رأي

ماذا ينتظرُ نتنياهو من إيران.. وماذا تنتظرُ منها المنطقة؟ (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي* – الحوارنيوز

 

   لا أُبالغ إنْ ظنّنتْ بأن أقسى ردّ لايران على اسرائيل ،لهجومها الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق هو عدم الردّ ! اي عدم الردّ بهجوم إيراني مباشر مماثل على إسرائيل او على احدى سفارات إسرائيل في المنطقة . وكما ذكرت ،في مقال سابق ،تناولَ الموضوع ، ان استبعد ارتكاب إيران ذات الخطأ وذات الجريمة الدولية ،التي ارتكبتها إسرائيل في هجومها على مقر دبلوماسي ،وانتهاكها بذلك المواثيق والقوانين الدولية ،وبشكل صارخ و واضح ، وعلى مرأى ومسمع دول العالم والمنظمات الاممية ، و توقعّت (واتمنى ذلك ) بأنْ يكون ردّ ايران في ذات الأسلوب والنهج ،الذي دأبت عليه إيران في تعاملها مع الاعتداءات الاسرائيلية على افراد حرسها ومستشاريها ومصالحها في سوريّة وفي لبنان ،وحتى في ايران . اتمنى ذلك ،ليس حرصاً او خوفاً على مصالح الكيان الصهيوني ،وانما حرصاً وخوفاً على مصالح دول وشعوب المنطقة ،وضمنها مصالح الشعب الإيراني .

لا أحد ،عدو او خصم او حليف او صديق لإسرائيل ، يدحض حقيقة رعونة واستهتار قيادات الكيان المحتل ،والتي ( واقصد القيادات) ، على مايبدو ، أُصيبت ، ومنذ ٧ تشرين الاول ٢٠٢٣ ،بملازمة الساديّة وسلوك النازية في غزّة وفي الضفة ،بل في المنطقة .

ادركت اسرائيل ،و ايقنتْ ،انها فقدت مقوماتها الأساسية، والتي شيدتها ،تراكمياً ،منذ عام ١٩٤٨ : مقومات وجودها ( من عام ١٩٤٨ – عام ١٩٧٠  ) مقومات أمنها ( ١٩٧٠ -١٩٩٠)  ، ثُّم مقومات السلام  ( ١٩٧٥ -١٩٩٣ ) ، ثم مقومات التطبيع و السعي للهيمنة ( ١٩٩٣ – لتاريخ ٢٠٢٣/١٠/٧ ) . بعد هذا التاريخ ،والذي تعدهُ النخب الاسرائيلية وغيرها تاريخ ” نكبة لإسرائيل ” ، عادَ الكيان المحتل إلى مربّع ” مقومات الوجود ” ، اي عادَ الكيان ليفكّر ويهتم ويناقش ،ليس مقومات هيمنته على المنطقة ، و انما مقومات وجوده . ادرك انه يواجه الآن خطر وجود وليس خطر حدود .

المشهد او الواقع الذي يعيشه الكيان المحتل ، وهو يدرك خطرَ الوجود ،يدفعهُ للمغامرة ،من دون اهتمام للنتائج التي يتوقعها ،لأنه ،ببساطة ، لا يخشى ما يفقدهُ وقد عادَ إلى المربع الاول ويواجه خطر وجوده في المنطقة .

حيرة و ترقّب وحرج مَنْ لهم علاقات مع  إسرائيل في المنطقة ( ولا اقول اصدقاء ) ، وكذلك اصدقاء وحلفاء إسرائيل في العالم ،وفي مقدمتهم امريكا ، على ما تقوم به إسرائيل في غزّة وفي المنطقة وفي العالم ،دليلٌ على انَّ ” إسرائيل تُغامرْ ” ،لانها فقدت كثيراً من مقوماتها الأساسية ، و تعرّض أمن واستقرار ،ليس المنطقة وحسبْ ، وانما العالم إلى خطرٍ محدق . والمغامِرْ ليس جريء وانما متهّورْ ، لانه يدركُ مُسبقاً النتائج الكارثيّة لفعلهِ ،ولو بعد حين .

ماذا ينتظر نتنياهو من أيران ؟

حين اقدمَ على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق ، ينتظرُ من إيران ردّاً مناسباً لاستفزازه . ردّ يخرج عن اطار النهج المُتبع من قبل إيران ،ردّ مماثل يستهدف الكيان المحتل في ارض فلسطين ومن إيران مباشرةً وليس من حزب الله او اليمن او المقاومة في العراق ، و هدف نتنياهو توسيع الحرب ،من جغرافية غزّة وجنوب لبنان  إلى جغرافية المنطقة ، والجميع في اسرائيل وفي الادارة الأمريكية ، وفي الدول العربية يعرفون ما يريده نتنياهو .

هل تتماشى إيران مع رغبة نتنياهو و تمنحه هذه الفرصة ،وهو الذي يتململ في وضعه كضفدع وُضِعَ في قدرٍ ليستوي على نارهادئة؟ التشبيه هو عنوان لمقال ،باللغة الفرنسية ، ” Comment les Iraniens font-ils «bouillir une grenouille» ? Lentement & méthodiquement https://reseauinternational.net/comment-les-iraniens-font-ils-bouillir-une-grenouille-lentement-methodiquement/ للكاتب ،  shivan Maha mdr rajahi .

 نتنياهو ،يأمل ،عند أقلمته للحرب ،لتضّم ايران ،دخول امريكا ودول الغرب بجانبه ،فيتحول هو والكيان من مجرمي حرب ابادة في غزّة إلى ضحايا حرب إيرانية -شيعية ضّدَ اليهود وضّدَ إسرائيل “الديمقراطية المتحضّرة ” في المنطقة !

ولكن ، شعوب المنطقة  ودولها تنتظرُ من إيران صبراً وحرصاً على أمن المنطقة وعدم أنجرارها  إلى حربٍ تجعل المنطقة صعيدا . و اي حرب قادمة مع إسرائيل ،من دون القضاء على كيانها ، سوف تقود إلى تعزيزه .

ليكن ردّ إيران عقاباً و ثأراً وليس انتقاما ،ليس عطفاً ورحمةً بكيان محتل ومغتصب ومرتكب لجرائم حرب وابادة على مدى سنوات عمره ، وانما خشيّة عواقب الانتقام ، حيث نرى اليوم ،على سبيل المثال ، ما حّلَ بالكيان المحتل من انحدار غير مسبوق سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً  ،طيلة عمره المحدود ، حين قرّرَ الانتقام من غزّة .

مَنْ مّنا لا يدرك حقيقة إسرائيل :  فهي ” نصفها دعاية ونصفها قوّة وتناقضات ، هي مجرد كيان هجين لم تتراكم به الأجيال بعد كي تستحيل أمّة ، بل مجرد مجاميع اوروبية و أميركية شديدة التسليح مع اصدقاء أقوياء ” ( جريدة الاخبار ، فراس زعيتر ،٢٠٢٤/٣/٢٩ ) .

التهويل الإعلامي الغربي و العربي ، والمعلومات ، والتي اشكُ في صحتها ،عن ردّ إيراني مُختلفْ و مزلزل ، هو للتهديد واشاعة الذعر لدى إسرائيل ،إنْ كانت النوايا حسنة ، وقد يكون لتوريط ولدفع ايران بشن هجوم مباشر على تل ابيب ،وهذا ما ينتظره نتنياهو ، ولا ترغب به امريكا في الوقت الحاضر لانشغالها بالانتخابات ،وستُساق امريكا للدخول في الحرب والدفاع عن اسرائيل .

عدم انجرار ايران للحرب ،وتمسكّها بضبط النفس وبالصبر الاستراتيجي ، رغم اعتداءات إسرائيل الصارخة ، هو دليل على حرصها على تجنيب المنطقة ويلات وتداعيات الحرب ، وموقفها هذا يسمح للعالم ان يقارن ما بين نزعة وسلوك إسرائيل العدوانيَة وانتهاكاتها لكل المواثيق والقوانين الدولية ،و تراكمها لكل أصناف الجرائم ،وبين موقف أيران .

عدم الردّ الإيراني المباشر على داخل إسرائيل ، مع استمرار حرب غزّة ودعم إيران لحركات المقاومة الفلسطينية وفي جنوب لبنان ، سيغري نتنياهو للصعود في سُلم الاعتداءات ، فغير مُستبعد حينها بأنْ يكون الاعتداء القادم في داخل الأراضي الإيرانية ، والغرض استفزازها وجرّها إلى الحرب ،عند ذلك الحين ،تستبدل إيران صبرها الاستراتيجي بردّ استراتيجي .

  * سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /   

 

  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى