هل نضجت الظروف لإعلان مفاجئ لوقف النار في غزة(زياد علوش)
د. زياد علوش – الحوارنيوز
في أعقاب التنديد العالمي بمقتل سبعة متطوعين في منظمة الإغاثة “المطبخ المركزي العالمي” في غزة،والتي اعترف الجيش الاسرائيلي بارتكابها، وأن رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، قرر فرض “عقاب شديد” بتوبيخ قائد القيادة الجنوبية وقائد فرقة غزة العسكرية وقائد لواء “هناحال” الذي ينتمي إليه الجنود الذين نفذوا قصف السيارات الثلاث،يبدو أن الجريمة كانت بمثابة شعرة التحول في الضغط على تل ابيب.
ومع بلوغ الفظائع الاسرائيلية في غزة ذروتها وعجزها عن تحقيق اهدافها المعلنة، وهي تحرير الاسرى بالضغط العسكري والامني والقضاء على حماس والمقاومة، وانسداد افق نتنياهو بالحصول على صورة نصر يقدمها للصهاينة وهو عالق عند اعتاب رفح وقد ربط نصره بدخولها وتوسع الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان بمحاذيرها، وقد قطع وعوده ايضاً بدفع حزب الله لما بعد الليطاني كشرط لتأمين عودة 80 الف مستوطن وتزايد امكانية توسع الحرب اقليمياً بعد استهداف تل ابيب القنصلية الايرانية في دمشق.
بعد كل ذلك، يبدو السؤال عن اعلان مفاجئ لاتفاق مؤقت لاطلاق النار لمدة ستة اسابيع يعيد خلط الاوراق بقصد ترتيبها اقليمياً ودولياً مع ترصد موسكو وبكين في جبهة “اوكرانيا”، بالتوازي مع مفاوضات متقدمة بين طهران وواشنطن بناء على عروض يتم تسريبها على دفعات تتعلق بالثمن الذي تريده ايران لصبرها الاستراتيجي.. يبدو السؤال اقرب الى الواقع خصوصاً بعد مقتلة متطوعي “المطبخ العالمي”وتزايد الضغوط العالمية بما يهدد بعزل اسرائيل حتى من اقرب حلفائها في واشنطن ولندن كما تشي تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الذي اعلن أن لندن ستحاسب إسرائيل على قصف عمال المطبخ المركزي العالمي. ولفت إلى أنه يجب على تل أبيب التأكد من عدم تكرار ذلك.
وكانت الخارجية البريطانية أعلنت مساء الثلاثاء الماضي استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن بشأن اغتيال عمال الإغاثة في غزة،ومن قبله الاتصال العاصف بين الرئيس الاميركي جو بايدن ونتنياهو حيث حاول الاخير تسريع التحقيق بمقتل متطوعي المطبخ العالمي لتقديمه كرشوة والقول بتوبيخ بعض ضباط الجيش الاسرائيلي وتحميلهم مسؤولية الجريمة لإبعادها عن المستوى السياسي الذي يطال نتنياهو مباشرة، باعتبار ان المستوى العسكري ينفذ توجيهات الحكومة الاسرائيلية. من جهة اخرى فإن التراكمات السلبية بين بايدن ونتنياهو التي تحولت الى تباينات بين الدولتين والتي حذر منها العديد من القادة الاسرائيليين، وحالة الاضرار بالمصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة بفضل تعنت “بيبي”، لم تترك خياراً للادارة الامريكية باستمرار تجاهل ما يحدث في غزة وتداعياته، وقد تحولت اسرائيل ومعها الداعمون الى دول مارقة تخطت كل القوانين والاعراف الانسانية والاخلاقية،حيث باتت اللهجة الامريكية متصاعدة في وجه اسرائيل، ليس لاسباب انسانية فقط كما صرحت الخارجية الامريكية على لسان “بلنكن”، ولكن ايضاً لاسباب استراتيجية.
يبدو ان نتنياهو ادرك هذة المرة جدية واشنطن فسارع الى امتصاص غضبها بالاستجابة لبعض المطالب الاغاثية التي ينتظر ترجمتها على ارض الواقع،الا ان الطلب الاكثر اهمية بالنسبة لبايدن على ما يبدو ولإسباب داخلية هو اعلان وقف مؤقت لاطلاق النار. لذلك كان واضحاً خلال مكالمته الهاتفية مع نتنياهو بضرورة توسيع صلاحيات الوفد الاسرائيلي المفاوض والسماح بعودة الفلسطينيين الى شمال غزة.
فقد أبلغ “بايدن” بنيامين نتنياهو،أن استمرار دعم واشنطن للحرب على قطاع غزة يعتمد على الإجراءات الإسرائيلية لحماية المدنيين، وحثه على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “دون تأخير”.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية -نقلا عن مصادر سياسية- إن المكالمة الهاتفية التي أجراها الطرفان كانت “صعبة أكثر مما كان متوقعا”، فيما قال البيت الأبيض إن النبرة المتشددة التي اعتمدها بايدن خلال الاتصال تعكس “الإحباط المتزايد” إزاء عدم استجابة تل أبيب لمطالب حماية المدنيين.
كما دعا بايدن نتنياهو -خلال المكالمة- إلى “إعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة”، وفق بيان للبيت الأبيض.
وفي هذا السياق ربما تاتي تصريحات وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات ضد “قطر”، وقد استشعر رضوخ نتنياهو لضرورة قبوله اتفاق وقف اطلاق النار، على ان اليمين الاسرائيل مأزوم بحيث يهدد اتفاق كهذا انفراط عقد “بنغفير-سموتريتش…” نهاية المتشددين السلطوية في الحكومة الاسرائيلية لمدة طويلة عندما قال:إنه لا يثق في قيام قطر بدور الوسيط مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إذ إن محادثات وقف إطلاق النار التي قد تشهد أيضًا إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة لا تزال في طريق مسدود.
الرد القطري جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، بإن وزير الاقتصاد الإسرائيلي يهاجم الوسطاء بدلا من دعم جهود التوصل إلى اتفاق. يشي بهذا التوجه بحيث يمكن ان تشكل الدوحة منصة الاعلان لهذا الاتفاق والذي سيتوّجها من دون منازع كوجهة للوساطات الدولية الفاعلة بعد تحقيق نجاحات متسلسلة على هذا الصعيد في غير مكان من هذا العالم، بحيث تكافئ واشنطن الشريك التفاوضي الاكثر احترافية،في اعقد ازمة معاصرة.
ووصف الأنصاري وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات بأنه “سياسي آخر في إسرائيل يسعى للظهور عبر مهاجمة قطر لتعزيز مستقبله السياسي”.
*كاتب صحفي ومحلل سياسي