الحوار نيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب خضر خروبي صحيفة الأخبار اليوم:
لا تزال ردود الفعل الدولية والإقليمية المندّدة بجريمة القصف الإسرائيلي على مستشفى «المعمداني» في قطاع غزة، تتوالى، وآخرها استنكار «منظّمة الصحة العالمية» «الحادث» المفجع الذي راح ضحيته قرابة 500 شهيد، وأكثر من 300 جريح. وبالنظر إلى هول الجريمة وحصيلتها الكارثية، وما استتبعها من حالة غضب عارم على مستوى الرأي العام العالمي والعربي، حاولت الحكومة الإسرائيلية تقديم رواية بديلة لِما جرى، ولا سيما أنها كانت أتمّت جريمتها، وهي تتحضّر لاستقبال الرئيس الأميركي، جو بايدن. وفيما لم يكن من الصعوبة بمكان على حكومة بنيامين نتنياهو إقناع الزائر الأميركي بعدم مسؤوليتها عن الهجوم، وهو أمر تبنّاه الأخير من دون أدنى تشكيك، حين لفت إلى أن «الجانب الآخر» هو المسؤول في ما يبدو عن الهجوم الصاروخي بالاستناد إلى «بيانات وزارة الدفاع (الأميركية)»، كما قال، لم يبدُ مستغرَباً، أيضاً، أن تعمد الرواية الإسرائيلية إلى إلصاق التهمة بالجانب الفلسطيني، وتحديداً حركة «الجهاد الإسلامي»، زاعمةً أن الاستهداف الذي طاول مستشفى «المعمداني» جاء نتيجة إطلاق صاروخ «أخطأ هدفه» من جانب الحركة، محاولةً إضفاء مصداقية على مزاعمها، عبر الاستعانة بصور جوّية ومقاطع فيديو ادّعت أنها من موقع الحدث.
«الرواية الإسرائيلية» المختلَقة لواقعة المجرزة، استعرضها الناطق باسم جيش الاحتلال، دانييل هاغاري، في مؤتمر صحافي، أعلن خلاله التوجّه إلى إجراء تحقيق في ما حدث، نافياً، في الوقت نفسه، أن يكون سلاح الجو الإسرائيلي وراء أيّ غارة جوّية في المنطقة المحيطة بالمستشفى لحظة الانفجار، بدعوى «عدم وجود حفر أو أيّ شيء يشير إلى وقوع غارة جوية» في المكان، وهي ادّعاءات نفتها المقاومة الفلسطينية، مشيرة إلى تضارب روايات الاحتلال وكذبه في هذا الخصوص، ولا سيما أن الطيران المعادي يحلّق على مدار الساعة في سماء قطاع غزة.
وإذا كان تصريح رئيس الولايات المتحدة، ومن منطلق كونها الحليف الإستراتيجي «الأكثر جدارة» في تأييد إسرائيل، يُبرّر هذا التماهي معها، والذي يكاد يكون في هذه الحالة مستنسَخاً عمّا تكرّر على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين إزاء جريمة قصف المستشفى، فإن الموقف الأوروبي، المنقسم على نفسه أصلاً، حاول أن يوحي بموقف يراعي قدْراً أكبر من التوازن، مقارنةً بموقف واشنطن. فمن جهتها، اعتبرت رئيسة «المفوضية الأوروبية»، أورسولا فون دير لايين، أن «لا شيء يمكن أن يبرّر قصف مستشفى مكتظّ بالمدنيين»، معربةً عن إدانتها الشديدة للمجزرة «المروّعة». وفي كلمة أمام «البرلمان الأوروبي» في استراسبورغ، حاولت فون دير لايين، تفادي مهاجمة إسرائيل، أو تحميلها المسؤولية بشكل مباشر، مكتفيةً بالدعوة إلى «إثبات كلّ الحقائق، ومحاسبة المسؤولين عنه (القصف)». وعلى المنوال نفسه، ندّد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، بضرب البنى التحتية، باعتباره «مخالفاً للقانون الدولي»، مستنكراً «استهداف منشأة فيها مدنيون وطاقم طبي». ومكرّراً دعوة زميلته إلى إجراء تحقيق في الحادث، أكّد ميشيل أن هناك حاجة فورية إلى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة. ولعلّ الموقف الأكثر وضوحاً في التنديد بالممارسات الإسرائيلية، عكسته تصريحات الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، حين رأى أن إدانة التكتّل لـ»حماس»، لا تعني التورّع عن اتّخاذ مواقف مماثلة من إسرائيل على خلفية اعتداءاتها ضدّ المدنيين، ومخالفتها لأحكام «القانون الدولي».
راوحت تغطية الصحافة الغربية للحدث، بين «البرودة» غير المبرّرة و»المهنية» المريبة
وحذا معظم القادة الأوروبيين، ومنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، حذو الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، والذي عبّرت عنه فون دير لايين وآخرون، إذ شدّد الأول، في تغريدة عبر موقع «إكس»، على ضرورة «جلاء كلّ ملابسات» مجزرة مستشفى «المعمداني»، بالتوازي مع إعطاء أولوية لإيصال الدعم الإنساني إلى غزة «من دون تأخير»، بينما اكتفى الثاني، بعبارة مكتوبة، على حسابه عبر منصة «إكس»، طغت عليها الصيغة الإخبارية الخالية من الإنشاء وعبارات الإدانة والوعيد المألوفة في بيانات مماثلة، وهي: «لقد قُتل وأصيب مدنيون أبرياء»، ومن ثمّ أعقبها بعبارة: «قلوبنا مع عائلات الضحايا». وبقصد التحوّل عن إدانة إسرائيل، استعاض شولتس، خلال مؤتمر صحافي عقده بعد لقائه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، أمس، بالحديث عن الهجوم الذي تعرّض له كنيس يهودي في برلين، مستغرقاً في استنكار ما وصفه بـ»الفعاليات العنيفة التي يصاحبها ترديد شعارات معادية للسامية»، موعزاً إلى الشرطة الألمانية بـ»تعزيز حماية المؤسّسات اليهودية». وفي إطار نهج «التهرّب الأوروبي» من توجيه أيّ إشارات أو تعابير تدين كيان الاحتلال، نبّه رئيس الوزراء البريطاني، ريشي شوناك، إلى ضرورة عدم القفز إلى استنتاجات في شأن قصف المستشفى. كذلك، حذّر وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، من أن «فهم وقائع (المجزرة) على النحو الخاطئ، سيعرّض مزيداً من الأرواح للخطر».
وعلى وقع احتجاجات على المذبحة، شهدتها مدن وعواصم غربية عدّة، كأوتاوا وبرلين ومدريد، راوحت تغطية الصحافة الغربية للحدث، بين «البرودة» غير المبرّرة و»المهنية» المريبة؛ وهو نمط اقتصر، على غرار ما ذهبت إليه صحيفة «إندبندنت» البريطانية، على نقل ما تشيعه كلّ من تل أبيب وواشنطن حول الموضوع، وعرْض روايات مختلف الأطراف، مع إعطاء هامش أوسع للرواية الإسرائيلية، وما تروّجه حول وجود مقاطع مصوّرة، بعضها مستقاة من وسائل إعلام عبرية، وصور مزعومة تمّ التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية، وذلك في محاولتها إثبات «الهوية» الفلسطينية للصاروخ الذي تسبّب في مذبحة مستشفى «المعمداني»، مع استدراكها بأنها روايات لم يتمّ التحقّق من صحّتها. كذلك، لم تأتِ صحيفة «غارديان» بجديد أو إضافة تُذكر في هذا النمط من التغطية الإخبارية، على رغم إفرادها حيّزاً تحليليّاً يعكس «نبرة نقدية» تجاه إسرائيل لناحية اتّهامها بالقيام بحملة إبادة جماعية في حقّ الفلسطينيين في غزة، وارتكاب جرائم قتل للأطفال وتهجير للسكان المدنيين، بدعم تسليحي غربي، وبخاصّة من الولايات المتحدة وبريطانيا، مفنّدةً انتهاكات إسرائيل للاتفاقيات الدولية، وأحكام «القانون الدولي»، خلال العدوان الدائر على غزة. وخلصت الصحيفة إلى أن مَيْل إسرائيل إلى قتل المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، يتشابه مع مَيْل حكومة الولايات المتحدة إلى التنكيل بمواطنيها من الأصول الأفريقية.
أمّا صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد حاولت، عبر مراسليها في الأراضي المحتلّة، توصيف «دقائق» المشهد الإنساني المزري ولحظات الرعب عقب الغارة على المستشفى، وما أسفرت عنه لناحية تصاعد غضب شعوب المنطقة والتظاهرات التي عمّت بلدان الشرق الأوسط. وكذلك بدورها، حاولت صحيفة «واشنطن بوست»، في تقاريرها، ومدعّمة بصور ضحايا الغارات الإسرائيلية، بناء سردية «محايدة» لما جرى، منطلقةً من بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، ومن ردود فعل مسؤولي المنظّمات الدولية الإنسانية من جهة، وما أعلن عنه مسؤولون إسرائيليون في هذا الصدد من جهة أخرى، مع تركيزها على ما حملته زيارة بايدن من إشارات دعم لدولة الاحتلال.