العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يبارك للرئيس عون ويستذكر رحيل الإمام شمس الدين: لن تتحقق سيادة الدولة ما لم ينعم الجنوب بالأمن والإستقرار
العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يبارك للرئيس عون ويستذكر رحيل الإمام شمس الدين: لن تتحقق سيادة الدولة ما لم ينعم الجنوب بالأمن والإستقرار
الحوارنيوز – محليات
بارك نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب للرئي العماد جوزف عون وللبنانيين ،بانتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية، آملا “أن يتحقق الانسحاب والتحرير وان تسير الامور بالشروع في انتظام مؤسسات الدولة، بدءا بتأليف الحكومة بأقصى سرعة كبداية لبناء دولة المؤسسات، الدولة العادلة والقوية التي تقوم بمسؤولياتها البديهية بالدفاع عن كرامة اللبنانيين وعن سيادة الدولة التي لن تتحقق اذا لم ينعم الجنوب بالاسقرار والامن”.
واستذكر العلامة الخطيب في هذا اليوم رحيل الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين و”أفكاره النيّرة في الحرص على الوحدة الداخلية، وتجريمه الدخول في الفتن واستخدام السلاح لتحقيق اهداف سياسية ضد السلطات الحاكمة، واندماج سائر المكوّنات، وخصوصا ابناؤه من الطائفة الشيعية في مجتمعاتها، وعدم التمايز بمشاريع سياسية خاصة بعيدا عن سائر مكونات المجتمع”.
وجاء في الخطبة التي وجهها العلامة الخطيب من مقر المجلس الإسلامي الشيعي في الحازمية حيث أدى صلاة الجمعة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أجدد في هذا اليوم، التاسع من شهر رجب، تبريكي للمؤمنين هذا الشهر المبارك، واسأل الله تعالى ان يوفقنا جميعا لاستغلال أيامه بالعبادة والطاعة والدعاء لانفسنا واسرنا ومجتمعنا وبلادنا وامتنا، بالامن والامان والتقدم ووحدة الموقف ووعي القضايا والاخطار المصيرية التي تواجهنا وتشغل بالنا، ابتداء من التحديات الثقافية ومحاولات فصلنا عن تاريخنا ورسالتنا، وجعلنا أمة تابعة وملحقة وبلا وظيفة على هامش الحياة، بل اكثر من ذلك ان نعيش كافراد لكلٍ حياته الخاصة، لا كأمة ولا كمجتمع له خصائصه العقائدية والثقافية والرسالية، ومن دون رابط يربط بين مجتمعاتها او مشتركات تجمعها، حتى داخل البلد الواحد بل الأسرة الواحدة، حيث الجهد الحثيث على تغيير المفاهيم وانقلابها لتؤدي الى انحلالها وتفكيكها، ليسهل استتباعها واخراجها من عالم الفاعلية والتأثير، بل البقاء ولتبقى مجرد ادوات لاستخدامها والاستفادة منها كثروة من الثروات التي تكتنزها كالبترول والغاز، يضاف اليها العامل البشري. فهي تتناسل وتتكاثر وتعمل وتنتج الكفاءة العلمية من دون هدف حضاري، ولغاية واحدة هي ان تأكل وتشرب وتجمع المال لتضع نتاجها في خدمة الطامعين بها.
فهي ممنوع عليها ان تستفيد من الطاقات العلمية لخدمة بلدانها ومجتمعاتها. فقد لُقنت ان تسخر من المعرفة الحضارية والعلوم الانسانية التي هي الاساس في البناء الحضاري للمجتمعات الإنسانية، وتكتفي بالاهتمام بالعلوم التجريبية التي لا يمكن ان تبني وحدها مجتمعا او امة معدومة الرؤية الفكرية، واستسلمت لما ينتجه لها الغرب من فلسفات، حتى عُقمت عن ان تنتج رؤيتها الخاصة وفلسفتها الخاصة للحياة التي اريد منها ان ترسم حياتها وفق ما يحقق اهداف الغرب، لا وفق ما تطمح اليه. فهي بنظر الغرب ليست سوى ثروة بشرية للاستخدام، كما هي مناجم الذهب او آبار النفط والغاز، بل اكثر من ذلك حين تحتاج الى سد النقص البشري الحاصل في بلدانها نتيجة طبيعة الحياة التي تعيشها شعوب الغرب من التهرب من تكاليف الانجاب والتربية واثقالها طلبا للراحة واللذة، طالما ان بإمكانها ان تسد النقص بدون جهد وتتخلص عما يشغلها عن الاستفادة القصوى من اللذة، وتخلد بنظرها من اعباء الحياة، اذ لا ترى في الانجاب والحياة الاسرية فائدة، وان هذه الحياة ينبغي الاستفادة منها أقصاها، اذ لا شيء بنظرها وراء هذه الحياة يستحق التفكير، لأنه لا شيء بعدها الا العدم، وهذه الفلسفة للحياة هي الرابط بينها في الاندفاع نحو بناء القوة للتغلب والسيطرة على منابع الثروة، سواء منها الموارد المادية او البشرية، وخاضت في سبيلها الحروب التي خاضتها من دون حدود اخلاقية او إنسانية، وجعلت من العالم مجرد غابة للوحوش يفترس فيها القويُ الضعيف.
لذلك كان من الضروري لنا اعادة التفكير بصياغة الحياة لمجتمعنا، على الاسس الروحية والاخلاقية والفلسفية والفكرية التي تعيد لنا قيمنا الانسانية ومعاييرنا الاخلاقية ودورنا الفاعل في خلاص مجتمعاتنا من الكارثة التي تكاد تقضي على وجودنا الحضاري والرسالي، وبالتالي نكون خشبة الخلاص لهذا العالم الذي يسير بسرعة هائلة نحو الدمار والخراب، وان نعيد النظر في في المعايير والمقاييس الغربية المادية الخادعة التي اخذت بعقولنا وبنينا عليها الاوهام التي بهرتنا كما يُغشي بريق الذهب المغشوش الانظار عن رؤية الذهب الخالص، ولذلك كان الاهتمام بشهر رجب وامثاله من المناسبات ضروريا لاعادة الارتباط بهذه القيم الروحية وترويض انفسنا بالقيم الإلهية، وكان ضروريا اكثر احياء ذكرى اساتذة هذه المدرسة وابائها واحيائها في نفوسنا وارواحنا وعقولنا لنذكر بأحد اهم اباء هذه المدرسة بعد رسول الله من ائمة المسلمين، وهو امير المؤمنين الامام علي ابن طالب الذي يصادف ذكرى ميلاده في الثالث عشر من هذا الشهر المبارك، ونستعيد هذه الذكرى العطرة في حياتنا، ليس فقط بالاحتفال والمباركة من ناحية الارتباط العاطفي، حيث بقيت هذه مجرد ذكرى لبعض المؤمنين، وغابت هذه الشخصية الفذه من حياتنا بما تمتلكه وبما تمثله من رقي وغنى علمي واخلاقي وقيمي، ومدرسة في الحياة والممارسة والسلوك، وقدوة جديرة بالتعرف عليها والاتباع لها، لتجدوا ان لديكم كنزا من العلم والمعرفة والاخلاق والقيم، إن استعدناها في حياتنا فسنجد الطريق الى الخروج من واقعنا المزري وحل جميع مشكلاتنا التي نعاني منها كأمة وكدور لها في صناعة الحياة الذي افتقدناه حين طوينا عنه صفحا.
وانتهز هذه المناسبة العظيمة لأتوجه الى امتنا وشعبنا بالتهنئة والتبريك. هذه المدرسة التي ما زالت تخرج العلماء الذين تتلمذوا على هذا الامام العظيم وتعاليمه وابنائه الكرام الذين يقفون بكل شجاعة وعنفوان للدفاع عن كرامة الامة، ويواجهون محاولات القضاء عليها بكل بسالة واقتدار، فكريا وثقافيا وبطولة في ميدان المواجهة المسلحة دفاعا عن كرامة الامة وكرامة اوطانهم مجردين عن الخلفيات المذهبية والطائفية، مسلحين بالمبادئ الاخلاقية والانسانية وحب الانسان، ودفاعا عن الاوطان وكرامة الانسان، لم ولن ينخرطوا في حروب اهلية داخلية التي يرونها من اكبر المحرمات، ويعملون في سبيل وحدة بلدانهم وشعوبهم، انى تكن طوائفهم ومذاهبهم التي يرون فيها غنى وثروة يجب التمسك بها، وخصوصا الوحدة بين المسلمين تمسكا بقول رسول الله (ص) ومدرسة اهل البيت (ع)
قال رسول الله (ص) : (ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)،
وحرص الاسلام على تحقيق العدالة مع الاخر، ايا كان هذا الاخر فقال تعالى:
( ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى )
ونستذكر في هذه الايام علما من اعلام هذه المدرسة، وهو الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رض) الذي يناسب هذا اليوم رحيله الى الرفيق الأعلى، وهوالذي كانت له جهود مشهودة وافكار نيّرة في الحرص على الوحدة الداخلية، وتجريمه الدخول في الفتن واستخدام السلاح لتحقيق اهداف سياسية ضد السلطات الحاكمة، واندماج سائر المكوّنات، وخصوصا ابناؤه من الطائفة الشيعية في مجتمعاتها، وعدم التمايز بمشاريع سياسية خاصة بعيدا عن سائر مكونات المجتمع، كما هي تعاليم وسيرة أئمة اهل البيت (ع) واتباعهم من فقهاء الشيعة الإمامية، ورفضه تصنيفهم اقلية، واعتباره هذا التصنيف للمكونات الوطنية مؤامرة على الأمة بغية استغلالها من اعداء الأمة، لتحقيق اغراض استعمارية خبيثة، وان الشيعة الاثني عشرية جزء لا يتجزأ من هذه الأمة، لها ما لهم وعليها ما عليهم، كما هو عليه موقف فقهاء الطائفة التاريخي،على الرغم من كل الافتراءات التي تنسب لهم هذه الفِرية زورا لأغراض سياسية خبيثة، بغية الايقاع بينهم وبين المجتمعات التي التي يعيشون معها والتي اخلصوا لها وشاركوها همومهم، وبذلوا في سبيل قضاياها الغالي والثمين من اموالهم واستقرارهم وابنائهم ودمائهم، دفاعا عن امنها واستقرارها، ولم يبخلوا عنها يوما اخلاصا لها وحبا وتمسكا بكرامة شعبها وسلامتها من كل عدو غاشم ارادها بسوء. هكذا كانوا وهكذا هم اليوم في دفاعهم عن قضايا أمتهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعن بلدهم لبنان في مواجهات اسطورية تاريخية لم يشهد التاريخ مثيلا لها. كان ذلك في الماضي القريب حين احتل العدو الصهيوني ارضنا واعتدى على سيادة بلدنا وكرامة شعبنا، واستطاع تحريرها بالقوة وبذل الارواح والدماء، وكما فعل بالامس في مواجهة عدوان شنه العدو على لبنان لأكثر من ستين يوما، حيث وقفت المقاومة ببطولة اسطورية دفاعية اجبرت العدو على شرطها بوقف العدوان وتوقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية، بعد مفاوضات تولاها وخاضها دولة الرئيس نبيه بري ببراعة النبيه، وفي موقف مشهود كفعله في عدوان ٢٠٠٦، يقضي بوقف العدوان على لبنان والانسحاب من المناطق التي احتلها بعد وقف النار وتوقيع الاتفاق،والتي لم يستطع احتلالها حين المواجهات، وتحملت الولايات المتحدة وفرنسا مسؤولية تطبيق الاتفاق، وما زال العدو يستغل مهلة الستين يوما للانسحاب ويعيث فسادا وقتلا وتهديما في المناطق والقرى المحتلة خرقا للاتفاق امام انظار هذه اللجنة دون ان تقوم بتنفيذ ما تعهدت به، والعدو يمعن بالمراوغة سوى انه قام بالانسحاب على نحو بطيء من بعض المناطق.
ان اهلنا لن يستكينوا ببقاء العدو على شبر واحد من الأرض، والعدو يعلم ما ستؤول اليه الامور إن لم يتحقق الانسحاب التام من المناطق المحتلة ولم ينفذ الاتفاق ولم تستطع الدولة الزامه بذلك، ولكن الامل يملأنا بعد ان تم انتخاب رئيس للجمهورية الذي نتوجه اليه والى اللبنانيين بالمباركة، والى دولة الرئيس نبيه بري على ادارته لهذا الاستحقاق بحكمة، وأن يتحقق الانسحاب والتحرير وان تسير الامور بالشروع في انتظام مؤسسات الدولة، بدءا بتأليف الحكومة بأقصى سرعة كبداية لبناء دولة المؤسسات، الدولة العادلة والقوية التي تقوم بمسؤولياتها البديهية بالدفاع عن كرامة اللبنانيين وعن سيادة الدولة التي لن تتحقق اذا لم ينعم الجنوب بالاسقرار والامن، ويرتدع العدو عن العدوان وينسحب من كل شبر يرضخ للاحتلال، كما نتمنى التعاون مع فخامة الرئيس جوزف عون لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.
كما ان اولى مسؤوليات الدولة اعادة الإعمار والترميم وبأقصى سرعة ممكنة، فلا يجوز ان يبقى الناس بعيدين عن بيوتهم وارضهم، كما ان من واجبات الدولة التعويض عن الاضرار وعدم ترك الناس لقدرهم.. والا فلا معنى للدولة.
قال تعالى:
( واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )
صدق الله العظيم
والحمد لله رب العالمين