كتب حلمي موسى من غزة:
كتب المعلق الامني لصحيفة هآرتس، يوسي ميلمان، مقالا جوهره ان نتنياهو وافق بعد حرب ٢٠١٤ على خطة للقضاء على حماس مقابل تطبيع وسلام مع دول عربية كثيرة، وسرعان ما تردد في تنفيذها. وأشار الى ان تلك الخطة وضعت وقتما كانت اسرائيل في نظر الاقليم قوة عظمى ،وان ما تحاول فعله الآن يجري وهي اضعف مما كانت حينها.
اقوال ميلمان تترافق مع كثير من المقالات التي تعبر عن ان ما تستخدمه اسرائيل من قوة تدميرية وما تملكه من هذه القوة، لم يجعلها في نظر نفسها وفي نظر العالم اكثر قوة.
وهذا ما يتردد في اوساط كثير من الفلسطينيين والعرب ممن رأوا بأم العين ان ٧ اكتوبر اظهرت ان اسرائيل “بعبع” في بعض جوانبها اكثر مما هي فعلا قوة عظمى. كما ان استمرار الحرب وطولها في غزة بينت ايضا ان جانبا هاما من الحرب يظهر ان الكيان الذي انشئ للسيطرة على أمة بكاملها وهزيمة جيوشها جميعا، يواجه مصاعب حقيقية في تحقيق انتصار واضح وحاسم على قوة لا تزيد عن بضعة آلاف.
والاهم من كل ذلك ان ٧ اكتوبر وما تلاها من مقاومة باسلة بيّنت ان كل ما جرى ويجري الحديث عنه عن اجيال الحرب والتكنولوجيا العليا يصطدم بواقع انه يمكن بوسائل بدائية وبما يتوفر من مواد اذا ما استخدمت بعقل ان تشكل تحديا هائلا. فمقابل صاروخ او قذيفة بعشرات او مئات الدولارات، تستطيع ان تربك وتحيد او تدمر معدات واجهزة وصواريخ بملايين الدولارات.
وهذا يقودنا الى مسألتين مهمتين: الاولى تتعلق بالحرب على غزة والثانية تتعلق بالحرب على لبنان.
وبخصوص الحرب على غزة يكثر القادة الاسرائيليون من الحديث عن انتهاء مرحلة عملانية أخرى، والانتقال قريبا الى مرحلة جديدة اساسها حزام امني شرقي القطاع وغارات “جراحية” لمحاولة تحقيق الاهداف الباقية للحرب في الشهور المقبلة. وباختصار الانتقال من الحرب كثيفة التدمير الى حرب استنزاف لحماس.
اما بخصوص لبنان فيكثر قادة اسرائيل من اطلاق التهديدات بحرب تعيد لبنان كما غزة الى العصر الحجري. ولكن التهديد شيء والفعل شيء آخر.
امريكا لا تريد هذه الحرب في لبنان وليست متشجعة لها. وهي كما يبدو ليست متشجعة لاي عمل عسكري واسع حتى ضد اليمن ،لأنها لا تريد حربا واسعة في المنطقة. وبالتأكيد فإن الحرب مع لبنان ستكون اوسع وقد تفتح ابوابا مغلقة على الجحيم في المنطقة ،سواء على اسرائيل او على الوجود الامريكي في المنطقة.
وعدا ذلك فإن الجيش الاسرائيلي الذي تعذر عليه حسم المعركة في غزة سيجد ان الوضع اصعب بكثير في لبنان، سواء لجهة الاتساع او انفتاح لبنان على سوريا امتدادا للعراق وايران، او لجهة القوة والخبرة القتالية التي تراكمت لحزب الله والمقاومة في لبنان.
واذا لم يكن هذا كافيا فإن الانتاج العسكري الامريكي من الذخائر الذي عانى حتى الان من مصاعب في تلبية طلبات اسرائيل واوكراينا، سيواجه مصاعب اكبر اذا ما وقعت حرب مع لبنان.
ومعروف ان الجيش الاسرائيلي صار يعاني من نقص ذخائر ومن عجز امريكي مفتعل او حقيقي عن توفير هذه الذخائر.
والاقتصاد الاسرائيلي يكاد يكون على حافة الانهيار، سواء بسبب خروج قسم كبير من القوة العاملة عن خطوط الإنتاج، او بسبب تراجع خطوط الامداد وازدياد تكاليفها.
واليوم تم الاعلان عن ان مليوني اسرائيلي باتوا تحت خط الفقر في دولة كانت تعتبر بين الاكثر تقدما وتطورا في العالم. وتدل الارقام على تراجع قدرات الانتاج التكنولوجي العالي في اسرائيل بسبب الحرب.
في كل حال تهدد اسرائيل بان نافذة الفرص لتسوية سياسية تبعد حزب الله الى ما وراء الليطاني تقترب من الاغلاق، وان زمان هذه التسوية التي تقودها امريكا وفرنسا ينفذ.
واذا كان من معنى لكل ما سلف فإن الزمن الذي كانت فيه اسرائيل تسرح وتمرح وتفعل كل ما يخطر ببالها في المنطقة، انتهى وصار لزاما عليها ان تحسب الف حساب لكل خطوة.
اسرائيل بعد ٧ اكتوبر لم تعد القوة العظمى اقليميا. مأساة منطقتنا انه حتى الان لم تتوفر قوة عربية يمكنها ان تعلن عن نفسها انها صاحبة القرار في اعادة ترتيب الاوراق في المنطقة لصالح العرب وفلسطين. والخوف هو ان تبقى اوراق المنطقة بأسرها في يد امريكا ما يعني بقاءها في يد اسرائيل التي لم تعد قوية كما كانت في الماضي.