عرض سلوى فاضل
يستعرض الباحث والأكاديمي العراقي عبدالأمير كاظم زاهد في كتابه الضخم “نقد الأسس الدينية لدى الأصوليات الإسلامية المعاصرة” بـ 500 صفحة، ومن خلال 438 مصدرا ومرجعا عربيا، و32 مصدرا أجنبيا، وعلى مدى 3 فصول موّسعة ومفصلّة، أولها: الأصولية الإسلامية: المفهوم والسمّات والجذور التاريخية، وثانيها: المُتغيرات العقدية في الفكر الأصولي الإسلامي المعاصر، وثالثها: المتغيرات الفقهية في الفكر الأصولي الإسلامي المعاصر، مع خاتمة تتضمن استنتاجات ونتائج وخلاصة. مع الاشارة إلى أن كل فصل يضم عدة مباحث ومطالب. إذن هو جهد بحثي مهم ودقيق.
الأصولية
فمصطلح الأصولية، وهو مصطلح معاصر، لم يكن متداولا ما قبل مرحلة الثمانينيات، بعد إعادة بعث الإسلام المحمدي “الأصيل”، الذي بات العدو الأساس للسياسة الغربية بُعيد اندثار الشيوعية في كل من الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وخبوّ شأن الماوية في الصين.
اتسمت الأصولية الإسلامية بالتشدد والعنف من خلال العودة إلى الجذور التاريخية في تفسيرات دينية جانحة نحو تطرّف دموي، ومن خلال استجلاب كتابات ونصوص مُوغلة في القدم مع تفسير “راديكالي” للدين الإسلامي السمح، الأمر الذي أشعل الحرب في كل الجهات والجبهات، حيث بات الغرب عدوها الأول والأساس.
تفسير متطرّف
التفسير المتشدد للدين السماويّ، استدعى من العديد من البحاثة اعادة النظر بتفسيراتهم للعقيدة الإسلامية، خاصة أن “الجماعات الإسلامية تحتاج إلى تحليل ومقاربة في أسسها التي استقت منها مفاهيمها ونظريتها وأفكارها”.
وفيما يتعلق بـ”المُعاصرة” يحاول الزاهد في كتابه الذي هو في الأصل عبارة عن رسالة دكتوراه أعدّها عام 2015 اعادة الاعتبار لمصطلح ظهر في القرن الماضي بعد سقوط الخلافة العثمانية وتداعيات الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة إلى دويلات بما عُرف باتفاقية “سايكس-بيكو”.
وقد ركز الزاهد، في بحثه الأكاديمي البارز هذا، على شرح من يقصد بالحركات الإسلامية المعاصرة، مركزا على الوهابيّة، والإخوان المسلمين، وحزب التحرير، وتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). مما يعني أنه استثنى الأصوليّة الشيعية، ربما مُفردا لها كتابا آخراً، وربما لكونها لم تتخذ العنف والتكفير طريقا لها.
مع الاشارة إلى أن الإخوان المسلمين، حركة ظهرت بُعيد احتلال فلسطين، واستقت منها الإصولية الإسلامية الشيعية في كل من إيران “الإمام الخميني” والعراق “حزب الدعوة” مبادئها لجهة تأثرهما بمنظرّي الإخوان المؤسسين كحسن البنا وسيد قطب.
مميزات
يتميز البحث بأنه يسد ثغرة في الدراسات التي تغيب عن رفوف المكتبة العربية والإسلامية لناحية البحث العلمي غير السياسي الموّجه.
وما يؤلم الباحث أن الأصولية الإسلامية قدّمت الإسلام في القرنين العشرين والواحد والعشرين كدين عنف وقتل وإجرام، وعلى أنه بموقع مضاد لحقوق الإنسان ومعاد للحضارة الإنسانية العالمية، علما أن كل بذور الأخلاق الحضارية قال بها الرسول محمد (ص) قبل أربعة عشر قرنا.
فهذا التيار الجارف الذي نهض كالمارد فجأة من كبوته سمّى نفسه بـ”الجهادي”، ولكن جهاده كان ضد مجتمعه، ولم يكن يوماً ضد الصهاينة الذين احتلوا فلسطين أو ضد الإمبريالية. فهم أرادوا الهجرة من المجتمع الكافر نحو المجتمع المسلم، حيث كفرّوا المجتمع لاعادة اصلاحه، وبتكفيرهم هذا أجازوا لجهادييهم قتل الناس وسلب أموالهم تحت عنوان الجهاد والعنف، تاركين الانشغالات الأمميّة الأخرى كنقص الموارد والفقر وكافة التحديات في مهب الإهمال، تاركين خيرات المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج تحت سيطرة الأساطيل الغربية لتسرق وتنهب خيرات الشعوب.
سلب موارد المنطقة
من هنا يمكننا طرح سؤال يفرض نفسه: هل كانت هذه الحركات الجهادية الأصولية أداة بيد القوى الغربية دون أن تدري أم أنها كانت أداة تدمير لهذه المجتمعات بعلم ومعرفة منها، خاصّة أن الوهابية ولدت وعاشت ونمت على يد المخابرات البريطانية التي سلمت المنطقة إلى الوريث الأميركي فيما بعد؟
فالأصولية لم تكن سوى أداة تخلّف لهذه المجتمعات الغنية بالمواد الخام وبالموارد الغنية والطبيعية، التي تمد الغرب بالغاز والنفط والحضارات، وهي مهبط الديانات الثلاث والعالم القديم والتاريخ والثقافة….
السلفيّة المعارضة
ولا يخفيّ الزاهد أن السلفية كانت في الوقت نفسه قد وجدت نفسها على العكس من الأصوليات الإسلامية المعروفة، وعلى تضاد أيضاً معها، كما هو حال الشيعية السياسية، حيث لم يجد الباحث “في التراث الشيعي انسجاما ولو ضئيلاً مع الطروحات الأصولية، حتى حينما نجد تشابهاً في المقدمات نجد اختلافاً في الآثار..”.
ولا ينزع الزاهد صفة السلفية عن التراث الشيعي إطلاقا، وهذا يحتاج بحثا تفصيليا قد يكون مثيرا نظرا لارتباطه بالواقع السياسي الشيعي المعاصر.