كتب حلمي موسى من غزة:
شارك رئيس الموساد ديدي بارنيع الذي ترأس وفد إسرائيل إلى محادثات الدوحة، في أول اجتماع يعقد منذ فشل الاتصالات السابقة للتوصل إلى هدنة وتبادل للأسرى. وقد عاد بارنيع إلى إسرائيل بعد أن ترك خلفه وفدا فنيا لمواصلة الاتصالات، وسيدير المفاوضات عن بعد من تل ابيب.
وفيما يرى البعض في ذلك تلميحا إلى ضعف الرغبة في التوصل إلى اتفاق، يرى آخرون أن ذلك ربما يمثل ورقة ضغط على حكومة الحرب لاتخاذ قرارات بشكل أسرع. ومن الجائز أن عقد اجتماع ليلة أمس لكابينت الحرب بحضور بارنيع يشهد على أن هناك تطورات رغم التعتيم الإعلامي على مجريات ما دار في اجتماع مساء الاثنين.
وعند وصول الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة، وهو أمر بحد ذاته كانت هناك قوى إسرائيلية نافذة تحاول منع حدوثه، نقلت يديعوت أحرنوت عن مصدر أمريكي قوله: “نحن نضغط، وهذه المرة لن نقبل كلمة “لا”. وربما أن استخدام تعبير عدم القبول بكلمة “لا” يتضمن ردا مباشرا على نتنياهو الذي اتهم مسؤولين اسرائيليين بالتعاون مع امريكا ضده، وانهم لا يستطيعون قول كلمة “لا” لامريكا. وقدر مصدر رفيع المستوى في الإدارة الامريكية امس بان الطرفين سينجحان في الوصول في نهاية الامر الى صفقة لتبادل الأسرى ووقف النار. وأضاف : “الان كل الأطراف، بمن فيهم إسرائيل، حماس، قطر ومصر يشعرون بالضغط الأمريكي الشديد. لن نقبل “لا”.
وكانت مفاوضات مكثفة قد بدأت مساء الاثنين بين الوسطاء القطريين والمصريين وبين الوفد الإسرائيلي، الذي يضم عدا بارنيع، الجنرال نيتسان ألون ممثلا للجيش ونائب رئيس الشاباك وطواقم فنية من الجيش والموساد والشاباك. ويتمتع الوفد الإسرائيلي بتفويض تصارعت أجنحة حكومة نتنياهو عليه، بين راغب في توسيعه ومصر على تضييقه، من دون أن يعرف أحد حدوده. ولكن مسؤولا إسرائيليا قال إن التفويض كاف للتقدم واختبار مدى جدية حماس في التوصل إلى اتفاق.
ونشرت يديعوت نوعا من التوصيف للتفويض يقول إن بارنيع يرى فيه نصف الكأس الممتلئ ،فيما الجنرال نيتسان ألون كان مستاء من حدود التفويض وتردد في قبول الذهاب إلى الدوحة معتبرا أن في ذلك تفويتا لفرصة. وتحدثت مصادر إسرائيلية عن أن نموذج التفاوض مع حماس سيقوم على تواجد الوفد الإسرائيلي على مسافة غير بعيدة عن مكان تواجد وفد حماس، فيما يتنقل الوسيط القطري والمصري بينهما لنقل الاقتراحات والتجسير على الفجوات. ومن المقرر أن يكون بارنيع والجنرال ألون قد عرضا مساء أمس تحديثا إلى مجلس الحرب . عموما وبالفعل، بدأت المفاوضات رسمياً أمس الأول، ومن المتوقع أن تكون طويلة وصعبة.
وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري عن “تفاؤل حذر”، لكنه أكد: “لسنا قريبين من اتفاق لوقف إطلاق النار”، وأن “المفاوضات استؤنفت على كافة المسارات”. وقال إن “الهدف الرئيسي التالي للمفاوضات هو إرسال اقتراح مضاد إلى حماس”، وذلك بعد أن قدمت حماس اقتراحها في وقت متأخر إلى حد كبير. وأضاف: “اجتماع الأمس كان لتبادل المراسلات بين الطرفين وتضمن رد إسرائيل على رد حماس. ما زلنا في إطار تبادل المقترحات. ليس لدينا سقف زمني للمفاوضات”.
وكان نتنياهو قد أعرب في لقائه لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بعد ظهر أمس عن رأيه في مفاوضات تبادل الأسرى وشرح بالتفصيل كيف ينبغي، في رأيه، إجراء المفاوضات مع حماس”. وقال نتنياهو: “عليك أن تكون صارما في المفاوضات. لا يمكنك إعطاء كل شيء بشكل صحيح في البداية لأن العدو سيريد المزيد”. وأضاف: “لا أعتقد أنه كانت هناك حكومة تعرضت لمثل هذه المعضلات على الإطلاق”.
وفي نهاية الحديث عن الموضوع، قال نتنياهو إنه ملتزم بالإفراج عن الأسرى، لكنه “لا يستطيع القول ما إذا كان قد تم تحقيق ذلك أم لا”.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنه على خلفية اجتماع كابنيت الحرب الذي عقد مساء أمس أوضح الوسطاء المشاركون في المفاوضات بين إسرائيل وحماس لـ “وول ستريت جورنال” أن إسرائيل ترى في المفاوضات، ليس فقط الرغبة في إطلاق سراح المختطفين المحتجزين لدى حماس، بل أيضًا تأكيد بأن النظام العسكري الذي سيتم تجديده بعد وقف إطلاق النار يهدف إلى سحق حماس مرة واحدة وإلى الأبد. وفي المقابل، ترى حماس أن بقاءها أمام أعينها، حيث يحاول قادتها استعادة السيطرة المدنية على شمال قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، أصبحت المفاوضات أولوية قصوى لإدارة بايدن التي تتوسط بين الطرفين. حتى أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن صرح بأنه سيأتي إلى السعودية ومصر هذا الأسبوع، على أمل دفع الطرفين للتوصل إلى اتفاق ووقف لإطلاق النار، رغم تصلب المواقف. ووصف مسؤولون مطلعون على تفاصيل المحادثات بأنها فرصة أخيرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لمنع إسرائيل من غزو رفح، آخر معقل لحماس في قطاع غزة.
نقطة الخلاف الأخرى هي أن حماس تريد أن تختار بنفسها السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم كجزء من الصفقة، الأمر الذي قد يجعل الصفقة “مستحيلة” بالنسبة لكابينت الحرب. ويتشدد وزراء ائتلاف نتنياهو في موقفهم عندما هددوا عدة مرات بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو، لمعارضتهم إطلاق سراح من يصفونهم ب”الإرهابيين الملطخة أيديهم بالدماء”، وعلى رأس القائمة مروان البرغوثي المسجون في إسرائيل منذ عام 2002 والذي يعتبر رمزا في نظر الفلسطينيين.
عموما كان واضحا في تقارير يديعوت أنه بعد أيام طويلة من الانتظار، يسود التشاؤم في إسرائيل بشأن فرص تحقيق انفراج سريع. وخلافاً للوفد الذي ذهب إلى باريس الشهر الماضي ، حيث تم وضع الخطوط العريضة بين إسرائيل والوسطاء التي تشكل أساس الاتصالات، فإن رئيس الشاباك رونين بار لم ينضم هذه المرة إلى الرحلة.
وحسب يديعوت تركز المحادثات على الخطوط العريضة التي رسمتها قمة باريس الثانية، والتي سيتفق بموجبها الطرفان على هدنة مؤقتة تستمر لنحو ستة أسابيع، يتم خلالها الافراج عن نحو 40 محتجزا من نساء وأطفال وبالغين. سيتم إطلاق سراحهم (من أصل 134 محتجزاً، و35 منهم على الأقل ليسوا على قيد الحياة). وذلك مقابل إطلاق سراح الأسرى الأمنيين وإجراء تغييرات على ما يحدث في قطاع غزة.
ويذكر أن إسرائيل رفضت في بداية هذا الشهر إرسال ممثلين عنها إلى المحادثات التي كان من المقرر إجراؤها في القاهرة – بعد أن لم تقدم حماس سوى إجابة جزئية في ذلك الوقت . والآن قدمت حماس إجابة جديدة ، حيث وفقا لما جاء في تقرير “نيويورك تايمز” مساء أمس، فإن حماس رضخت ولم تعد تطالب باتفاق مسبق على وقف كامل لإطلاق النار. وتطالب في ردها، بحسب التقارير، بإطلاق سراح 800 أسير فلسطيني في المرحلة الأولى مقابل 40 محتجزا: خمس مجندات، وسبع نساء، و15 رجلاً مسناً، و13 شاباً مصاباً ومريضاً.
ومن أركان الخلاف المتوقعة مطالبة حماس بتحديد هوية 150 سجيناً “ثقيلاً” بينهم محكوم عليهم بالسجن المؤبد، وهو ما تطالب به مقابل إطلاق سراح خمس مجندات. أحد الخيارات المطروحة هو اعتماد “نموذج الحاكم”، بحيث يكون لإسرائيل حق النقض على الأسماء التي تطرحها حماس. وخوفا من أن يؤدي ذلك إلى تأخير، فإن الفكرة هي أن الأسماء سيتم الانتهاء منها في غضون أيام قليلة خلال المحادثات القريبة، وليس من خلال تبادل الأوراق الذي سيستغرق أسابيع – إن لم يكن أشهر. وتصر إسرائيل على ترحيل المحكومين الثقيلين إلى الخارج، بينما تصر حماس على عودتهم إلى ديارهم.
وهناك نقاش مهم آخر سيكون حول مسألة عودة السكان إلى شمال غزة. تطالب حماس بالعودة الكاملة وإلغاء الممر الخاضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي والذي يقطع القطاع. وتعارض إسرائيل ذلك بشدة، وتدعي أن المعنى هو عودة شمال القطاع إلى سيطرة حماس. وإسرائيل مستعدة للعودة التدريجية للقطاع.
