عزوف الحريري يعيد المشاورات الحكومية الى نقطة البداية..وأقصر السبل تعويم حكومة حسان دياب!
كتب واصف عواضة:
حسم الرئيس سعد الحريري موقفه من السباق الحكومي .أصدر بيانا واضحا يعلن فيه صراحة أنه ليس مرشحا لرئاسة الحكومة العتيدة ،متمنيا على الجميع سحب اسمه من لائحة التداول.
ليس في قرار الحريري غنج ولا دلال.سبق له أن أعلن موقفا مماثلا قبل اختيار حسان دياب رئيسا مكلفا في التاسع عشر من كانون الأول من العام الماضي..لكن هذا الموقف ،كما في المرة السابقة ،أعاد المشاورات الحكومية ،تكليفا وتأليفا ،الى نقطة البداية ،وربما الى نقطة الصفر ،فاختلطت الأوراق من جديد أمام القوى السياسية برمتها.
صحيح أن الرجل يعرف حده ويقف عنده.والأسباب عديدة ،لكن أبرزها:
1- يعرف الحريري تمام المعرفة ثقل المرحلة المقبلة بعدما استعرّت الأزمة وبات الخروج منها بمثابة الحلم .وضع اقتصادي ومالي ونقدي متفلت ،يواكبه واقع سياسي متأزم،ترافقه مداخلات عربية ودولية متناقضة .فلماذا يحشر الرجل نفسه في هذه الدوامة المقلقة التي لا يعلم الا الله مداها ومنتهاها؟
2- لا يخفى على الشيخ سعد مدى حضور المملكة العربية السعودية في لبنان ،خاصة لدى الطائفة السنية الكريمة التي تنتج رئيس وزراء لبنان بحكم العرف السائد.وتجربة حسان دياب وغيره من قبل علمته الكثير.والحريري لم يلمس حتى الآن موافقة سعودية ،بل حتى مجرد إشارة طيبة من المملكة ،لتزكيته رئيسا لحكومة لبنان "الكونية".وعلى الرغم من كل ما قيل ويقال،وحده الحريري يعرف أسباب هذا الفتور كما تعرفه المملكة.
3- على الرغم من "الحنان الفرنسي" الذي يغمر لبنان في هذه الأيام،فإن "الاحتضان الأميركي" لأي حكومة يبقى الأساس.والواضح أن الإدارة الأميركية المنهمكة بانتخاباتها الرئاسية ،همها بالكيان الصهيوني وليس بلبنان ،لأن المؤثر الأكبر في هذه الانتخابات هو اللوبي اليهودي وليس "التاسك فورس فور ليبانون"(فريق العمل من أجل لبنان)،وبالتأكيد لا سعد الحريري ولا غيره قادر على تحقيق رغبات أميركا في بلاد الأرز ،وأول هذه الرغبات عزل حزب الله وتحقيق مكاسب معينة لإسرائيل.وعليه ما من حماس أميركي لعودة الحريري على رأس حكومة لبنان.
4- لا يغيب عن بال الحريري أن "الشارع" الذي قاد "ثورة 17 تشرين" ومعظم نخبه ،ترفض عودته الى السراي .أكثر من ذلك ،فإن حلفاءه الرئيسيين ،قوات واشتراكيين وكتائب وغيرهم ،أعلنوا صراحة أنهم لا يؤيدون تكليفه.ولم يعد سرا أن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لا يرغبان به.وحده الثنائي الشيعي وبعض حلفائه متمسكون بالحريري من زوايا مرتبطة بالواقع اللبناني.فالرجل في نظرهم يمثل الحصان الأقوى والأكثر تمثيلا في طائفته ،ومن زاوية أخرى فقد كان الحريري شريكا في ما وصل اليه لبنان ،ومن واجبه أن يتحمل مسؤولية الإنقاذ مع الآخرين.وقد كان الرئيس نبيه بري واضحا أكثر من مرة في تقدير هذه الزوايا.
في أي حال ،بدأت من اليوم رحلة التفتيش عن البدائل بعد انقطاع الأمل بالحريري.صحيح أن الخيارات البديلة واسعة من حيث الشكل ،والطائفة السنية الكريمة تزخر بالكفاءات،لكن هذالخيارات ضيقة من حيث المضمون السياسي،ليس على مستوى الشخصيات ،وإنما على صعيد الاجماع أو تأمين غالبية برلمانية لأي مرشح لهذا المنصب.وعليه يجد المعنيون ،خاصة رئيسي الجمهورية ومجلس النواب نفسيهما اليوم في حالة من الإرباك ،وقد كان الرهان على الدعوة الى الاستشارات الملزمة في اليومين المقبلين ،لكن خطوة الحريري فرملت هذه الاندفاعة.
وفي استعراض للاسماء المرشحة للتكليف ،يرى بعض "الخبثاء" أن الاستعانة بالرئيس حسان دياب هي أقصر وأيسر السبل ،والأفضل إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال مع بعض التعديلات الوزارية ،ورفع كل العوائق من أمامها لتحقيق الإصلاحات المنشودة ..وكان الله يحب المحسنين!!