رأي

واجب إسناد المفاوض الفلسطيني (زياد علوش)

 

د. زياد علوش* – الحوارنيوز

 

للشهر السابع على التوالي تستمر غزة مقاومة وشعباً صامدة صابرة محتسبة في وجه فظائع العدو الصهيوني،ولا يزال مفاوضوها ثابتين على الحقوق.

المفاوضات تجري برعاية قطرية مصرية وانحياز امريكي كلي لصالح اسرائيل. وزير الخارجية الامريكي “انطوني بلينكن” يطالب الدوحة وقطر بدفعهما حماس للإستسلام وتحميلها وزر فشل المفاوضات ما لم تقبل الاملاءات الظالمة،وبالتاكيد لن يفعل الراعيان العربيان ذلك، خصوصاً قطر الداعم العربي المهم لغزة.

المفاوض الفلسطيني يحتاج الى الدعم العربي والاسلامي الشعبي والرسمي كما الدعم الدولي الممكن ، لتحقيق وقف فوري ودائم للمعركة الحالية وانسحاب جيش الاحتلال من غزة وعودة المهجرين وتبادل الاسرى وإعادة الإعمار على وقع تدفق المساعدات الانسانية،وهذه كلها مطالب محقة وملحة،فالشروط الاسرائيلية تعجيزية، الهدف منها كسب المزيد من المماطلة للاستمرار في ارتكاب المزيد من المجازر.

إن ماهية الدعم العربي والاسلامي تتطلب مروحة واسعة من المواقف والاجراءات.على الصعيد الشعبي لا بد من صوت جماهيري هادر دافع ومساند للمواقف الرسمية في هذا الاتجاه،ورسمياً وجوب صياغة موقف سياسي ودبلوماسي وإعلامي موحد ومتماسك في وجه امريكا، والقول ان مصالح واشنطن ستتضرر في المنطقة باستمرار انحيازها الى جانب اسرائيل، وفي الشق العملي إذا ما خلصت النوايا العربية والاسلامية وتمتعت بالدوافع المناسبة، لن تألو جيوشنا الجرارة واجهزة استخباراتنا،وقد تحولت من ارهاب الشعوب في الداخل وحراسة الاطماع الخاصة الى جبهة فلسطين، جهداً في إيصال الدعم العسكري والامني والانساني لغزة بما يخفف من وطأة حصارها وتجويع شعبها.

والأهم أن تتضافر وتتقاطع الجهود العربية والايرانية والتركية على الاسس الآنف ذكرها في دعم المفاوض الفلسطيني.فحتى الان المساندة محدودة ومن ينتقدها عليه تقديم البدائل الممكنة.

وفي نقطة مهمة لما تشكله اسرائيل من خطورة بالغة على لبنان، خصوصاً بعد ما كشفت عن ساديتها المطلقة في غزة وما تهدد به لبنان على الدوام،من الواجب اللبناني العام ايضاً تعزيز الجبهة الداخلية بإحتضان المقاومة، خصوصاً أن أداء حزب الله في غاية الحكمة الوطنية والفعالية في وجه العدو الاسرائيلي.وفي اللحظة الراهنة لا يجب اشعار تل ابيب بمشهدية تفكك الداخل اللبناني، فالضعف يغري العدو بالمجازفة. صحيح ان هناك تباينات سياسية داخلية لكن في اللحظات التاريخية تفرض المصلحة العليا التعالي فوق الصغائر، هذا التعالي سيكون له تأثيره المهم مستقبلاً على المستوى الداخلي عندما تضع الحرب اوزارها والعكس صحيح،فعندما تتعزز الثقة بحسن النوايا والافعال في اللحظات الحرجة يكون تأثيرها حاسماً،وإذا كان لا يمكن للعدو ان يأخذ بالمفاوضات ما عجز عن تحقيقه في الميدان، فإنه يمكن للمنافسة السياسية ان تأخذ مداها في تحقيق النتائج الايجابية على مستوى الداخل الوطني، بما لا يمكن ان تحققه بالتعارضات السليبة والاستقواءات الخارجية،وعلى هذا الاساس فالإسناد الفاعل والمطلوب بشكل مباشر وغير مباشر يتطلب تبني فلسفة اخلاقية ووطنية وحضارية في غاية النقاء والذكاء.

والى المهولين بالحرب الاسرائيلية المفتوحة على لبنان، فإنها ستضاعف فشل”تل ابيب”وتعمق ازمتها،فاهداف العدو الاسرائيلي من هكذا حرب مع لبنان،والمعلن في تل ابيب، ابعاد حزب الله لما وراء الليطاني،وهذا يتطلب دخولا بريا،ليس من المؤكد ان تستطيع اسرائيل فعل ذلك، وإن فعلت ستعلق في رمال جبهتي فلسطين ولبنان المتحركة مفتوحة على رمال اخرى في الاقليم.

بالتأكيد مسألة توغل حزب الله داخل فلسطين المحتلة مسألة متواترة في قنوات السياسة والاعلام، وقد اعد لها الحزب بحيث يصبح السابع من اوكتوبر العام 2023 مجرد “بروفة”. وهكذا تبدو اسرائيل عالقة دون ان تجد ضوءا في آخر نفقها المظلم، لذلك هي توغل بما يضاعف فشلها ويعمق ازمتها

الحديث عن التضامن والاسناد يعني الحديث عن صناعة المعادلات،وينبغي للعرب والمسلمين الذهاب نحو صناعة معادلات القوة الخاصة بهم بعد إحالة ظاهرة العجز والخذلان العربي والاسلامي الرسمي والشعبي ل”غزة” لعلماء النفس والاجتماع،وما رافقها من انتقادات لحركة المقاومة الاسلامية حماس لإقدامها على تفجير عملية “طوفان الاقصى” وتحميلها تداعيات ما حدث ويحدث ل “غزة” او من لعن وطعن بالسادية الصهيونية وادعية منبرية بهلاك الاعداء.

اننا وبدل أن نفكر في تحقيق لوازم الايمان؛ وهو نصرة المؤمن لأخيه المؤمن، رحنا نجادل في الفرق والمرجعيات جدالا جاهلا جهولا، بينما اخوة لنا يتعرضون لإبادة جماعية.

ان الفرق والمرجعيات التي لا تهتم بأمر المسلمين وهم يقتلون على أيدي قوى البغي والعدوان، لهي فرق ومرجعيات وجماعات ونخب موتها أولى من حياتها.بل ان العدوان والبغي سيطالها جميعا، إذا تم تدمير الفئة المرابطة في غزة خاصة وفلسطين عامة.

الدرس الاهم من “طوفان الاقصى” والذي قد يعتبرها البعض دعوة حالمة،في ظل الانقسام الشديد والواقع المتأزم،هو اهمية كيفية صناعة المعادلات بدل التلهي بتكرار المعزوفة السالف ذكرها. ففي معظم المشادات مع اسرائيل،العرب لا تنقصهم عناصر خلطة اوكسير التغيير الكامنة نحو الافضل بل يفتقدون للدوافع والارادة والعزيمة،لتسييلها الى ارض الواقع،ويتأتى ذلك من اهمالهم للحق العام لصالح المصالح السلطوية الضيقة،ما يبقيهم حكاما ضعفاء على شعوب منهكة،رغم المقدرات الهائلة الكامنة لصناعة الفرص البديلة الممكنة.

منعاً للإستشكال في اذهان البعض في اللحظة التاريخية الحاسمة، “غزة” في نقاء جهادها شعباً ومقاومة هي معيار المواقف والافعال ووحدة القياس بين الحق والباطل ؛ الصح والخطأ ، في وقت إدلهمت فيه الخطوب ومعارك وحروب الفتن الداخلية ، جاءت حرب غزة جهاداً ناصعاً كالثلج فوق قمم الجبال،يمتحن معادن المواقف والافعال، فناصر من ناصر وساند من ساند وتضامن من تضامن ، وصمت من صمت وتخاذل من تخاذل وتآمر من تآمر ، اشرهم تركيبات استخبارية (جهادية) من تنظيمات وحركات وعمائم وأبواق صدعت رؤوسنا بالجهاد المزيف ودفنت رؤوسها وبلعت السنتها عند غزة حيث يكرم المرء أو يهان .

 

*كاتب صحفي ومحلل سياسي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى