د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
متعدّدة هي بوّابات هذا الخطر، والذي لم يعُدْ خطرا، انما اختراق للحدود وعمليات واغتيال ومنصّات ترصّد وتجسّس، وتصريحات رسمّية اسرائيلية لانجاز اتفاقات ضّدَ ايران، مع دول تشاطر ايران الحدود؛ بوّابة اذربيجان، بوّابة كردستان ، بوّابة الامارات والبحرين.
ولم تتردّد وسائل اعلام اسرائيل بالتصريح علناً ، وخلال زيارة وزير خارجية اسرائيل للبحرين ولقائه لملك البحرين، بأن دولة البحرين والكيان المحتل درسا انجاز اتفاق عسكري لمواجهة خطر المُسيّرات الايرانية على البحرين وعلى المنطقة (انظر في ذلك ،جريدة القدس العربي ليوم السبت الموافق ٢٠٢١/١٠/٢ ).
كيّف تصرّفت ايران ازاء هذا الخطر و بوّاباته؟
تلتزمُ ايران الصمتْ ، على الاقل لتاريخ اليوم، ازاء بوّابة الخليج ( البحرين و الامارات )، رغم سرعة وتيرة التطبيع، والإشهار عن تعاون امني وعسكري بين هذه الدول والكيان المحُتل، ورغم بعض التصريحات العدائية المستفزّة لايران.
لماذا هذا الصمتْ؟
ايران، ترى ،كما اعتقد، أنَّ جغرافية الامارات والبحرين وقدراتهما العسكريّة، لا تمنح اسرائيل عمقا عسكريا وامنيا للتدخل في ايران او للمناورة معها. كما انَّ وجود اسرائيل على الضفة الاخرى من الخليج ليس بالامر الجديد، فالقواعد الامريكية و البريطانية والفرنسيّة المنتشرة في البر والبحر والجو على ضفة الخليج هي بيوتات لاسرائيل، وتبادل المعلومات والتعاون بين اسرائيل وامريكا و الدول الغربية على قدمٍ و ساق، وخاصة في ما يخّصُ المنطقة وملفاتها.
وصمتْ ايران لا يعني تجاهلها لما يجري ويدور على الضفة الاخرى من الخليج، وقد يُغري صمت ايران هذه الدول بالتمادي والوقوع في فخ خطأ فادح، يمنح ايران فرصة التدخل الغليظ ، او على الاقل التهديد بالتدخل الغليظ و الابتزاز، والذي لا يفضْي الاّ بمكاسب لإيران، لاسيما و أنَّ دول الخليج لم تعُدْ على سّكة سير واحدة.
وبدأت ايران تعلن صراحة، على خلاف الماضي، بأن جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة ابو موسى هي جزء لا يتجزأ من الاراضي الايرانية ، وكأن لسان حالها يقول “لو لمْ تكْ ايران في هذه الجزر الاستراتيجية و منذ عام ١٩٧١، لكانت الآن قواعد عسكرية إسرائيلية”!
تُريد ايران في التزام الصمت ازاء مايجري بين اسرائيل و البحرين والامارات، ان تؤكد ما تقوله وتدعيه بعدم التدخل في سياسات دول الخليج ، وإنَّ عداءها مع اسرائيل وليس مع دول الجوار ، كما انها ( اي ايران ) في حوار بنّاء مع المملكة العربية السعودية، و تراهن كثيراً على هذه العلاقة، وترى في العلاقة أيجابيات تفوق سلبيات العلاقة الاسرائيلية الخليجية.
تواجه ايران ،كما تُصّرح رسميا وتقول، خطر تسلّل عملاء لإسرائيل الى الاراضي الايرانية، عبر اقليم كردستان العراق، وتتهم بعض الجهات في الاقليم بالتعاون مع هؤلاء الارهابيين، وتسهيل عبورهم وبالتنسيق مع الجهات المعنية في اسرائيل. وطالبَ قبل اسابيع، رئيس اركان الجيش الايراني حكومة الإقليم وكذلك الحكومة الاتحادية في العراق باتخاذ ما يلزم لمنع تسلّل الارهابين الى الاراضي الايرانية ( انظر في ذلك ،مقالنا المنشور بتاريخ ٢٠٢١/٩/٢٧ ، في مواقع متعددة وفي صحيفة رأي اليوم الاكترونية بتاريخ ٢٠٢١/٩/٢٩، المقال بعنوان مؤتمر التطبيع في كردستان و موقف ايران ). اكتفت ايران ازاء اقليم كردستان بالمطالبة بضبط الحدود والتحذير، وعزّزت موقفها باتصالات وتفاهم مع اقليم كردستان والسلطات الاتحادية. ولا تتردّد ايران ،بين الحين والاخر، بتنفيذ قصف مدفعي او صاروخي ،او طيران مُسيّر صوب مواقع تحسُبها ايران وكراً ومنطلقاً لعملاء الموساد تجاه الاراضي الايرانية.
ترى ايران، كما أظُنْ، بأن خطر استخدام اراضي اقليم كردستان ضّدْ امنها القومي قائم، ولكن تحت السيطرة، ومن السهل معالجته عسكرياً وسياسياً، وأصبحت الفعاليات العسكرية الايرانية وكذلك التركية في اقليم كردستان امراً مألوفاً، ومُبرّرة لهما ( لايران ولتركيا ) بحجّة الدفاع عن امنهما القومي، وتتعايش سلطات الاقليم، وكذلك السلطات الاتحادية مع الامر، وكأنه عملاً مشروعاً.
تتعامل كل من تركيا و ايران، بمرونة عالية وحذر، مع ادواتهما، على ارض الاقليم: لا تتردد ايران في استخدام وتوظيف الكرد المناهضين لتركيا إنْ لمست تعاونا تركيا اسرائيليا ضّد امن ومصالح ايران، وجميع هذه المناورات تتّمُ على ارض الاقليم، مما يجعلهُ مستضعفاً سياسياً وعسكرياً امام مصالح وقوة الدول الاقليمية المحيطه به.
تواجه ايران وعلى حدودها الشمالية، ومن بوابّة اذربيجان، خطريّن: خطر أمني وعسكري اسرائيلي وامريكي وخطر اقتصادي استراتيجي، بمحاولة اذربيجان و تركيا قطع الطريق البري الذي يربط ايران بأوروبا، والذي يمّرُ عبر الاراضي الارمينية الحدودية مع اذربيجان.
تأخذ ايران هذه المخاطر والتهديدات على محمل الجّد، ولم تكتفْ بالتصريحات التحذيرية الواضحة لاذربيجان وتركيا، وواجهتها بتحشيدات عسكرية واسعة و شاملة لمختلف الصنوف العسكرية، ومناورات عسكرية تقارب حالة حرب قائمة. لم تخفْ ايران معارضتها لسماح اذربيجان لاسرائيل بإقامة منصّات تجسّس وقواعد عسكرية تستهدف المصالح والاراضي الايرانية . ولم تسترْ ايران في تصريحات رسمية قيام تركيا واسرائيل بنقل أعداد كبيرة من ارهابي داعش و زجهّم على الحدود الشمالية الايرانية .
ما يُعين ويدعم ايران في موقفها إزاء اذربيجان وتركيا هو روسيا، حيث تعارض وبشّدة وجود الارهابيين على مقربة من حدودها وفي القوقاز، كما انها تعارض وبشّدة ايّ تغيير استراتيجي في جغرافية وسط وغرب اسيا وفي مسارات طرق نقل الطاقة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- ببروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى