محمد صادق الحسيني
ماذا يجري في دهاليز السياسة الامريكية ، على خلفية مقتل المواطن الامريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد خنقاً ..!؟
ماذا يحضر لمستقبل أميركا خلف الستار على عتبة استحقاق الانتخابات الرئاسية ..!؟
هل يحضر امر ما لن تظهره الشاشات الان بسبب غبار معارك الشوارع بين الانتي فا والقوى الخفية ذات اليد العسكرية الطولى التي تخرج من بين الجيش الامريكي..!؟
هل يخرج ترامب بطلا قوميا من هذه المعارك ليعود العسكر فارضين شروطهم عليه ليتخلى عن شعاراته الانتخابية في العام ٢٠١٦ ، ام يطاح به ليستلم العسكر الحكم مباشرة وتتحول أميركا الى جمهورية موز ، ومن ثم تبدأ رحلة تفكك الفيدرالية والانقسام والحرب الاهلية وزوال القوة العظمى الامريكية على وقع تغريدات وخطوات "ابو ترامب البغدادي" العنصرية والمتوحشة ، فيكون ترامب غورباتشوف أميركا في قرن افولها وانقراضها..!؟
هذه الاسباب وغيرها في القراءة التالية :
اياً تكن اسباب تفجر التظاهرات الاحتجاجية ، منذ ما يقارب الاسبوع ، في الولايات المتحده ، وبغض النظر عن السبب المأساوي المباشر لذلك ، اي مقتل الشاب الاسود جورج فلويد ،وبنظرة موضوعية لا بد من التأكيد على ما يلي :
1. هناك قوى عميقه( ليست الدولة العميقة بالضرورة) ، تحكم الولايات المتحده ، لها مصلحة في تصعيد التظاهرات وتسعير الصدامات والعمل على تحويل المواجهات الى مواجهات مسلحه .
2. لا يعني هذا الكلام تعارضاً مع الحقوق المشروعه ، والمكفوله في الدستور الاميركي ، لهؤلاء الاميركيين بالتظاهر والتعبير السلمي عن مطالبهم العادله ، لا بل الدستوريه . ونعني بالدستورية هنا حق المواطن الاميركي من اصول افريقية في المساواة الكامله والشاملة مع المواطنين البيض في البلاد .
3. وعليه فان مطالب المتظاهرين الحاليّه ، اي المطالبة بالعداله ، لا ترتقي الى مستوى حقوقهم الدستوريه . تلك الحقوق ( المساواة العمليه بين الابيض والاسود ) التي يجب المطالبة بتغيير أسس النظام الحاكم من اجل تحقيقها على ارض الواقع . وهذا يعني ضرورة انهاء التقاسم الحزبي ، بين الجمهوريين والديموقراطيين ، للحكم في اميركا دون اجراء اي تغييرات تذكر في مجال حقوق الانسان . اذ لا مساواة في ظل الطائفيه السياسيه السائده في الولايات المتحده والتي تشكل الضمانة الموضوعيه لسيطرة العرق الابيض على كل مفاصل الدولة وتفاصيلها .
4. لكن مأزق القوى او الطبقات المسحوقة في الولايات المتحدة ، المواطنون من اصول افريقية وجنوب اميركيه ، يتمثل في عدم وجود تنظيم سياسي او حزب سياسي ، يمثلهم ويقود نضالهم . وهذا يعود لما ذكرناه آنفاً ، من الدكتاتوريه السياسيه ، التي يفرضها الحزبان الجمهوري والديموقراطي ، والتي هي أقرب ما تكون الى ديكتاتورية الطوائف التي نعرفها في بعض دول العالم الثالث وفي المملكة المتحده ( حكم البروتستانت ضد كاثوليك ايرلندا ) .
5. خاصة وان ما يتصدر الاخبار والمعلومات المتداوله ، حول القوى التي تحرك هذه الاحتجاجات ، هو الحديث عن منظمة انتيفا( Antifa ) ، والتي اعلنها الرئيس ترامب منظمة ارهابية ، ما يثير الانطباع بانها منظمة ثورية تحمل برنامجاً سياسياً يهدف الى احداث تغيير جذري في الولايات المتحده . بينما الحقيقة هي غير ذلك تماماً .
6. لذا فان توضيح ماهية هذا المسمى ضروري جداً ، من اجل فهم خلفياته وآفاقه وقدراته ، وحتى ارادته في التغيير . فهذا المسمى ليس حزباً سياسياً ولا منظمة سياسية عسكريه ، كالجيش الجمهوري الايرلندي مثلاً ، بل انها مجموعة من التنظيمات الشبابيه والطلابية الصغيره المبعثرة على كل اتجاه سياسي ، من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ، والتي لا تملك لا عقيدة موحدةً ولا برنامجاً سياسياً موحداً ولا خطط عمليات موحده .
7. وهي تنظيمات منتشرة في اوروبا واميركا بشكل خاص ، ومنذ بداية عشرينيات القرن العشرين ، إثر استيلاء بيتينو موسوليني وحزبه الفاشي على الحكم في ايطاليه سنة ١٩٢٢ ، وما تلا ذلك من محاولات لصعود القوى اليمينية المتطرفة في اوروبا الى الحكم ، كمثل ادولف هتلر الذي حاول تدبير انقلاب عسكري للاستيلاء على الحكم في المانيا ، وكذلك تحرك الجنرال فرانكو لقيادة القوى الفاشية في اسبانيا والجنرال سالازار في البرتغال …
كل ذلك دفع الى نشأة هذه الحركه ، التي رفعت شعارات معاداة الفاشية والتطرف والنازيه ، وكان لها فروع ونشاطات في فلسطين ، الواقعه تحت الانتداب البريطاني آنذاك . ولكن ما كان يجمعها بالتنظيمات الموجوده في اوروبا هو شعار " التضامن مع اسرائيل " والتي لم تكن موجودة في تلك الحقبه .
8. اذن فما يطلق عليه اسم أنتيفا حالياً ما هو الا مظلة لمجموعات ، تسمي نفسها يسارية ، تمولها وتحركها ، في حقيقة الامر حالياً ، القوى الخفيه التي تحكم الولايات المتحده الاميركيه . وهي لا زالت ترفع شعار التضامن مع اسرائيل وتعتبرها البقرة المقدسه ، التي يجب رعايتها وتسمينها .
9. اما عن علاقة ذلك بما يدور حالياً من احتجاجات في الولايات المتحده فتتمثل في ان القوى الخفيه ، التي تحكم هناك ، وبرغم عدم ظهور اي دور واضح لها ، الا انها تعمل على استغلال هذه التحركات الجماهيرية العادله لمصلحة ممثله ( القوى الخفيه ) الجالس في البيت الابيض ، وذلك من خلال حملة التصعيد التي ينفذها ترامب والهادفه الى عسكرة المواجهات بهدف :
أ)اظهار نفسه كرئيس قوي ، قادر على ضبط النظام والوقوف في وجه " المنظمات اليسارية " التي تعمل ضد مصالح الولايات المتحده حسب رايه ، وذلك في محاولة لاعادة تحشيد انصاره ، من العنصريين البيض ، بعد الاضرار التي لحقت بصورته بسبب فشله في ادارة ازمة كورونا داخلياً وفشله في ادارة التوتر مع الصين خارجياً ، مما جعل جمهوره من المزارعين يتعرضون لاضرار وخسائر كبيره ، اثر قيام الصين بالغاء العديد من صفقات المنتجات الزراعيه التي كانت ستستوردها من الولايات المتحده .
ب)تأجيج الصدام الداخلي ، بشكل يوصله الى الصدام المسلح ، وذلك بهدف تأجيل الانتخابات الرئاسيه القادمه ، اذا ما اتضح لترامب والقوى الخفيه التي تدعمه انه لن يفوز في هذه الانتخابات .
وهذا يعني ان خطابه العنصري وتصرفاته الرعناء مدروسةً بعنايه ومخطط لها بدقة وتهدف الى خلق الظروف المناسبه لاعادة انتخاب ترامب ، وتحويله الى اداةٍ في ايدي تلك القوى الخفيه ، من اجل استغلاله لتنفيذ مشاريعهم العدوانيه العسكريه ، سواءً ضد الصين وروسيا او ضد ايران ومحور المقاومه . خاصة وان هذه القوى هي من المتطرفين الانجيليين ، المحافظين الجدد ، الذين تربطهم مصالح عقائديه وماليه كبيره مع الدوائر اليهودية التي تدعم نتن ياهو في الولايات المتحده ، والتي لا تتوانى عن اشعال الحروب ، خدمة لمصالح تجمع الصناعات العسكريه الاميركيه .
10. وفِي اطار التصعيد الكلامي والعملي ، من قبل ترامب ، والمشار اليه اعلاه ، فان مرافقة رئيس هيئة الاركان العامه للجيوش الاميركيه ، الجنرال مارك اليكساندر ميلي ( Mark A. Milley ) للرئيس الاميركي ، في زيارته البائسة لكنيسة يوحنا بولص الثاني ، في واشنطن ، وان لم يظهر الجنرال ميللي في الصور الا ان آلاف الامريكيين قد شاهدوه هناك بالعين المجرده . وبالتالي فان وجود الجنرال ميللي مع ترامب قد أججَ موجة الغضب العارمة ، التي اجتاحت الاوساط الاميركيه ، رفضاً واستنكاراً لاستغلال ترامب للدين والمشاعر الدينيه الانسانيه للمواطنين الامريكيين ، لما لذلك من معانٍ ، لا يمكن التستر عليها .
ومن بين اهم معاني حضور هذا الجنرال ، الرفيع المنصب ، ما يلي :
•تهديد رئاسي مباشر للمواطنين ، الذين تم اجلائهم بالقوة من محيط الكنيسه ، باستخدام القوه العسكريه للجيش الاميركي لقمعهم احباط تحركاتهم ومنعهم من ممارسة حقهم الدستوري في التعبير عن الرأي ، ما يعتبر تعدياً على الدستور وحقوق الانسان يستوجب محاسبة مرتكب هذه الجريمة ومن تواطأ معه في ارتكابها ( الجنرال ميللي ) وتقديمهم للمحاكمه ، حسب ما تنص عليه القوانين الاميركيه .
•تحريض الرئيس ترامب ، من قبل القوى الخفيه الحاكمه في واشنطن ، على اتخاذ المزيد من خطوات التصعيد ضد المتظاهرين ، وذلك عبر الايحاء له وللرأي العام الاميركي ، بان الجيش يساند ترامب ، في ما يتخذه من اجراءات قادت البلاد الى حالة غير مسبوقة من الانقسام والحقت اضراراً كبيرة بمصالح الولايات المتحده وسمعتها الدوليه واظهرتها كدولة دكتاتوريه تمارس اقسى درجات العنف ضد مواطنيها دون اي مبرر لذلك .
وهو الامر الذي يظهر نفاق الادارة الاميركيه الصارخ ، اذ انها تتهم كل دول العالم تقريباً ، بعدم احترام حقوق التعبير عن الرأي وتطالبها باحترام تلك الحقوق . ولكن شرطة ترامب " التي تحترم حقوق الانسان " ، قد داست رقبة المواطن الاميركي حتى قتلته خنقاً ، مع ما يرافق ذلك من ألم وتعذيب لا يمكن تخيل شدته . وهذه جريمة اضافية يجب ان يحاكم الرئيس الاميركي على ارتكابها ، ليس فقط بصفته رأس الدولة ، وانما بصفته مقصراً في اتخاذ الاجراءات الاداريه والقانونية اللازمة ، التي كان يجب ان تحول دون وقوع هكذا جريمةً مروعة .
من الان حتى عشية الانتخابات الامريكية المرتقبة في نوفمبر القادم ، ستظل عيون العالم شاخصة الى واشنطن عاصمة الولة الاعظم في العالم سابقاً والقوى الخفية التي تحاول الانتقام لهزيمة أميركا على ابواب بلاد الشام وبلاد الرافدين واسوار صنعاء وتخوم ايران الثورة والاسلام ورجال الله في فلسطين ولبنان من معالوت الى ايلات ومن الجولان الى الجليل الى غزة وكل شبر من الضفة الغربية التي ساهم اهلها الصابرين والمحتسبين الى جانب بحر اهلهم العرب والمسلمين في تهشيم وتقزيم جسم الامبريالية الامريكية وتحويلها الى نمر من ورق ..!
حتى ذلك اليوم نقول:
من كان يعبد أميركا وجبروتها فان أميركا في حالة احتضار،
ومن كان مخزن دولارات عليه ان يستبدلها بالتومان،
او الروبل او اليوان،
هو الله الحي الذي لا يموت
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام.
