الطائفية مرض نفسي يعدي الاغبياء
لمن يسأل ولمن يستغرب ولمن ينفعل ولمن يستنكر قولاً طائفيّاً استفزازياً لحاكم في دولة او تصريحاً لوزير او لكادر في حزب ، لك الردّ ولك من الجواب:
ليست الطائفية الا بمرض نفسي حقيقي، حيثية مرضية نفسية مستقلة،حالة نفسية معدية ،لها اسبابها ولها دلالاتها ولها تطوّرها الخاصّ بها ،وتنتهي عادة بصاحبها الى تعقيدات عضوية تؤدي الى الموت حتماً.
المصاب بهذا الاضطراب يعاني من حالات خوف قابل للتطور الى حالات الهلع من كل ما هو مختلف عن برمجته الفكرية المحدودة الآفاق ، والمقفلة بدائرية منطقها الذي يعود دوما الى حيث ابتدأ وانطلق ، برمجة مفرطة بالقلق ومفعمة بالوسواس القهري، خوف من مختلف واختلاف عما اعتاد عليه من لون بشرة، من لغة، من اسماء، من اعتقادات، من عادات، من تناسق ثياب، من صلاة ، من دين الى ما لا نهاية من المسائل الفكرية والمادية .
لا يقتصر الخوف الوسواسي عند هؤلاء على نمط تفكير مرتعب ومستنفر دائما ،بل يحكمهم سلوك وقائيّ دفاعي ما يجعلهم ينكفئون للعيش بين من يشبهونهم بالصفات وبالممارسات في مناطق سكنية شبه مغلقة بحثاً عن الأمان والاستقرار ،إذ انهم دائمو الشك بنوايا الآخر ، متيقنون من عدوانيته ووحشيته.
عادة ما يهتم هؤلاء بقراءة تاريخ جماعاتهم وعلى الأخص احداث المجازر، ويتحصنون بما وعدتهم كتبهم المقدسة ويطلقون اسماء القديسين على ابنائهم بهدف حمايتهم مباشرة من الربّ ،كما انهم يملأون مناطق سكنهم وعملهم بتماثيل لقديسين لتحمي تنقلاتهم ويكثرون من الرايات اعتقاداً بجلب البركة والتوفيق الالهي.
لطفاء مع مجموعاتهم الشبيهة بهم ،وشرسون مع المختلفين ،لذلك يختارون لأبنائهم هوايات رياضية قتالية هجومية و دفاعية ،ويحتفظون بالاسلحة في بيوتهم ويفتخرون دوماً بقادة لهم عادة ما يكون هؤلاء القادة سفاحين وجزارين للمجموعات الاخرى المختلفة:
القائد هنا مجرم هناك
القائد هناك مجرم هنا.
حالة الخوف والهلع والاستنفار والشكّ الدائم بنوايا الآخر والحذر المفرط في العلاقة معه والعيش في حالة توهم افعال عدائية ستحصل قريبا، تجعله يبحث دائماً عن ضمانات امنية وادارية وطبية أكثر وأكثر، بحثا عن تطمينات صعبة التحقق بل مستحيلة التنفيذ، لأن القلق الوجودي عند هؤلاء لقلق وجودي مرضيّ خطير يلامس الجنون احيانا ،ما يشعل الحروب الدموية الوقائية العبثية لاسباب وهمية، وما يكثر من المجازر ومن التطهير العرقي والطائفي والعنصري .
لا يؤمن هؤلاء ابداً بوجود اخلاق وقيم ومبادىء وشرف ونوايا سلام عند الآخر المختلف .فالحقيقة والقدسية والطهارة عندهم وحدهم ،بل الرب وكالة حصرية لهم.
المنطق المتماسك لأوهام و لخوف ولشك ولارتياب و لوسوسة هؤلاء من الاخر المختلف مُعدية ،اذ تجد تفاعلا وتجاوبا سريعا عند آخرين يعانون من حالات قلق مرضية مشابهة ،ويبحثون عما يخفف من توترهم ويطمئنهم اكثر ،وعادة ما يكون هؤلاء من اصحاب التجربة المحدودة واغلبهم حمقى.
هذا التوتر والاستنفار والقلق المفرط الدائم يؤدي لافراط في افراز الادرينالين ما يسبب بارتفاع في الضغط الدموي ويزيد من احتمالات الجلطة القلبية والدماغية، كما يسرّع من حالات ارتفاع السكر في الدم ، اضافة الى ان التوتر الدائم واحد من عوامل التسبب بالامراض السرطانية المميتة.
ليست المسألة مختصرة على خطابات اليمين السياسي الذي يضم عادة هؤلاء في صفوفه، بل يشمل الخطاب الديني الاسلامي المتطرف والمسيحي المتعصب، حيث يختبىء هؤلاء المرضى النفسيون الهاربون من العلاج النفسي ومن الصدمات الكهربائية العلاجية في جلباب الإله والقديسين.
اخطر ما يعانيه هؤلاء انهم اذا اقاموا دولتهم وجيشهم سريعا ما تصادموا في ما بينهم على اختلافاتهم الصغيرة، فان قامت على سبيل المثال الدولة المارونية ستجدهم يتقاتلون بين ابن الاشرفية وجونية، وبين سكان الريف والاطراف ،ثم بين من كان اصله من حمص وحلب وبين من كان اصله من اليونان و روما، ثم من كانت بشرته سمراء وبين من كانت بشرته حنطية وبيضاء ،وهكذا دواليك الى ما لا نهاية…قتال عبثي لا يجرّ من خلفه الا الموت…
"يتبع"