رأي

هل يريد الحزب فعلاً.. العودة إلى الدولة؟(صلاح سلام)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:

 

كرة الثلج التي تدحرجت من أعالي جبال التفاؤل مع إنتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وإختيار القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، بدأت تذوب على أرض الواقع، ومتاهات الخلافات الداخلية من جهة، وتصاعد الضغوطات الخارجية من جهة أخرى، واستمرار الخروقات الإسرائيلية من جهة ثالثة، والتي بلغت ذروتها في الغارات المكثَّفة ليل الجمعة الماضي. 

الدعم العربي والغربي غير المسبوق للسلطة الجديدة مازال على حاله، ولكن إلى حين، بإنتظار تنفيذ خطوات عملية للشعارات وخطط الإصلاح الموعود، بالإضافة إلى بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وما يعني ذلك من حكر حمل السلاح للجيش والأجهزة الأمنية الشرعية. 

وإذا كان قطار الإصلاح يستعد للتحرُّك قبل نهاية الشهر الحالي، فإن موضوع بسط سيطرة الدولة والإمساك بقرار الحرب والسلم، ومعالجة مسألة سلاح حزب الله، يبقى هو ميدان الإختبار الحقيقي لمدى قدرة الوطن الجريح على التعافي، والخروج من دائرة الخطر الوجودي، المحدق به من كل صوب. 

من المؤسف أن يتحول موضوع وطني كبير مثل مسألة سلاح الحزب، إلى جدال يومي في البازار السياسي، وإلى مادة للمزايدات والتجاذبات السياسية والحزبية، بعيداً عن مصلحة الوطن، وتزيد الأمور تعقيداً، وتطلق العناوين للحساسيات الطائفية والمناطقية، وتصبُّ الزيت على نار التحريض والكراهية، خاصة على وسائل الإتصال الإجتماعي. 

في حين أن مثل هذه المسائل الحساسة ومخاطرها على البلاد والعباد، تتطلَّب الكثير من التروي والحكمة، بعيداً عن الإنفعالات الآنية، والعمل على الإستفادة من تجارب الشعوب والأمم الأخرى. 

إن تخلي الحزب عن سلاحه لا يعني إلغاءً لدوره السياسي والوطني في المراحل القادمة، بقدر ما يعني تكريساً لوجوده السياسي، وتعزيزاً لإحتمالات القيام بأدوار لم يستطع القيام بها بوجود جناحه العسكري، وما يسببه من إدراجه على لوائح الإرهاب في العالم. 

وجود حزب الله بما يمثل على مستوى بيئته السياسية والطائفية والجغرافية ضرورة لا بدّ منها، حيث يكون إنتظامه في العمل البرلماني والوزاري، فاعلاً، بل وشريكاً في القرارات المصيرية، بما فيها قرار الحرب والسلم، أو حتى الإصلاحات البنيوية في الإقتصاد والمال والإدارة، في إطار السلطة الشرعية، وتحت سقف الدولة وإتفاق الطائف، كما ورد في خطابات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم. 

ثمة نقاشات في بيئة الحزب، بل وفي بعض الحلقات الحزبية عن جدوى إستمرار التمسك بالسلاح في ظل هذا الإختلال في ميزان القوى مع العدو الإسرائيلي، الذي فُتحت له ترسانات الجيش الأميركي، وتم تزويده بأحدث الأسلحة والمعدات الألكترونية مجاناً، في حين كان شباب الحزب يحاربون باللحم الحي، وسطّروا ملاحم من البطولات بدمائهم وأرواحهم، وتقطعت بهم السبل، بعدما تخلى أقرب الحلفاء عن دعمهم. 

ومن يقول أن قضية فلسطين وتحرير القدس هي من مسؤولية حزب الله والشباب الشيعي وحده، بكل ما يحمله هذا التفرُّد بهذا التوجُّه من مخاطر على الوطن كله وأهله، وخاصة على المكوِّن الشيعي الذي دُمّرت مناطقه، وجرفت عشرات البلدات والقرى في الجنوب الحدودي، وبات مئات الألوف من العائلات بلا مأوى؟

وماذا فعلت إيران التي لم تستطع رد الغارات الإسرائيلية عن مواقعها الإستراتيجية في أراضيها، وعجزت عن حماية زعيم «حماس» إسماعيل هنية الذي إغتيل في قلب طهران بعملية إسرائيلية إستخباراتية، وكان سبقه بساعات إغتيال القائد في الحزب فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت؟ 

وكيف توصل العدو الإسرائيلي لمعرفة لحظة وجود الشهيد السيد حسن نصرالله في مكتبه، وقبله الوصول إلى قادة قوة الرضوان المجتمعين والإغارة عليهم في مركزهم السرّي؟ 

أما قضية تفجير البيجر وفي اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي فتبقى في  دائرة الشكوك المدمّرة؟ 

وبعد كل ذلك، كيف يمكن أن تتم المحافظة على فعالية السلاح بعد سقوط النظام الأسدي في سوريا، وطرد الإيرانيين من دوائر القرار والنفوذ السوري، وفرض الحصار المالي على الحزب في لبنان؟ 

 

*****

 

في التاريخ الحديث، خرجت منظمة التحرير من لبنان مع سلاحها ومسلحيها، وخاضت غمار الحوار السياسي والحل الديبلوماسي، وأنشأت السلطة الوطنية، وحافظت على بنيتها التنظيمية. 

في السياسة الدولية تخلت ألمانيا عن سلاحها وحلّت الجيش الذي إجتاح معظم البلاد الأوروبية، وبقيت منزوعة السلاح وتحت سيطرة الحلفاء ردحاً من الزمن، لكنها ما لبثت أن خرجت من هزيمتها وباتت صاحبة أقوى إقتصاد في أوروبا. 

اليابان هُزمت في الحربين العالميتين، وضُربت بالقنابل النووية، ولكنها إستطاعت أن تتبوأ مركز الصدارة بين الدول الأقوى إقتصادياً في العالم، لأنها تعاملت بواقعية وبساطة مع الاتفاق الذي فرضه عليها الحلفاء المنتصرون في الحرب. 

الواقعية السياسية هي الممر الإلزامي للخروج من دوامة التردد والإحباط، وبداية الطريق لإستعادة التوازن المنشود، حزبياً ووطنياً، والطريق المتاح للعودة جميعاً إلى الدولة. 

فهل يريد حزب الله فعلاً العودة إلى الدولة والعمل تحت سقف الطائف؟ 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى