يا نساء لبنان:متى تلدن لبنان الجديد؟ ( نسيم الخوري)
بقلم الدكتور نسيم الخوري
تتقدّم الصفات القيادية للمرأة أمامنا بشكلٍ لافت يجذب الحبر رحباً حيال حروب الذكورالمتفاقة بالخرائب.لا أتكلّم عن المرأة المفتونة بالغرب أو بالشرق بما يوقعنا بالمعاصرة المحكومة بسرعة الذوبان عند الإختلاط. أكتب في اليقظة الأنثوية الهائلة بعلومها ومقدراتها ونظافتها المتقدّمة البارزة بما يذكّرني بكتاب راج لنوال السعداوي عنوانه:”الأنثى هي الأصل”.
ليس “الأصل” المستمد حريته وقوته ونهضته الخاصة فقط من إحتضان الحياة والتكاثر والتربية فقط، وهذا جوهري ومقدس بالطبع، بل بمعناه الزاخر بما يتجاوز بذور التغيير البيولوجي إلى تحقيق التغييرات والإلتواءات والفساد المنتشر في حكم العالم حيث تتراجع الذكورة في لبنان مثلاً، وتتعاظم التأثيرات الفعّالة التربوية والإجتماعية والوطنية والسياسية القيادية للمرأة في ما يجعل من الذكورة والأنوثة أنساقاً واحدة متباعدة في بذر قيم التغيير في المجتمعات إذ تتقدّم الأنوثة على الذكورة.
يمكنني مثلاً، الإشادة بالمرأة تقود المتظاهرين في ما سُمّي ب”الثورة” في لبنان 17 نوفمبر2019. كانت المشاهد طافحة بالآمال وبالتحديات التي تخطّت الأحزاب التقليدية وأحرجتها فبعثرتها. لم يُكتب كثيراً في المجال. إنّ مواصفات القوّة لدى المرأة اللبنانية أسّست لمنقاشات أكاديمية جيدة في الجامعات اللبنانية والمنتديات والمقاهي حول مفاهيم التغيير وأساليبه الثورية ومظاهرهما ونتائجهما في تحولات المجتمعات والأنظمة بين تقدم الأنوثة وتراجع الذكورة.
لنقل أن الأنوثة خرجت من بين الحواجز والأقواس القوسين ويتظهّر التفريق القيادي بين الأنوثة والذكورة بفتح النوافذ أمام النساء في لبنان والسعودية وبلدان الخليج وعبرعواصف الربيع العربي الغابرة وصولاً إلى مشاهد إيران. ستبقى الذكورة بسلطاتها التقليدية المتوارثة ثابتة وضرورية عبر قوة الجسد لا نبرة الكلام والعنف والعقل والجرأة كأساليب ذابلة للتعبير عن قوة الشخصية وقدرتها في الإقناع والإنتاج والتغيير.
صحيح أنّ الثورة مؤنّثة لغويّاً، لكنها أُجهضت وألصق بها إسماً آخر هو الحراك في لبنان، والحراك صيغة تخفي استرجاعاً غير مباشر لمواقع الذكورية التقليدية السخيفة ربّما حماية للإنوثة من التعنيف السياسي الذكوري المحض المُقابل الذي قمع وأدمى وهدّد ويهدد ويستصغر وكأنه يرمينا بتجدد الحروب.
الصوت ملكة ذكوريّة، لأن الأنثى لم تخضع تاريخياً للتدريب البلاغي القائم على الشفاهية الذي كان الأولاد يتلقونه في المدارس، ومع أن أسلوب الأنثى أقلّ شفاهيّةً من الناحية الشكلية من الذكور، فإن نتائج لا بدّ أن تترتب على هذه الظاهرة تثير أفكاراً ودراسات جديدة كبيرة الأهمية. المرأة مستمعة جيّدة وأكثر تعاوناً وانفتاحاً وقناعة بالجديد من الأفكار، وتبدو شقيقة للديمقراطية والتعاون وتحفير المشاركة لوجهات النظر المغايرة والميل إلى التوفيق درءاً للتعقيدات والعداوات.
لو دارت الخلافات بين الأشقاء في عائلة واحدة، فويل لهذه العائلة إن لم يكن هناك شقيقة تُعيد إصلاح ذات البين بينهم وهي غالباً ما تنجح في التوفيق والوصل دون فرض الآراء باعتبارها أكثر تعاطفاً مع الرجل وتؤمن بالمساواة في القرن الراهن كهدفٍ أسمى لإشاعة التغيير والخروج من دوائر القمع والتشييء المستهلكة في المجتمعات الجامدة.
قالت طالبة دكتوراه جامعية: لا تميل المرأة غالباً إلى استخدام القوة والإفتخار في تحقيق الإنجازات المتعددة التي تملأ شاشات العالم، هي بحر ظاهر من التعاطف الهاديء مع الأطفال والفقراء والأعراق والرعاية والصحة والتعليم بملامح حافلة بالرعاية والتفهم للآخرين.
وقالت طالبة عالية الصوت مشاكسة في قاعة محاضراتنا الجامعية أنّ كلمتين حادتين “انصتي وأخفضي صوتك” لم تغادرا أذنيها مذ كانت طفلة في السرير، ومهما حاولت إخفاء صوتي، فإنّه لن يكفّ إلى الدرجة التي لا يكون تعبيراً جسدياً يُظهر قدرات عصرية تتجلّى في النبرة الجريئة والحازمة والعميقة إلى جانب الرجال المتكلمين الذين يتشبثون بالسلطات الطبيعية والمكتسبة التي لطالما كانت تؤمن نجاحهم. هذا صحيح .أليس معظم السياسيّين ورجال السلطة في لبنان والوطن العربيّ وحركات الأيدي والجسد ومجموعات الخطب والأقوال الحرّة والتصريحات المختلفة هي مظاهر للثقافات الشفاهيّة المحكومة والحاكمة بما يردم التخطيط والتنفيذ؟