لماذا لا يتعلم جعجع من تجربة شمعون؟ (حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز
كرس الانتداب الفرنسي صيغة الحكم الطائفي في لبنان، مقدما الطائفة المارونية على سائر الطوائف اللبنانية من اسلامية ومسيحية (غير مارونية)، بعد أن أعطيت فرنسا حق إنتداب لبنان بموجب اتفاقية سايكس – بيكو (16/أيار/ 1916، كما هو معروف.
وبعيدا عن السياق التاريخي لولادة النظام للبناني كمولود “غير طبيعي” حينذاك، والانقسام الحاصل بشأن حدود لبنان وطبيعة نظامه وشعور غالبية اللبنانية بالامساواة والتمييز في ادارة الحكم والبلاد، فإن ما انتجته التطورات الطبيعية لاحقاً جعل من لبنان قنبلة قابلة للإنفجار عند كل استحقاق وطني أو قومي.
في عهد الرئيس كميل شمعون، كانت قد نضُجت، بعد 12 عاما على استقلال لبنان، حالة معارضة وطنية تقودها أحزاب قومية وعلمانية، تطالب بنظام وطني. مقابل ذلك أصر شمعون على التمسك بإمتيازات مذهبية، وعلى حمايتها ولو اقتضى الأمر طلب تدخل جيوش أجنبية لحماية النظام في مواجهة تنامي الحالة الوطنية المطالبة بتغيير النظام أو تطويره بما يحقق المساوة بين المواطنين اللبنانيين.
وبالفعل، خالف شمعون مبدأ حياد لبنان والتحق بحلف بغداد العام 1955 الذي كان يضم آنذاك كلا من العراق وتركيا وباكستان وبريطانيا، ليستقوي به، على الجمهورية العربية المتحدة (مصر – سوريا) برئاسة جمال عبد الناصر والتي كان لها أنصار كثر في لبنان، آمنوا بالوحدة، دون أن يشكل ذلك مساً بالكيان اللبناني، فجلّ ما كانوا يطالبون به: نظاما وطنيا لا تمييز فيه ولا امتيازات لطائفة على أخرى، أو مواطن على آخر.
لعبة شمعون الإستقواء بالخارج على الشريك المحلي، لم تدم طويلا، فقد أسقط انقلاب عسكري الحكم الملكي في العراق في تموز 1958، فسارع شمعون الى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان، أو حجة، مواجهة المد الشيوعي والنفوذ السوفياتي، بعد أن كان “لبنان الشمعوني” في العام 1957 قد أعلن رسميا إنضمامه الى مجموعة الدول التي المؤيدة لما عرف بمشروع أيزنهاور، الذي منحت الولايات المتحدة نفسها بموجبه، حق التدخل في الدول المهددة من قبل الحركة الشيوعية.
ونتيجة ذلك، دخل لبنان، نحو 14 الف جندي أميركي لحماية حكومة شمعون ونظام الامتيازات المذهبية، وجرت محاولات لتقويض المعارضة وترهيبها، وقاد المعارضة الوطنية، حينها، الزعيم كمال جنبلاط، وبدأ صراع حقيقي كاد أن يفجر حربا أهلية شاملة (تأجلت الى العام 1975) لولا تدارك القادة العرب وفي مقدمهم سوريا ومصر، حيث انتهت الحوارات الىى تسليم الولايات المتحدة بخطورة الموقف، فطلبت الادارة الأميركية من شمعون الاستقالة للإتيان برئيس لبناني “معتدل” وهذا ما حصل.
اليوم، يعيد حزب القوات اللبنانية لعبة الإحتقان المذهبي، ورفض الاتيان برئيس معتدل وتتمسك القوات، بالتعاضد والتضامن مع التيار الوطني الحر، بحق الأحزاب المارونية بالإمتيازات التي الغاها اتفاق الطائف. وكلاهما (القوات والتيار) يرفضان تنفيذ ما تضمنته “وثيقة الطائف” من اصلاحات سياسية وإدارية كمقدمة لولادة لبنان جديد، انتهت بموجبها حرب 1975.
يذهب سمير جعجع بعيدا في استجداء التدخلات الخارجية وإن بأشكال مختلفة، ويجاهر بها قادة حزبه، وتستغل هذا الموقف الولايات المتحدة من أجل تحقيق المزيد من الضغط كرمى لعيون دولة الإحتلال، لا كرمى لعيون جعجع.
فيما يعاند التيار، على عادته من أجل تحقيق مكاسب فئوية على حساب مصالح البلاد. ويقف البطريرك الراعي حائرا بين الطرفين…
المشهد، هو هو، والزمن يعيد نفسه، من حرب الى حرب، من 58 الى 75 …فإلى متى هذه المكابرات غير المحسوبة؟