دولياتسياسة

فرنسا إقليميا ودوليا:ماكرون يحصد نتائج سياسته العرجاء (هبة داودي)

 الجزائر – هبة داودي*

ليست العلاقة بين فرنسا والجزائر في أحسن أحوالها، حيث أعلنت قيادة الجيش الفرنسي الأحد، أن طائراتها العسكرية لم تحصل على ترخيص للتحليق في الأجواء الجزائرية، من أجل القيام برحلات نحو الساحل الإفريقي.

وكانت الجزائر قد استدعت السبت، سفيرها لدى باريس للتشاور، حسب بيان لرئاسة الجمهورية، عقب التصريحات غير المفندة، التي نسبتها العديد من المصادر الفرنسية، لرئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون، والذي لم يقم الأخير بتكذيبها، حسب بيان لرئاسة الجمهورية الجزائرية، والتي تجاوز فيها حدود اللباقة الدبلوماسية، حين تساءل “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”.

وأعربت الجزائر عن “رفضها القاطع، للتدخل غير المقبول، في شؤونها الداخلية”، معتبرة أن التصريحات الصادرة “تحمل في طياتها اعتداء، غير مقبول، على ذاكرة 5.630.000 شهيد، الذين ضحوا بالنفس والنفيس، في مقاومتهم البطولية، ضد الغزو الاستعماري الفرنسي، وكذا في حرب التحرير الوطني المباركة”.

وعددت الجزائر، في بيان رئاسة الجمهورية، جرائم فرنسا الاستعمارية على أراضيها، مشيرة الى أن ما قامت به “يستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية، ضد الإنسانية”، مع التأكيد على أن تلك الجرائم “لا تسقط بالتقادم، ويجب ألا تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها”.

وفي تناقض صارخ في تصريحاته، وهو الذي تساءل حول ما إن “كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي”، قال ماكرون” أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تمامًا الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها، وشرح أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون. وهو أمر يصدقه الجزائريون”.

الرئيس الفرنسي في تصريحاته المتناقضة، نسي أن من كانت في الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي هي الدولة العثمانية، وهو تأكيد على أن الجزائر كانت موجودة قبل الاستعمار الفرنسي عام 1830، وحاول أيضا المساواة بين التواجد العثماني بطلب من الجزائر، واستعمار أجداده للبلاد طيلة 132 سنة “من خلال محاولات، غير مجدية، لإخفاء فظائع ومجازر ومحارق وتدمير قرى بالمئات، من شاكلة واقعة (أورادور-سور-غلان) والقضاء على قبائل من المقاومين، وهي عمليات إبادة جماعية، متسلسلة، لن تنجح المناورات المفاهيمية والاختصارات السياسية، في إخفائها”.

وأتت التصريحات المتداولة على لسان ماكرون، أياما قليلة عقب استدعاء الخارجية الجزائرية، الأربعاء، السفير الفرنسي، فرانسوا غويات، احتجاجا على قرار باريس تشديد إجراءات منح التأشيرة للجزائريين، حيث استدعى الأمين العام لوزارة الخارجية، شكيب قايد، السفير الفرنسي، وأبلغه احتجاج السلطات الجزائرية على “قرار أحادي الجانب من الحكومة الفرنسية أثر سلبا على حركة الرعايا الجزائريين نحو فرنسا”، مضيفا أن هذا القرار الذي صدر دون تنسيق مسبق مع الجانب الجزائري، خلف لغطا إعلاميا بشكل طرح تساؤلات حول دوافعه وكيفية تطبيقه.

وكانت الحكومة الفرنسية، قد أعلنت الثلاثاء الماضي، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني كل من الجزائر والمغرب وتونس، مبررة خطوتها، بدعوى رفض هذه الدول (الجزائر وتونس والمغرب)، إصدار التصاريح القنصلية اللازمة، لإعادة مهاجرين غير نظاميين من رعاياها، متواجدين في فرنسا.

وفي حقيقة الأمر، استعراض العضلات الذي قام به المراهق السياسي، ايمانويل ماكرون، ليس الا تنفيس عن غضب مكبوت داخله، عقب الصفعات المتتالية التي تلقاها، وهو الذي يسعى جاهدا ومن ورائه حزبه “الجمهورية الى الأمام” الى تبييض صفحته، من أجل الظفر بعهدة ثانية خلال الرئاسيات الفرنسية المقبلة، والمرتقبة إقامة جولتها الأولى في 23 أبريل 2022، أما جولة الثانية فمن المزمع أن تكون في 7 مايو 2022.

وقد أثار التقارب الروسي- المالي، الأخير، حفيظة الرئيس الفرنسي، رغم أن التواجد الروسي ليس بالجديد، الا أنه أضحى أكثر من ذي قبل، وما زاد الطين بلة هو استلام الحكومة الانتقالية في مالي، الخميس الماضي، 4 مروحيات عسكرية روسية، مبرزا “مصداقية وجدية” روسيا، كما جاء على لسان وزير الدفاع المالي، الكولونيل ساديو كامارا، مضيفا بالقول إن روسيا “لطالما استجابت لنا”.

وأتت تصريحات كامارا، في ظل التوتر القائم بين باماكو وباريس، حيث أطلق ماكرون تصريحات نارية على الحكومة الانتقالية في مالي، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 76، بنيويورك، حين قال انها “ليست حكومة، كونها منبثقة من انقلابين”، في رد على قول رئيس الوزراء المالي، شوغل كوكالا مايغا، إن “فرنسا تخلت عن بلاده في منتصف الطريق، بسحبها قوة برخان”.

انتقادات ماكرون لم تتوقف عند هذا الحد، بل راح يطلق النار يمينا وشمالا على الدول الافريقية، لاعبا دور الوصي، حينما انتقد اعترافها بحكومة مالي الانتقالية.

وليس تواجد فرنسا في القارة الإفريقية، الا سعيا للإبقاء على نفوذها هناك، وعلى مصالح النخب الاقتصادية والعسكرية والسياسية الفرنسية، مستغلة حجة مواجهة الجماعات الإرهابية، للبقاء أطول وقت ممكن، والتمكن من استنزاف المقدرات ونهب الثروات الطبيعية والباطنية الافريقية، خاصة وأن مالي تعد ثالث أكبر منتج للذهب افريقيا، الى جانب الثروة الضخمة من النفط والغاز غير المستغلة، شمال البلاد، حيث تمتلك فرنسا حقوق التنقيب هناك.

وعقب توالي هزائم القوات الفرنسية المتواجد في مالي، عن طريق عملية “سيرفال” ثم “برخان” العسكريتين، وإسقاطها للكثير من المدنيين في مالي، عوضا عن الإرهابيين، ارتفعت الأصوات المطالبة بمغادرتها للأراضي المالية.

وليس التقارب المالي-الروسي، فقط، ما أرهق الرئيس الفرنسي، بل حتى التقارب الروسي-الألماني، من خلال خط الغاز “السيل الشمالي -2″، حيث استطاعت ألمانيا أن تؤمن لشعبها شتاء دافئا، بينما ستعاني الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، من شتاء قارس، في ظل الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار الفحم والكهرباء في العالم.

أضف الى ذلك، “الإهانة التاريخية”، التي تلقتها فرنسا من أستراليا، واعتبرها وزير الخارجية الفرنسية، جان ايف لو دريان “طعنة في الظهر”، عقب إلغاء كانبرا صفقة الغواصات، المقدرة بـ 56 مليار أورو مع فرنسا، وتوجهها إلى تشكيل تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وتوقيف اتفاق “ايكوس”، الأمر الذي لم تستسغه باريس، فحاولت الهروب الى الأمام، من خلال الإعلان عن اتفاقية “قديمة مستحدثة” مع اليونان، حليفها التقليدي،  بقيمة لا يمكنها تجاوز سقف تجاوز 6 ملايير أورو، ليس الجديد فيها الا اقتناء اليونان لـ 3 فرقاطات مع ترك المجال مفتوحا للرابعة،  في محالة بعث رسالة مفادها أنه مازال بإمكان فرنسا التموقع في الساحة الدولية، وبأن  الغاء استراليا للصفقة التاريخية لم يؤثر على الاقتصاد الفرنسي، رغم أن باريس أقامت الدنيا ولم تقعدها.

ولم تجد فرنسا، التي كانت شبيهة بالثور الجريح عقب الإهانة التاريخية من سبيل للتنفيس عن غضبها، الا قلب صفحات التاريخ، واستخراج ملف هو في حقيقة الأمر، مخز لفرنسا بقدر كونه مخز لحفنة من الخونة ابان الثورة الجزائرية، الى جانب استعراض عضلاتها امام مالي، الا أن دوام الحال من المحال، في ظل تموقع الدب الروسي في المنطقة، ومثلما وجدت فرنسا نفسها على الهامش في ليبيا، وضيعت حصتها من الكعكة الليبية، وخيانتها من قبل خادمها المطيع المملكة المغربية، التي عمدت الى التجسس على ايمانويل ماكرون، والعديد من المسؤولين والإعلاميين والحقوقيين الفرنسيين، من خلال برنامج بيغاسوس، المنتج من قبل شركة “إسرائيلية”، وتجاوزها بعد تطبيع علاقاتها رسميا مع الاحتلال “الاسرائيلي”، وهي التي كانت تلعب دور الوساطة بينهما، ستلفظها القارة الافريقية، قريبا خارج حدودها.

 *إعلامية جزائرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى