رأي

العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية داء النظام السياسي في الديمقراطيات الحديثة: الكويت و العراق مثالاً (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز

 

لا يختلف اثنان على ديمقراطية النظام السياسي ، ودستوريّته ، وفصل السلطات في دولة الكويت ، و منذ بداية ستينيّات القرن الماضي ، وقد سبقَت دولة الكويت العراق بهذه الميزة وبالاستقرار بمسافة زمنيّة تُقارب نصف قرن .

ولكن يبقى البلدان ( العراق والكويت ) في خانة الديمقراطيات الحقيقيّة والحديثة .خمسون عاماً او عشرون ( لحالة العراق ) مُدّة قصيرة في اعمار الدول كي تتحوّل من مسار ديمقراطي ينمو ( كما هو الحال في العراق ) إلى نظام ديمقراطي راسخ ( كما هو الحال في الكويت ) .

 

والمسار الديمقراطي  وفي الحالتيّن ( ينمو وراسخ ) لا يخلو من عيوب و تحديات ، هو بحاجة إلى متابعة ورعاية ومواكبة و تعديل و اصلاح ، وما تشهده دولة الكويت اليوم خير مثال على ذلك ،مع الاشارة بأنَّ حالة المواكبة والتعديل والإصلاح للنظام السياسي الديمقراطي ليست حكراً على الديمقراطيات الحديثة ، وتحدث حتى في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة و القديمة .

داء النظام السياسي الديمقراطي ( سواء كان نظاماً برلمانياً او رئاسياً او شبّه رئاسي ) تكمنُ في العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية . و تظهر أعراض هذا الداء في النظام البرلماني اكثر مما تظهر في النظام الرئاسي او شبّه الرئاسي ، وتتجسّد أعراضه في تكرار مبادرات حّلْ البرلمان او سحب الثقة من الحكومة ،والكويّت عبرَ عن هذه الحالة و بوضوح ، ومنذ عام ١٩٧٦، حيث شهد الكويت حّلْ البرلمان سبع مرّات ، و اخرها القرار الذي اتخذه أمير الكويت يوم ٢٠٢٤/٥/١١ ، وبموجبه تّمَ حل مجلس الامة وتجميد  بعض بنود الدستور ولمدة لا تتجاوز اربعة اعوام بغية اجراء التعديل والإصلاح . وجميع حالات حّلْ البرلمان تُعزى إلى سوء العلاقة بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ،والى سوء استخدام السلطة التشريعية ، وكثرة الاستجوابات ،وكذلك سوء استخدام السلطة التنفيذية ، الأمر الذي يهدد كيان الدولة ،وحسبما قال سمو الأمير ،في خطاب متلفز ” لن اسمح باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة ” .

 

العبارة ” لن اسمح باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة ” ذّكرتني في مقال ، كتبتهُ و نُشِرَ بتاريخ 2 يناير عام 2022، وبعنوان ” العراق بعد عقديّن من الديمقراطية : التضحيّة بالدولة ” ( جريدة الحوار نيوز الإلكترونية اللبنانية) . فكرة المقال هو حجم الاخطاء والتحديات التي يواجهها العراق وتُمرّر بعنوان الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان . القصد هو ان التوظيف السيء للديمقراطية يكون على حساب الدولة ومصالح الشعب .

تتشّوه الديمقراطية و تتحول إلى فوضى عندما ينعدم التوازن في العلاقة وفي الصلاحيات والمسؤوليات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، وتتفاقم الفوضى وتُستعصى عن التصحيح او الإصلاح عندما تكون السلطة القضائية ، والمعّول عليها في حالات حسم الخلاف بين السلطتين ضعيفة وعاجزة عن المبادرة والحسم .

كادَ العراق ان يواجه حالة او حالات ،في مسيرته الديمقراطية منذ عام ٢٠٠٥ ( تأسيس الدستور ) ،اصعب بكثير مما تواجهه الكويت اليوم ،بسبب ما منحه الدستور الاتحادي العراقي من سلطات واسعة إلى مجلس النواب ،وعلى حساب السلطة التنفيذية ، ما جعلَ السلطة التنفيذية ، والمتمثلة اساساً بمجلس الوزراء، تحت رحمة مجلس النواب ،والذي هو ،في الحقيقة ،مجلس احزاب .

 

لست في صدد تحليل لبنود الدستور التي غيّبتْ التوازن بين السلطتين ، وقد عالجتها بأسهاب و تفصيل في كتابي الموسوم ” القانون الدستوري و النظم السياسية “،دار المعارف للمطبوعات ،بيروت عام 2011 . تجاوز العراق تبعات ونتائج غياب التوازن وهيمنة سلطة مجلس النواب على المشهد السياسي في العراق بفضل عاملين : الاول هو دخول السلطة القضائية ، و بقوة ،متمثلة بالمحكمة الاتحادية العليا ،و منذ عام 2007 ، حيث اتخذت قرارات مكّنت ،في حينها ،الحكومة من اداء فاعل لصلاحياتها و مسؤولياتها ،و خاصة في موضوع مشاريع القوانين و اقتراح القوانين . والعامل الثاني هو آليّة التوافق بين الاحزاب السياسية في تشكيل الحكومة والحرص على ديمومتها ، وعدم ممارسة سحب الثقة ،لانها تمثّل مصالح الاحزاب ايضاً .

 

ما يواجهه الكويت ،اليوم ،ليس بجديد . حَدثَ ذلك عام 1976 ، وعام 1986 ايضاً ، وكانت الاسباب واحدة في كليهما ،ألا وهي توظيف غير موفّق للعلاقة بين مجلس الأمّة ( البرلمان ) وبين الحكومة ( السلطة التنفيذية) .

واقصد  بالتوظيف غير الموفّق للعلاقة بين السلطتين، هو ” ممارسة تعسفيّة لصلاحية مجلس الامة في استجواب الوزراء او رئيس الوزراء او انعدام التعاون بين السلطتين “، وغالباً ما يقود الاستجواب إلى استقالة الوزير او الحكومة و تعطيل ممارسة السلطة التنفيذية.

في النظام السياسي البرلماني ، الحكومة ( ر. الوزراء والوزراء ) مسؤولة امام مجلس النواب ، كما هو الحال في العراق، او امام مجلس الامة كما هو الحال في الكويت . نجاح او فشل ممارسة مسؤولية الرقابة والمساءلة البرلمانية يتوقفُ على النضج السياسي والوطني لاعضاء مجلس النواب ، وان تُمارس مسوولية الرقابة والمساءلة بدافع المصلحة الوطنية، وليس بدافع المصلحة الشخصية او الحزبية .

النظام السياسي البرلماني في الكويت ،والذي وُلِدَ من رحم دستور الكويت لعام 1962، خوّل أمير الدولة اصدار مرسوم أميري يقضي بحلّ مجلس الامة او اعفاء مجلس الوزراء في حالة استحالة العمل والتعاون  بينهما ، و المواد رقم 102و 107 من الدستور تنّصُ على آليات حّلْ مجلس الامة والمدد القانونية لاجراء انتخابات جديدة .

في النظام السياسي البرلماني في العراق ، لا يوجد حق دستوري للسلطة التنفيذية بحلّ مجلس النواب  ،لذلك اصفُ النظام السياسي في العراق شبه برلماني لسببين : الاول هو لوجود برلمان ب ” غرفة واحدة ” وهو مجلس النواب ،وليس بغرفتيّن ” مجلس النواب ومجلس الاتحاد ” ، والسبب الثاني،  وهو الاهم ،  عدم وجود حق دستوري للسلطة التنفيذية ( رئيس مجلس الوزراء ) بحلّ مجلس النواب ،خلافاً لما هو معمول به في اقدم وأعرق الأنظمة البرلمانية وهو النظام البرلماني البريطاني ، ( حول النظام البرلماني البريطاني ،انظر الفصل الخاص بالموضوع في كتابنا الموسوم ، القانون الدستوري والنظم السياسية ،المشار اليه أعلاه ) .

 

 * سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل ٢٠٢٤/٥/١٣

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى