كتب حلمي موسى – غزة
بعد تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن عن ان حكومة اسرائيل الحالية هي الاشد تطرفا ،وأن على نتنياهو تغيير ائتلافه الحكومي لأنه غير قادر على التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب، وتحذيره من تآكل الدعم الدولي لاسرائيل والخطر الذي يتهدد مصير اليهود في العالم، يطرح السؤال: هل انتهت مهلة اسرائيل لإتمام الحرب؟
ان الاجابة عن هذا السؤال ليست ببساطة طرحه. فكلام بايدن الصريح كان يسمع في السابق تلميحا، لكنه هذه المرة خرج بالصوت والصورة. ومن المؤكد ان لهذا الخروج اهمية كبيرة. لكن هذا السؤال يطرح اسئلة جانبية لا تقل اهمية بينها: هل تقدرإسرائيل على تحدي أميركا؟
هنا يكون الاختلاف كبيرا بين من يرون ان الجواب هو “نعم” ومن يرون انه “لا”. واذا ترك الأمر للحلبة السياسية فإن الجواب لدى الاغلبية واضح: أميركا لا يمكنها التخلي عن إسرائيل، ولكنها تقدر ان تلوي ذراعها. وفي المقابل هناك في الحلبة ساسة متطرفون يؤمنون ان بوسع اسرائيل ان تلوي ذراع أميركا. ومؤكد ان هؤلاء الساسة يمثلون اقلية في الكيان، لكنهم مع ذاك اصحاب الدور الاكثر نفوذا في الحكومة. وهم حاليا يتمثلون في جماعة سموتريتش وبن جفير وهؤلاء نوع من السطوة حتى على بعض قطاعات الليكود.
ويشكل هؤلاء المتطرفون نوعا من التمثيل لليمينية المسيحانية الصاعدة في الكيان، والتي انتقلت تحت حكم نتنياهو من الهامش الى المركز ،وباتت صاحبة نفوذ كبير لا يستند فقط الى حجمهم الانتخابي، وانما الى ما يمثلونه في صفوف جيل الشباب المتطرف. وهذا الجيل موجود بكثرة ،ليس فقط في حزبي اليمين بزعامة سموتريتش وبن جفير، وانما في احزاب الليكود وشاس واسرائيل بيتنا، وحتى في من يدعي انه حزب الوسط كحزب غانتس.
ولذلك فإن اغلبية الجيل الشاب في الكيان تميل حتى الان للتطرف. وقد تختلف الصورة بعض الشيء لدى من هم اكبر سنّاً واقوى تجربة في الحياة العامة.
لكن الاختلافات بين الاجيال لا تلغي حقيقة ان الكيان ومنذ نشأته ،وبحكم طبيعته الاستيطانية، ينزع دوما الى اليمين وينزاح اليه تاريخيا. وليس صدفة ان كل من كانوا على الهامش يمينا صاروا في المركز وصارت تظهر على هوامشهم اليمينية احزاب اكثر تطرفا. وهذه هي سمة الحياة السياسية في الكيان.
عند اعلان الدولة كان شعار بن غوريون بشأن الحكم من دون “حيروت” ومن دون “ماكي”. وكانت حيروت حزب مناحيم بيغين وماكي هو الحزب الشيوعي. وتقريبا انتهى الحزب الشيوعي ليغدو حزبا عربيا تقريبا لا يؤخذ برأيه في الحياة العامة، فيما انتقلت حيروت عبر جاحال وبعدها الليكود لتغدو القوة الاكبر وترأس الحكومة عبر عدد من قادتها وآخرهم نتنياهو.
ونتنياهو الذي يحاول ان يظهر كزعيم وسطى شق حياته السياسية متنقلا من موقع متطرف الى موقع اكثر تطرفا، الى ان افلح في تشكيل ائتلافه الحالي الذي اسهم في بلورة احزابه. فهو كان الدافع لتوحيد حزبي سموتريتش وبن جفير لخوض الانتخابات سويا وتشكيل الائتلاف الأشد يمينية في تاريخ الكيان.
وكلام بايدن لنتنياهو عن وجوب تغيير ائتلافه الحكومي يعبر غالبا عن جهل بايدن بدوافع تشكيل هذا الائتلاف. فنتنياهو هو من يتفاخر بتدمير اتفاق اوسلو وتفريغ السلطة الفلسطينية من محتواها وتحويلها الى مجرد اداة فارغة لتلهية الشعب الفلسطيني.
وعندما يربط بايدن وجوب التغيير بالحاجة الى حل سياسي للقضية الفلسطينية فإن اول من عارضه كان نتنياهو. فنتنياهو لا يريد دولة فلسطينية ولا حتى منزوعة السلاح وهو يرفض الربط بين الضفة والقطاع، ويرفض اي حل في القدس. بل ان صفقة القرن التي عرضها ترامب لم تكن مقبولة لدى نتنياهو وشركائه في الحكم ،لانها تمنح سيادة للفلسطينيبن ولو على جزء يسير من وطنهم الذي هو في نظر حكومة اسرائيل الحالية ارض اسرائيل غير الكاملة.
فالعائق امام حل الدولتين هو نتنياهو المتدثر باليمين المتطرف الرافض لهذا الحل. وليس صدفة ان نتنياهو استبق كلام بايدن بالحديث عن رفضه اي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، واعتباره اتفاق اوسلو “أم الكوارث” ورفضه تحويل غزة الى حماستان او فتحستان.
لذلك ليس مستبعدا ان نتنياهو سيعمد الى معاندة بايدن في كل ما يتعلق بتغيير الائتلاف، وقد يجد الدعم من مكونات حزب غانتس المتمثل بجناحه الليكودي السابق جدعون ساعر الذي يرفض اي تغيير للائتلاف الحكومي قبل انتهاء الحرب.
ويعتمد الامريكيون في دعوتهم لتغيير ائتلاف نتنياهو على واقع ان الرأي العام الاسرائيلي يريد تغيير هذا الائتلاف. لكن هذا التغيير في نظر الجمهور الاسرائيلي مطلوب بسبب الفشل الذي سبق ٧ أكتوبر، وليس من اجل حل الدولتين. ولذلك فإن نتنياهو الذي سبق وان استند الى هجومية في مواجهة خصومه الداخليين وتحدي الادارة الامريكية، يمكنه ان يكرر الامر ثانية. وهو يزعم انه القاىد الوحيد القادر على تحدي الاملاءات الامريكية وانه العائق الوحيد امام الدولة الفلسطينية.
وواضح ان مثل هذا الخلاف لا يتجه الى تقصير امد الحرب. وكل ما في الامر انه قد يغير بعض مجرياتها. قد يمنع توسعها بسبب رفض أميركا التورط، ولكنه سيبقي لاسرائيل الخيار لإدارة الحرب مع غزة فترة طوبلة مقبلة اذا اصر على تنفيذ مخططاته.
وقد يقول قائل إن أميركا هي الداعم الوحيد لإسرائيل، وان نتنياهو سيحسب الف حساب للإخلال معها، لكن الرد على ذلك ان نتنياهو واسرائيل سبق واختلفا كثيرا مع الادارة الامريكية بل وصارعاها في عقر دارها، وكان ديدنهما طوال الوقت ان حاجة اسرائيل لأميركا ليست اقل من حاجة أميركا لاسرائيل. وبمثل هذا المنطق سيخوض نتنياهو الصراع الجديد.
وهنا لا بد من التطرق لدور الجيش ،حيث انه والمؤسسة الامنية تعتبران الاسناد الأميركي حزام الامان والدرع الواقي لاسرائيل.ولكن كما بدا في الايام الاخيرة صار الكابينت الاسرائيلي لا يأخذ بتوصيات المؤسسة الامنية. بل ان بعض وزراء اليمين صاروا يظهرون علنا انواعا من الاحتقار لراي هذه المؤسسة.
ومع ذلك للولايات المتحدة ادوات يمكنها استخدامها للضغط على إسرائيل، بعضها اميركي واكثرها خارج أميركا. وليس صدفة ان رؤساء حكومات كل من كندا واستراليا ونيوزلندا في بيان مشترك انتقدوا الهجمات الاسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين و طالبوا بوقف اطلاق النار.
في كل حال بدا الخلاف الاسرائيلي الاميركي في الظهور، وليس مستبعدا أنه بعد كل الجَزَر الذي قدمته أميركا لاسرائيل حان دور العصا. غير ان التجربة تشير إلى ان العصا الاميركية ضد اسرائيل ليست اكثر من قشة ،وان هذه القشة تكون ضعيفة، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الاميركية. واصلا ليس مستبعدا ان تكون تصريحات بايدن انتخابية بعدما لاحظ ان الجمهور الاميركي يرى انه لم يكن محايدا ولا متوازنا في ادائه السياسي تجاه الحرب، وان العرب وانصار فلسطين في أميركا لن يدعموه انتخابيا.