إقتصادطاقة

معالجة أزمة الكهرباء المزمنة: خارطة طريق تترجم خطاب القسم (غسان بيضون)

 

 

 

كتب غسان بيضون*:

ربما يبدو خطاب قسم رئيس الجمهورية تقليديا في الظاهر، ويرى البعض في بنوده الإصلاحية مجرد تعبير عن نشوة الوصول إلى سدة الحكم، فيما تقتضي الموضوعية أن نرى فيه تهيباً والتزاماً بالمسؤولية تجاه عمق الأزمات التي تراكمت على مدى سنوات طوال تفاقمت خلالها تداعيات الانهيار المالي والشغور الرئاسي ودخول الدولة في طور الانحلال وانتشار الدمار الهائل على مساحة واسعة من جغرافيا الوطن نتيجة العدوان، واستدراكاً لانحراف أداء الدولة المتمادي عن دورها ومسؤولياتها وعجزها، ليس فقط عن توفير أبسط حقوق مواطنيها، في خدمات الكهرباء والمياه والنظافة والاتصالات والصحة، بتكلفة تراعي قدراتهم الاقتصادية، بل عن حمايتهم، وتحوّلها من دولة الرعاية إلى دولة الجباية؛

وحيث أن بنود خطاب القسم الإصلاحية جديرة بإدراجها ضمن البيان الوزاري لحكومة العهد الأولى الواعدة بمؤشرات تشكيلها غير التقليدية، وأن معالجة أزمة الكهرباء المزمنة وردت ضمن تطلعات العهد وأولوياته، فقد وجدنا من المناسب تسليط الضوء مجدداً على أسباب العتمة وإعادة طرح اقتراحاتنا لمعالجة هذه الأزمة التي تستنزف قدرات المواطن والاقتصاد بمختلف قطاعاته، لعلنا نساهم في تحويل خطاب القسم إلى فرصة جدّية لتحقيق الإصلاح والنهوض واستعادة  الثقة، التي تشكل كلمة سر تحرير مؤسسات الدولة من الفساد، وتحقيق النمو وإعادة لبنان إلى سكة الانفتاح على العالم، والتعاون مع القطاع الخاص في إطار المنافسة الجدية والواسعة، باعتباره بات مدخلاً رئيسياً للنهوض والنمو المستدام وعودة الازدهار.

خارطة الطريق لمعالجة أزمة الكهرباء:

واضح أنه ليس لدى الحكومة ترف الوقت لانتظار تعديل قانون قطاع الكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة المنشأة بموجبه، وأن عدم توفر المعلومات الصحيحة والموثوقة حول واقع قطاع الكهرباء، بمختلف مكوناته، كان على رأس أسباب فشل محاولات الحكومات السابقة وخططها لمعالجة أزمة الكهرباء المزمنة؛ وهذا ثابت لدينا من خلال تواصلنا المباشر مع كبار المسؤولين في الدولة وفي لجنة الأشغال والطاقة في مجلس النواب على مدى سنوات؛

وحيث أن النهوض بقطاع الكهرباء يستحيل في ظل هذا النقص الحاد والشغور على مستوى الوظائف القيادية في وزارة الطاقة والمياه وفي مؤسسة كهرباء لبنان، فلتكن البداية من تعيين لجنة استشارية لقطاع الكهرباء من قدامى مديري وقياديي كهرباء لبنان المتميزين بنظافة الكف وبالخبرة التي ساهمت في نهوض المؤسسة وازدهارها، تقترح على مجلس الوزراء السبل المفيدة في تصويب أداء المؤسسة وتعينه في التعرف على حقيقة مختلف أوضاع  المؤسسة المالية والإدارية والفنية، وتقدم له النصح حول سبل وقف الهدر والفساد المستشري فيها؛

نعرض في ما يلي خارطة الطريق التي نراها مناسبة لترجمة الخطة الاصلاحية لخطاب القسم، وفق تسلسل أولوياتها:

  • ملء الشواغر في وزارة الطاقة والمياه على مستوى المديريات العامة والمديريات والمصالح التابعة لها: المديرية العامة للاستثمار المعنية بالرقابة والوصاية على كهرباء لبنان وامتيازات الكهرباء ومؤسسات المياه؛ والمديرية العامة للموارد المائية والكهربائية المعنية بتنفيذ بعض أشغال محطات التحويل والشبكات، والمديرية العامة للنفط المعنية بدمج منشآت النفط وتأمين حاجة السوق من المحروقات ومنح تراخيص استيرادها؛
  • تأهيل المبنى المركزي للمؤسسة وإعادة بناء مركز التحكم؛
  • تعزيز أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان من خلال ملء الشواغر في مجلس إدارتها رئيساً جديداً وأعضاء، وتعيين مدراء أصيلين للمديريات الملحوظة في هيكليتها؛
  • تعيين مفوض للحكومة ومراقب مالي من ذوي الكفاءة لتمثيل سلطة الوصاية وممارسة الرقابة المالية الجدية على المؤسسة؛
  • إنشاء مديرية الطاقة المتجددة المنصوص عنها في قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة رقم 318 تاريخ ٢٨/ ١٢/ ٢٠٢٣؛
  • العودة عن خطأ الاعتماد على اليد العاملة المؤقتة وملء الشواغر في مختلف الوحدات والوظائف القيادية المالية والقانونية والفنية في المؤسسة، وتثبيت المياومين المستحقين بناءً على تقييم أداء وكفاءة يبنى على دراسة جدّية لملفات هؤلاء وسيرهم الذاتية؛ وبصيغة تراعي حقوقهم في ضوء إمكانية إعادة النظر بدور المؤسسة ووظيفتها مستقبلاً ؛
  • إعادة النظر بعقود تشغيل وصيانة معامل الكهرباء التابعة للمؤسسة، وغيرها من الخدمات المفترض أن يتولاها مهندسون ومستخدمون تابعون للمؤسسة، وذلك من حيث جدواها وعملتها وتكلفتها، وبناءً على تقييم شامل لواقع التجربة على مدى السنوات الماضية،
  • إطلاق حملة لمكافحة الفساد في المؤسسة تبدأ من تطبيق أحكام قانون الإثراء غير المشروع والتحقق من ثروة وملكيات مديريها ومستخدميها على مختلف المستويات؛
  • العمل على إعادة الثقة للمواطن ومختلف القطاعات الافتصادية في إطار علاقة المؤسسة بمشتركيها، بما يراعي رضى هؤلاء، وذلك بدءاً من إعادة النظر بالتعرفة وإزالة مخالفاتها الفادحة للأنظمة والقوانين المرعية الإجراء؛ بحيث تؤمن التوازن المالي للمؤسسة من جهة وتعفي الحكومة والدولة من تحمّل تكلفة المحروقات والنفط وأية نفقات أخرى تقع ضمن الأعباء العادية للمؤسسة وعدم استخدام أموال الجباية لغير تغطية هذه الأعباء.

في التدابير الأخرى:

  • إنشاء وزارة للنفط وحصر صلاحيات وزارة الطاقة بالموارد المائية والكهربائية.
  • إلغاء أية وحدات أو كيانات تعمل دون مسوغ شرعي في ظل سطوة وهيمنة وزير الطاقة على مقدرات القطاع؛ وإقفال الحدائق الخلفية المفتوحة ضمن نطاق قطاع الطاقة باستكمال دمج شركة القاديشا بمؤسسة كهرباء لبنان وتطبيق أحكام المرسوم الاشتراعي رقم ٧٩/ ١٩٧٧ القاضي بدمج منشآت النفط بالمديرية العامة للنفط.
  • حماية الحكومة لاستقلالية مؤسسة كهرباء لبنان وتحريرها من تسلّط “وزراء” الطاقة؛
  • إلغاء أية موافقات على خطط الكهرباء القديمة التي فشلت في معالجة أزمة الكهرباء والخروج بتفكير الحكومة من صندوق هذه الخطط.
  • إعادة النظر بتراخيص انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الممنوحة بناءً على قرار مجلس الوزراء تاريخ ١٢/ أيار/ ٢٠٢٢ المخالف للقانون والمبني على “استدراج نوايا” مخالف أيضاً للقانون أجري في مكتب وزير الطاقة خلال العام ٢٠١٧، أي قبل قرار مجلس الوزراء بخمس سنوات دون سؤال أصحاب التراخيص عن استعدادهم للالتزام بشروط التراخيص، لا سيما وأن هناك من انسحب وانه لم يتم تنفيذ اية رخصة منها، وأن وزير الطاقة بادر منفرداً إلى تعديل أحد التراخيص دون العودة إلى الحكومة.

وحيث أن الدستور يهدف إلى تحقيق الإنماء المتوازن، وأن خيار التنمية المستدامة في إطار اللامركزية الموسّعة قد التزمت الحكومات المتعاقبة باعتماده سبيلاً لتحقيق العدالة والحماية الاجتماعية وتوفير حقوق المواطن في الخدمات والأمان، على قدم المساواة أينما حلّ وأقام؛ وأن صلاحية المجلس البلدي تشمل كل عمل له طابع المنفعة العامة، وأن هناك تجارباً في تأمين الكهرباء لبعض المدن والقرى المحيطة بها عن طريق الامتيازات، التي لطالما جرى منحها استجابة لمطالب الأهالي عن طريق بلدياتها المسؤولة اليوم عن نقل أمنيات مواطنيها إلى السلطات ومراقبة أداء المؤسسات ومختلف المرافق الخدماتية ضمن نطاقها من مياه وكهرباء واتصالات ونظافة وصحة، ورفع التقارير حول أداء هذه المرافق؛ نقترح استصدار قانون يجيز للبلديات الكبرى واتحادات البلديات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بالتعاون مع القطاع الخاص؛

وبعد الإشارة إلى أن مختلف الخطط والقوانين المتعلقة بقطاع الطاقة، الحديث منها والقديم، لم تنجح في معالجة أزمة الكهرباء وبررت تفشي المولدات واحتكار انتاج الكهرباء وبيعها للمواطن بأسعار فاحشة غير عادلة، دون عداد، وإلى أن تعرفة كهرباء لبنان غير المدروسة والمخالفة للقانون قد أضافت إلى فاتورة المولد “خوّة” من خلال رسومها الثابتة دون تأمين الكهرباء؛ وإلى استمرار مخالفة قرار رفعها القاضي بإعادة النظر بها دورياً وفقاً لانخفاض أسعار النفط، وأدى إذعان المشتركين إلى تشجيع أحد النواب على اقتراح رفعها بما يسمح بتحقيق أرباح بمئات ملايين الدولارات يتم من خلالها إعادة أموال المودعين؛ وكذلك إلى تشجيع مدير عام المؤسسة على الإعلان عن استخدام أموال الجباية لتغطية تكلفة معالجة الأضرار التي لحقت بشبكات المؤسسة وتجهيزاتها بنتيجة العدوان، نرى ضرورة إعادة النظر بتعرفة الكهرباء رفعاً للظلم، ولتصحيح مخالفاتها العديدة للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.

وختاماً، نذكّر بان معالجة أزمة الكهرباء ليست مستحيلة وإنما تحتاج لعقل وكف نظيفين، ونكرر اقتراح إيلاء البلديات واتحادات البلديات حق التعاقد مع القطاع الخاص، قانوناً وبشكل صريح، في سبيل إنشاء معامل لانتاج الكهرباء على الطاقة الشمسية، المتميزة بضآلة حجم احتياجها للتمويل المتوفر محلياً، وبسرعة تنفيذها، وبتدني تكلفة انتاج الكيلوات الواحد منها وبصداقتها للبيئة ولميزان المدفوعات.

(بالتزامن مع صحيفة الجمهورية)

*مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه

خبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى