التلوث يهدد القلوب ..أيضا!
أيّها اللّبنانيون انتبهوا..
1-مقدمة: تؤدي الأمراض التي تسببها التلوث الى وفاة حوالي 9ملايين شخص كل عام حسب ما أفاد تقرير جديد نشر في عام 2015 في دورية "لانسيت"الطبية الذي أشار أيضا" الى انّ جميع حالات الوفاة تقريبا" وقعت في دول ذات دخل منخفض أو متوسط,حيث كان التلوث مسؤولا" عن نحو 25% من الحالات ,وأنّ بنغلادش والصومال كانتا الأكثر تدهورا" وحيث سجلت دولة بروناي والسويد أقل معدلات حالات الوفاة المرتبطة بالتلوث.
وتشير تقارير أخرى الى انّ تلوث الهواء بالغازات والجسيمات المختلفة الموجودة في الأماكن المفتوحة او الهواء الموجود داخل المباني الملوث نتيجة حرق الوقود والفحم والحطب كان السبب في وفاة 6.5 مليون شخص بشكل مبكر.وكان تلوث المياه هو ثاني اكبر عامل للخطورة,اذ أنّه كان مسؤولا" عن وفاة 1.8 مليون شخص.بينما كان التلوث في أماكن العمل سببا" في وفاة 800 ألف شخص في شتّى أنحاء العالم.وأورد التقرير المذكور انّ نحو 92% من حالات الوفيات هذه وقعت في الدول الأكثر فقرا".وتركز التأثير الاكبر في أماكن تشهد تنمية اقتصادية سريعة مثل الهند التي سجلت خامس أكبر معدلات الوفاة جراء التلوث,والصين التي جاءت في المرتبة 16.كذلك ولا تقتصر ظاهرة التلوث على الدول النامية بل أنها تطال ايضا" معظم المدن الكبرى في شتّى أنحاء العالم بحيث ذكرت الوكالة الاوروبية للبيئة مثلا" بأنّ حوالي 9 على 10 من المدن الأوروبية تتنفس هواءا" ملوثا" يعتبر خطيرا" على صحة الانسان,مع ذلك تتلقّى المشاكل الصحّيّة الناتجة عن التلوث جزءا" ضئيلا" للغاية من الاهتمام من قبل المجتمع الدّولي والحكومات والوزارات والأجهزة مختصّة التي يجب أن تهتم أكثر بهذه المشكلة الصحية,خاصّة" في دول العالم الثالث، أو الدول النامية التي تشهد نموا" سريعا" مثل الصين والهند وغيرها من دول آسيا وأميركا الجنوبية.
وفي لبنان لا توجد معطيات أو دراسات دقيقة حول تأثيرات التلوث وعلاقته بالتّسبّب بعدد كبير من الأمراض,لكنّ الأصوات ارتفعت منذ فترة وسلّطت الأضواء بشكل كبير على أهميّة التلوث في الارتفاع المهول بنسبة اصابة اللبنانيين بأنواع مختلفة من السرطانات.وقد سمعنا تحذيرات كبيرة من مخاطر أن يكون التلوث في التربة وفي الهواء والمياه له دور كبير في الزيادة المهولة لعدد السرطانات بأنواعها عند مختلف شرائح الشعب اللبناني.وقد نجد من الطبيعي ألتطرّق الى أهمية ارتباط التلوث بالمشاكل الرئويّة المتعدّدة من التهابات رئويّة حادّة وسرطانات رئويّة ومرض الانسداد الرئوي المزمن.ولم نسمع أحدا" يتكلّم في لبنان عن أهميّة الدّور الذي يلعبه التلوث في التسبب بزيادة أمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية وتفاقم حالة المرضى الذين يعانون من هذه الأمراض ،عند تعرضهم لتلوّث حاد أو عند عيشهم وترعرعهم قي بيئة ملوّثة على كل الأصعدة أرضا" وجوّا" وبحرا" وأنهارا" .ولذلك ارتأينا كتابة هذه المقالة للتحذير من مخاطر التلوث على جهاز القلب والأوعية الدموية خاصة" وأنّ الدراسات التي أظهرت في السنوات العشر الأخيرة تؤكّد وتشدّد على أهميّة الحذر من هذه الظاهرة الخطيرة.
2- بعض الاحصاءات والمعطيات الدوليّة:
في تقرير صادر عن منظمة الصّحة العالميّة أنّ تلوّث الهواء المحيط بنا يؤدي كل سنة الى 4,7 مليون حالة وفيات مبكرة أي في سن ال60 سنة أو ما قبل ذلك.والهند والصين هما الدولتان الأكثر تأثرا" بهذه الظاهرة بسبب التطور الصناعي السّريع الذي تشهده اقتصادات هاتين الدولتين في السنوات الأخيرة.لكن ذلك لا يعني أنّ هذه الظاهرة تطال فقط الدول التي تشهد تحولات صناعية كبيرة,فالتلوث الناتج عن ازدحام السير ودخان عوادم السيارات وعوامل مناخية مختلفة يصيب مختلف المدن الكبرى في أميركا وأوروبا وكل دول العالم الأخرى,ومع أنّ التقارير تشير الى أنّ الهواء هو عامل خطر أساسي للوفيّات من أمراض رئويّة مختلفة(سرطانات رئويّة,التهابات رئوية حادة خاصّة" عند الأطفال,انسدادات رئوية مزمنة)الّا انّ نسبة هذه الأمراض الرئوية التي يسبّبها تلوّث الهواء لا تتعدّى ال 20% في مقابل زيادة رهيبة بأمراض القلب والشرايين التي تقدّر بحوالي 40% وزيادة أخرى بنسبة الجلطات الدّماغيّة تقدّر أيضا" بنسبة 40% ،أي أنّ نسبة الاصابات القلبيّة والدماغيّة التي يسببها التلوث الهوائي هي حوالي 80% من نسبة الأمراض الاجمالية التي يتسبّب بها.
وتظهر دراسات متعدّدة أنّ التّعرض لهواء ملوّث ولو لفترات قصيرة جدا" يزيد بشكل كبير من خطر الاصابة بالذبحات القلبية الحادّة والجلطات الدماغية والاضطرابات الخطيرة لضربات القلب، مثل حالات الرجفان الأذيني,كذلك يؤدي التلوث الى تدهور حالة المرضى المصابين بقصور في عضلة القلب.أمّا التعرّض المزمن للتلوث الهوائي فهو يؤدي الى تسارع تطور مرض القلب والشرايين التاجية للقلب وارتفاع الضغط الشرياني وزيادة مهمة في نسبة تخثر وتجلط الدم.وهذه العوامل الثلاثة تشكّل العامود الفقري الأساسي لزيادة مخاطر الاصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية للقلب وبالجلطات الدماغية.والمخيف في هذه الظاهرة أنّ مخاطر التلوّث على الانسان تبدأ حتى قبل الولادة بحيث أظهرت بعض الدراسات أنّ الاجنّة الذين يتعرضون لكميات كبيرة من الملوثات الهوائية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من الحمل تزداد عندهم امكانية ان يتعرضوا لخطر الاصابة بمرض ارتفاع الضغط الشرياني بنسبة 6% خلال مرحلة طفولتهم.
أخيرا",بشكل عام يمكننا أن نقول أنّ مخاطر التلوث الهوائي على جهاز القلب والأوعية الدمويّة تعادل مخاطر عوامل الخطورة الأخرى المعروفة لهذه الأمراض مثل التدخين والسكري وارتفاع الضغط الشرياني وارتفاع الذهنيات وقلّة الحركة وغيرها.
3- كيفية تأثير هذه الملوّثات:
تنبع مخاطر التلوث الهوائي من الحساسية المفرطة لجهاز القلب والأوعية الدمويّة على مختلف الغازات والجزيئات التي تأتي من مصادر من صنع الانسان أو من مصادر أخرى طبيعيّة مثل الاوزون,ثاني أوكسيد الكربون,أكاسيد النيتروجين,أكاسيد الكبريت, المركبات الهيدروكربونيّة والمركّبات المشعة.وتاتي هذه الجسيمات الصغيرة من عوادم السيارات والشاحنات ومحطات الطاقة والمصانع اضافة الى حرائق الغابات ومواقد الحطب وغيرها من مصادر تلوث الهواء,ويمكن تقسيم هذه الجزئيات التي تشمل الغبار والسّخام والأدخنة بحسب أحجامها لأنّ ذلك سوف يؤثر على امكانية وصولها الى أماكن أكثر عمقا" داخل الجسم.فالجزيئات التي يتراوح حجمها من5 الى 10 ميكرومتر تعلق في الأنف والبلعوم وتسبّب تحسّس هذه الاعضاء وتؤدي الى أعراض تشبه اعراض الحساسية (سعال,العطس,ازدياد افرازات الجيوب الأنفية,احمرار وتورم منطقة الأنف والحنجرة)أمّا الجزيئات التي يبلغ حجمها من 3 الى 5 ميكرومتر فهي تعلق في القصبة الهوائية وتسبب السعال وبعض ضيق النفس، كذلك الأمر بالنسبة للجزيئات التي يبلغ حجمها من 1 الى 3 ميكرومتر(متوسط2.5ميكرومتر) وهي تعرف بالجزيئات الدقيقة وهي الأكثر خطورة على جسم الانسان وهي المسببة الأولى لأمراض القلب والشرايين.
أما الجزيئات التي يبلغ حجمها 0.1 الى 1 ميكرومتر وتعرف بالجزيئات الدقيقة جدا" فهي تصل الى داخل السّنج، وهي أكياس هوائية متناهية في الصغر موجودة في أسفل الرئة.وقد تعبر بعد ذلك الى الأوعية الشريانية التي تحيط بها السنج.وتشير الدراسات التي نشرت مؤخرا" الى أنّ وصول هذه الجزيئات الصغيرة هو السبب الرئيسي في التسبب بأمراض القلب والشرايين، لأنّها لا تبقى فقط في هذه الأكياس الرئوية وتسرّب عبر الدم الى كافة الشرايين والأوعية الدموية حيث تؤدي الى التهابات مزمنة وخلل كبير في عمل البطانة الداخلية لهذه الشرايين والأوعية الدموية في القلب والدماغ وغيرها من الأعضاء، وهذا ما يشكل كما نعرف جميعا" الشرارة الأولى للتسبّب بمرض تصلب الشرايين,لأنّ هذه الشرايين والأوعية تتقلّص وتصبح أقل عرضة للتمدّد تحت تأثير مواد وهرمونات مختلفة في الجسم. هذه الجزيئات تؤدي أيضا" الى زيادة نسبة التخثر والتجلط في الدم ممّا قد يؤدي الى الحوادث والأعراض القلبية والدماغية أو قد يفاقم حالة المرضى المصابين بهذه الأمراض.كذلك تشير دراسات أخرى الى أنّ هذه الجزيئات الصغيرة تؤدي أيضا" بشكل غير مباشر الى تحفيز الجهاز العصبي الودّي ممّا يؤدي الى ارتفاع الضغط الشرياني وتسرع ضربات القلب وتبدّل في تركيب أنسجة عضلة القلب وجدار الشرايين، وهذا ما يؤدي بدوره الى زيادة الاضطرابات الخطيرة في ضربات القلب وحدوث قصور في عضلة القلب على المدى البعيد والى زيادة نسبة الجلطات الدماغية.
من ناحية ثانية أظهرت دراسات أخرى أنّ التعرّض المزمن لهذه الجزيئات الصغيرة يؤدي الى زيادة قوية في معدل بعض هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والكورتيزون والأدرينالين والنور-ادرينالين.كذلك فانّ وصول هذه الجزيئات الى الشّعب الهوائية يؤدي الى تفعيل دور الخلايا اللاقطة أو الملتهمة ،والى افراز مواد متعدّدة لها علاقة بعمل جهاز المناعة مثل الانترلوكن6- وهذا ما يشرح بامكانية حصول الالتهابات المزمنة في القصبة الهوائية والرئتين وفي جدار الشرايين وهو ما يشرح ايضا" زيادة نسبة التخثّر والتجلّط في الدم.
4-الأشخاص الأكثر عرضة" للتاثّر بالتلوّث:
تشير الدراسات الى أنّ الأشخاص الذين هم أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للتلوث بالهواء هم:
1-الأطفال حتى عمر ال8 سنوات حيث تكون الرئتان والشعب الهوائية عندهم في حالة نمو، ولذلك هم أكثر عرضة لخطورة هذه الانبعاثات والغازات السّامة التي تسبب عندهم التهابات رئوية حادة متكرّرة.
2- الأشخاص المتقدمين بالسن الذين يفقدون وسائل الدفاع الرئوية العادية بسبب ترهّلهم بشكل عام وترهل جهاز المنهعة بشكل خاص.
3-المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الانسداد الرئوي المزمن والربو والحساسية او الذين تعرّضوا لذبحات قلبية او يعهنون من ارتفاع الضغط الشرياني أو اضطراب ضربات القلب او من قصور في عضلة القلب.
4-المدخنون المزمنون الذين هم أصلا" يعانون من الالتهابات الحادة والمزمنة التي سببها التدخين ولذلك هم أكثر حساسية من غيرهم للتأثر بمضار التلوث.
5-الأشخاص الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة وفي ضواحي المدن المكتظة والذين يكونون في أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة للغاية,لا تسمح لهم باستعمال وسائل التدفئة غير الملوثة ويعيشون في أماكن سكنية مكتظة وهم غالبا" ما يكونون غير قادرين على تغيير سياراتهم واستبدالها بسيارات جديدة أقل تلوثا" بسبب قلة القدرة الشرائية لديهم.
5- النصائح المفيدة لتفادي التعرض للتلوث:
بانتظار السياسات الحكومية الهادفة للتخفيف من حدّة ازدحام السير في المدن الكبرى وابعاد المدن الصناعية ومراكز توليد الكهرباء وغيرها من مصادر التلوث الهوائي عن مراكز التجمعات السكنية الكبرى,ننصح المواطنين باتباع الخطوات التالية التي من شأنها أن تحد ولو قليلا" من تأثير التلوث الهوائي على صحتهم:
1- السعي قدر الامكان لعدم استعمال السيارة الخاصة للتوجه الى أماكن العمل واستعمال وسائل أقل تلويثا" مثل المشي أو الدراجة الهوائية أو وسائل النقل المشترك.
2- تخفيض عدد حالات المرور على الطرقات التي تعتبر الشرايين الرئيسية للوصول الى المدن خاصة" في ساعات الذروة (الازدحام) وعند الظهر حيث تكون أشعة الشمس قوية جدا" وحيث يتكوّن الأوزون بكثافة نتيجة الانبعاثات التي تنطلق من عوادم السيارات في هذه الساعات الحرجة.كذلك وننصح بأن لا نقوم بتمارين رياضية مثل الهرولة أو غيرها بالقرب من هذه الشوارع العريضة المزدحمة,واذا اضطررنا للمرور بجانبها يجب الاكتفاء بالمشي ببطء فقط وليس بالركض أو الهرولة لانّ القيام بجهد في هكذا ظروف يؤدي الى تنشّق سريع وعميق للغازات والجزيئات الملوّثة ودخولها عميقا" داخل الشعب الهوائية وتسرّبها الى الدم.
3-السعي قدر الممكن الى استعمال أنواع من الوقود غير الملوّث (الطاقة البديلة):سيارات كهربائية,سيارات على الغاز,وقود عضوي الخ,والسعي قدر الامكان لالغاء السيارات التي تعتمد على المازوت خاصة" والبنزين,وهذه هي السياسات التي سوف تعتمدها مختلف الدول المتقدمة حيث سيتم الالغاء التدريجي لكل السيارات العاملة على المازوت والبنزين في الثلاثين سنة القادمة.
4-وفي حال وجود تلوث كبير ننصح عادة" بعدم القيام بأيّة تمارين رياضيّة داخل أو خارج المنزل أو النوادي المخصصة لذلك,كذلك وننصح بمراجعة دورية الأجهزة تنقية الهواء وأجهزة التكييف وأن نسأل دائما" عن نسبة التلوث في الأماكن التي نقصدها عادة" من أجل القيام بالتمارين الرياضية(عبر المواقع المتخصصة أو عن طريق نشرات الأخبار)
وأخيرا" ننصح بتهوئة المنزل مرتين في اليوم ولمدة عشر دقائق على الأقل في الأيام التي يكون فيها ذروة في التلوث من أجل تأمين اكبر كمية من الاوكسجين وتخفيف الرطوبة وتخفيف نسبة الملوثات في المنزل,كذلك ومن المستحسن عادة" منع كل أشكال التدخين في المنزل.