغيرات المناخية ودعم الشباب والنساء.

4- أنا فرانكوفوني تخرّجت من السوربون وأختتمت بل قرّرت نهائيّاً اختتام حياتي الأكاديمية أستاذاً ومديراً لكلية الإعلام في لبنان، وأنا بصحة العقل والرشد في المعهد العالي للدكتوراه، لأسباب أكاديمية وسياسية وكارثية لبنانية بحتة. لن أكون مشرفاً أو مشاركاً ومناقشاَ لإطاريح الماستر أو الدكتوراه.أختتمها بعد إشرافي الأخير لسنوات خمس على أبحاث الطالبة حياة عون في الفرانكوفونية ماضيها وحاضرها ومستقبلها حيث تقفّينا معاً ملامحها وآثارها السياسية والثقافية وأشكالها التاريخية بعد مئة سنة وأبرزت الطالبة موقع فرنسا الهابط في لبنان وخصوصاً منذ عامين ولفرنسا مبعوثون وسفراء واتصالات أمام استحالة فكّ عقدة انتخاب رئيس جديد للجمهورية المقطوعة الرأس المربكة بالمفارقات والمفاجآت والمبعوثين والسفراء. وللمصادفة الجميلة، يمكن الإشارة إلى أنّ الرئيس الفرنسي قد تلقى رسائل تخص موضوع الأطروحة ومستقبل هذه الفرانكوفونية.

تمّت مناقشة الأطروحة وكان الرئيس الفرنسي للمصادفة يبحث في الوقت نفسه مع البطريرك بشارة الراعي في الإليزيه (29 مايو 2023) عن رئيس للبنان لم يصل بعد، تزامناً مع تخريجنا للدكتورة حياة بدرجة جيّد جدّاً. وهنا تحضرني إشارات جديدة:

5- وقعت الأطروحة في زمنٍ كان اللبنانيون وما زالوا، يحلفون ويحتفلون ويختلفون ويلتحفون ويلفحون العالم بمشاكلهم، ويفلحون تاريخهم الماضي والمعاصر ويبذرون مشاكلهم في جهات الأرض متنازعين متباعدين على تصفية الماضي وتنقية المستقبل. ليس الهدف الأسمى في نهضة الأوطان ورخائها الأخذ فقط بالتوصيات والجهود الجبارة لقيادة البطريرك الحويك ولآباء القضية اللبنانية كمعيار للتقويم بتحديد لبنان الكبير وتقديم المذكرات وترأّس الوفود قبل 100 سنة ونيّف من قيام لبنان بل باحترام المتغيرات الماثلة للعيان.

6 – أستعيد الآن صورة الرئيس الفرنسي جاك شيراك يُلقي خطاباً أمام البرلمان اللبناني في 17 اكتوبر 2002 قبل قمّة الدول الناطقة بالفرنسية في بيروت وعددها 55 آنذاك. كانت الوزارة قد أُعدّت برئاسة الشهيد رفيق الحريري مسودّتي البيان الختامي وإعلان بيروت، ومن أهمّ ما علق بذهني من خطاب شيراك قوله أمام البرلمان اللبناني: ” باتت اللغة الإنكليزية لغة العصر مع تراجع الفرنسية في العالم”. كان همّ شيراك الواضح، البحث مع المسؤولين الأفارقة المشاركين بالقمة في ما يتجاوز القارة السوداء وتركيز اهتمامه باللبنانيين المهاجرين من جنوبي لبنان أصحاب اللكنة الفرنسية الخاصّة والهمّ الأكبر تدفّق ثرواتهم لإنماء الجنوب لإعماره والنهوض به توخيّاً للسلام .

7 – لا بدّ من إيراد الرواية الطريفة حول ما يُعرف بال Signal بمعنى “الإشارة”  التي كانت تُفرض وما زالت ربّما على ألسنة طلاّب المدارس وعقولهم عند خروجهم من قاعات الدراسة إلى الملاعب المدرسية الخاصة وحتّى الرسمية منها. كان يُحظّر عليهم التكلّم أو التحادث بالعربية الأمر الذي يكون قصاصه فوراً حمل تلك الإشارة، وهي كناية عن قطعة خشبية لها شكل ال S باللاتينية يزدريها الرفاق ويؤشّرون بها باحتقار إلى  أقرانهم الذين نطقوا بالعربية لا بالفرنسية حصراً أثناء دراستهم.

8- يفترض الواقع االراهن الإبتعاد العقلاني عن ملكية الظروف والأسس والقيم التي وضعها آباء القضية اللبنانية بعدما عادت أشباح الجوع والأمراض والشروخ المذهبية، تخيّم على مكونات لبنان وتهديمه في ما يتجاوز الفرانكوفونية  نحو الإنقاذ الداخلي وردم الحفر المشتعلة التي سبق وأسماها الرئيس السابق ميشال عون بالجحيم قبل مغادرته قصر بعبدا حيث الفراغ والجمهورية المقطوعة الرأس بانتظار الثنائيات والثلاثيات والخماسيات من موفدي الدول، وفي رأسها فرنسا بحثاً عن رئيس لهذا البلد المتنوع والمتعدد الإتجاهات واللغات والخلافات، سيّما وأنّ الحضور اللبناني المتنوع بات عالمي الصيت ويتجاوز التشابكات الداخلية نحو الحيوية Vitalite الوطنية الملموسة في العالم، بعدما تصدّعت حصون التمايز والسيطرة والتماهيات والإستقواء بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل.

*باحث وأستاذ جامعي.عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات البرلمانية في لبنان

 

 

 

 

 

.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى