في مثل هذا اليوم :كوماندوس إسرائيلي يغتال ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين عام 1973 في بيروت(القصة الكاملة للعملية)
الحوار نيوز – خاص
في مثل هذا اليوم من العام 1973 ،نفذت القوات الإسرائيلية عملية ليلية في شارع فردان في بيروت اغتالت خلالها ثلاثة من كبار قادة حركة فتح”، هم كمال نصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، في غارة كوماندوس أطلق عليها إسم عملية فردان أو عملية “ينبوع الشباب” كما سماها الكيان الصهيوني.
كما قام الكوماندوس الاسرائيلي بتفجير مقر للجبهة الشعبية ، وقُتِل اثنان من الجنود الإسرائيليين. ونتج عن العملية استقالة رئيس الحكومة اللبنانية صائب سلام، وتدهور علاقات منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام اللبناني.
بعد 46 عاما على هذ العملية ،كشف جهاز الموساد الإسرائيلي تفاصيل العملية ، مشيرا إلى مشاركة نحو 3000 جندي وموظف لنجاح العملية.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تفاصيل العملية،وذكر الصحفي الإسرائيلي المتخصص في قضايا الاستخبارات رونين برغمان، أن العملية نفذت في منطقة فردان ببيروت الغربية ليلة العاشر من نيسان عام 1973م.
خلاف في القيادة
وقال برغمان إن هناك خلافا كان سائدًا داخل القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل حول تنفيذ عمليات اغتيالات في صفوف قادة منظمة التحرير عقب اختطاف طائرات مدنية إسرائيلية.
وأردف: “لكن رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير التي كانت معارضة لهذا النهج ،أعطت الضوء الأخضر لعملية فردان، انتقامًا لعملية ميونخ في ديسمبر 1972”.
وبدأت قوات إسرائيلية التدرب، في بنايات قيد الإنشاء وشاطئ البحر شمال تل أبيب، على تنفيذ عملية اغتيالات واسعة في بيروت، وأُطلقت عليه اسم “ربيع الشباب”، أو عملية “فردان”.
حقائق جديدة
وبيّن أنه في البداية جرى تكليف وحدة “قيسارية”، وهي شعبة العمليات في الموساد، بالاستعداد لتنفيذ عمليات اغتيال فلسطينيين في عواصم أوروبية.واقترح رئيس هذه الوحدة مايك هراري، تشكيل وحدة خاصة لتنفيذ هذه المهمات، وأطلق عليها وحدة “كيدون” (الرمح)، وذلك في منتصف العام 1969.
وبسبب معارضة غولدا مائير لم تنفذ عمليات كهذه، لكن هراري أصدر تعليمات لـ “كيدون” بمواصلة التدرب.وبعد السماح بتنفيذ عملية اغتيال واسعة عقب عملية ميونيخ تبين أن وحدة كيدون غير قادرة على تنفيذ عملية كهذه في بيروت”.ولفتت الصحيفة النظر إلى أن “قسمًا من أفراد كيدون لم يتدرب أبدًا على إطلاق النار أو لم يخدم في الجيش الإسرائيلي”.
وإثر ذلك جرى تكليف “سرية هيئة الأركان العامة”، بقيادة ايهود باراك(رئيس الوزراء لاحقا)، بتنفيذ عملية “ربيع الشباب”، لكن لم تكن لدى الإسرائيليين معلومات كاملة حول أماكن تواجد القياديين الفلسطينيين.
جاسوسة إسرائيلية في بيروت
في تشرين الأول/أكتوبر عام 1972، وصلت رسالة مشفرة إلى قاعدة عسكرية سرية تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، جاء فيها “أطلب لقاء عاجلًا”.
مرسل هذه الرسالة، كما قال برغمان، هو أحد أهم العملاء لإسرائيل في الشرق الأوسط. “وقد بدا من رسالته المقتضبة أنه توجد معلومات هامة بحوزة هذا العميل”.
وتابع: “تبين أن العميل زوّد مشغليه الإسرائيليين بعنوان بيوت أربعة قياديين في فتح؛ النجار وعدوان وناصر، الذين كانوا يسكنون بجوار بعضهم، إضافة إلى خليل الوزير (أبو جهاد)”.وقال العميل إن القيادي الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) كان يزور بيوت الثلاثة الأوائل.
وزود العميل كمية كبيرة من المعلومات حول مواقع أخرى تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبينها ورش لصنع أسلحة ومواقع قيادية ومكاتب، وفق الصحفي الإسرائيلي.
واستطرد: “بناء على تلك المعلومات قرر قادة وحدة قيسارية إرسال جاسوسة تدعى ياعيل، إلى بيروت، وكان اسم الكود لها نيلسن”.
وكانت قصة تغطية تواجد “ياعيل” في العاصمة اللبنانية أنها جاءت من أجل إعداد فيلم وثائقي، وحصلت على عقد مع شركة إنتاج بريطانية.
وصلت ياعيل إلى بيروت، في منتصف كانون ثاني 1973، ونزلت في فندق، وبعد أيام استأجرت شقة في بناية تقع مقابل البنايتين اللتين يسكنهما عدوان ويوسف والنجار.
وحسب برغمان، فإن ياعيل تعرفت على أشخاص كثيرين وتجولت بحرية في منطقة سكنها، حاملة محفظتها وبداخلها كاميرا التقطت بواسطتها صورًا كثيرة وأرسلتها إلى الموساد.
واستدرك: “بين هذه الصور، صور للشارع الذي تقع فيه البنايتان وشقق المسؤولين الفلسطينيين الثلاثة، وصورة لحارس عدوان”.
معلومات استخباراتية
وأفاد بأن “الملفات التي أعدها الموساد كانت مليئة بمعلومات كثيرة. كما أعد ألبومات صور شخصية لكل واحد من المستهدفين، إلى جانب معلومات وصلت من ياعيل ومصادر أخرى”.وجمعت ياعيل تفاصيل حول مركز الشرطة القريب، ويقع على بعد 200 متر عن سكناها.
ورصدت ثلاث شركات تأجير سيارات أميركية من أجل نقل عناصر القوة الإسرائيلية وعتادهم.وخلال الإعداد لعملية الاغتيالات، تقرر أيضًا تفجير بناية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
عملية الاغتيال
حتى هذه المرحلة من التخطيط لم يكن هناك تعاون بين الموساد والجيش الإسرائيلي في عمليات اغتيال. ورغم ذلك تقرر أن تنفذ قوة من الجيش العملية في قلب بيروت، وليس الموساد.ويعود ذلك إلى سياسة إسرائيلية، مفادها أن إسرائيل بإمكانها نفي اغتيالات ينفذها الموساد، لكن يصعب نفي عمليات ينفذها الجيش وترافقها ضجة كبيرة وتشارك فيها قوات.
الفكرة الأولية التي طرحها رئيس أركان الجيش دافيد بن إليعازر، أمام باراك، كانت تقضي بغزو البنايتين وإخراج السكان منهما، ومن ثم التعرف على القادة الفلسطينيين الثلاثة وقتلهم.وقد اعترض باراك على المخطط لأنه بدا خطيرًا.
خطة باراك
واقترح باراك خطة تقضي بأنه “بعد أن نكون متأكدين من أن الأهداف الثلاثة يتواجدون في بيوتهم، يجب أن ندخل إلى المدينة، مع قوة صغيرة، ليس أكثر من 15 مقاتلًا، والوصول إلى الشقق، واقتحامها، وقتلهم، ثم الانسحاب؛ خلال بضع دقائق”.
وتابع: “سيكون بمقدورنا أن ندخل ونخرج قبل وصول قوات أخرى، وعندما يدركون ما حدث سنكون خارج البلاد. والأمر الأهم هو الحفاظ على عامل المفاجأة”.
وعندما خرجت عملية الاغتيالات إلى حيز التنفيذ، توجه 6 من أفراد وحدة “قيسارية” إلى بيروت عبر عواصم أوروبية مختلفة، حاملين جوازات سفر مزورة.
نزل أفراد الوحدة في فندق “سندس” في العاصمة اللبنانية، واستأجروا سيارات أميركية كبيرة وركنوها في موقف السيارات التابع للفندق.
في اليوم التالي التقى أحدهم مع ياعيل، في فندق انتركونتننتال، وسلمته المعلومات الجديدة التي جمعتها عن المستهدفين. وبعد يومين التقيا ثانية، بعد أن شاهدت ياعيل المستهدفين في بيوتهم.
في 9 نيسان/أبريل، تجمعت القوات الإسرائيلية، من “سرية هيئة الأركان العامة” ولواء المظليين بقيادة أمنون ليبكين شاحاك، في قاعدة سلاح البحرية في حيفا.وفي الساعة الرابعة بعد الظهر أبحرت بوارج إسرائيلية على متنها الجنود، وعند الساعة السابعة التقى أحد أفراد “قيسارية” مع ياعيل في فندق ببيروت وأبلغته أن المستهدفين الثلاثة في بيوتهم، وتم إبلاغ القوة في البوارج بأن “العصافير في العش”.
3000 جندي شاركوا في العملية
جرى إنزال 19 زورقًا مطاطيًا من ثماني بوارج، حملت أفراد القوة الإسرائيلية إلى شاطئ بيروت، بينهم 21 جنديًا من “سرية هيئة الأركان العامة” و34 من الكوماندوس البحري و20 من سرية المظليين.وفي المقابل كانت قوات برية وبحرية وجوية في حالة جهوزية، بحال تشوش العملية.وقد بلغ العدد الإجمال للجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في العملية قرابة 3 آلاف، حسب برغمان.
لدى وصول القوات إلى الشاطئ، حمل أفراد الكوماندوس البحري قوات “سرية هيئة الأركان العامة” على أيديهم كي لا يتلف مكياجهم، فقد كان قسم منهم متنكر كنساء.
وعندما وصلت القوة الإسرائيلية إلى البنايتين اللتين يسكنهما المستهدفون الثلاثة، صعد أفرادها الدرج، ولدى وصول كل واحد من الفرق الثلاثة إلى باب شقة أحد المستهدفين، ألقوا عبوات ناسفة، تسببت إحداها بمقتل جارة النجار.وبعد ذلك أطلق الضابط موكي بيتسر النار على النجار وأرداه قتيلًا. كذلك قتل زوجة النجار.
وأطلق ناصر النار من مسدسه وأصاب جنديًا إسرائيليًا، ثم قتله أفراد الفريق من “السرية”.
وحاول عدوان إطلاق النار من بندقية كلاشينكوف بحوزته، لكنه تردد لأنه شاهد رجلا و”سيدة” عند باب شقته، وقام الضابط إيتاي نحماني بقتله.
مقتل جنديين إسرائيليين
في إطار عملية “ربيع الشباب”، توجهت سرية المظليين بقيادة ليبكين شاحاك إلى حي آخر في بيروت، وتوقفت عند مبنى مؤلف من سبعة طوابق، ويتبع للجبهة الشعبية.
لم تكن هذه القوة تعلم بوجود موقع حراسة أمام المبنى، بسبب نقص في المعلومات الاستخبارية، ووقع اشتباك مسلح أسفر عن مقتل جنديين إسرائيلين وإصابة ثالث بجراح خطيرة.
بعد ذلك فجرت سرية المظليين المبنى، ما أسفر عن مقتل 35 مقاتلًا من الجبهة الشعبية، حسب برغمان.
أزمة سياسية في لبنان
تركت هذه العملية أزمة سياسية في لبنان حيث استقال رئيس الحكومة في ذلك الحين صائب سلام ،احتجاجا لما حصل،محملا قيادة الجيش اللبناني المسؤولية،مطالبا رئيس الجمهورية سليمان فرنجية بإقالة قائد الجيش العماد إسكندر غانم.
وقد مهدت هذه الأزمة لصراع لاحق بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية ،كما مهدت لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.