الثقة هي من يوقف الاحتجاجات في الشوارع
فقدان الثقة الشعبيّة في الحكومات والشكوك المستمرّة في سياساتها، سوداوية المستقبل لدى الشباب اليافعين والريبة حول قدرة الحكومات على تحسين ظروف معيشتهم، هي ما يُشعل احتجاجات الشوارع التي تجتاح بلدان العالم النّامي، أو السّاعي نحو النمو، رغم اختلاف ظروف وأسباب وأشكال الاحتجاجات وطبيعتها، وطُرقها، سلميتها أو عنفها، والمشاعر الكامنة بغموض السياسات وعجز الحكومات عن توفير الحدّ الأدنى من الخدمات العامّة؛ كما أنّ تصوّرات عامّة الناس عن فساد المسؤولين، وتفشّي المحسوبيّة في القطاعين العام والخاص، وحيازة المقدّرات العامة من جماعات قليلة وسطوتها على السلطة هي ما يعزّز عدم الثقة والجنوح نحو الاحتجاجات.
إنّ استحكام التوترات والتجاذبات الداخليّة في منطقة الشرق الأوسط، تترافق مع الشكوك حول قدرات الاقتصاد العالمي من تجاوز أزماته، وزيادة امكانيّات نموّه، في ظلّ استحواذ متنامٍ للرأسمال المالي على كبريات الاقتصادات العالميّة، وسيطرته عليها، لا سيما في أميركا الشماليّة وأوروبا الغربيّة، معطوفًا على التوترات التجاريّة داخل الاتحاد الأوروبيّ، وبين الولايات المتحدة والصين، وتزايد مستويات الديون الحكوميّة (في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، يصعّب تمويل الاستثمارات اللازمة لتعزيز النمو ومن خلاله التنمية المطلوبة للمجتمعات اذا ما كانت النيّة موجودة لذلك.
لتتمكّن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنها لبنان تخطي أزماتها واحتجاجاتها، المُعلنة عن نفسها في الشوارع أو المكبوتة داخل عقول أفرادها بين حيطان منازلهم، هي بحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات (البنك الدوليّ) لاستثمارها في مشاريع ذات نوعيّة جيّدة ومُنتجة، تفتح أفقًا أمام مواطنيها، لا سيّما منهم الشباب، لكن ذلك دونه عقبات لا ضير من تجاوزها، وهي تطبيق إصلاحات جوهريّة، قابلة للاستمرار، تكفل قيام أنظمة ديمقراطيّة، واستقرار سياسيّ، وسياسيين موثوقين لا طموحات لهم سوى الرّفع من شأن بلدانهم ومواطنيهم، وتجاوز افتعال النزاعات وتفاقمها، وسيادة القانون على جميع المواطنين دون استثناء، واقتلاع الفساد والافساد والمفسدين من الجذور؛ عندها يمكن جذب ليس مئات المليارات، بل مئات البليارات، وهي موجودة فعلا، إنّها مُستثمرة في "أصول مجمّدة"، بأدوات ذات عائد منخفض في الاقتصادات المتقدّمة.