دولياتسياسةمن هنا نبدأ

نظريات فوكويوما وهنتنغتون تبعث حية في حرب أوكرانيا..والعنصرية الغربية تفيق من سباتها(واصف عواضة)

كتب واصف- خاص الحوار نيوز

ما جرى ويجري على الحدود البولندية من ممارسات عنصرية بحق اللاجئين من غير الأوكران ،وما تناقلته بعض وسائل الاعلام على هامش الحرب في أوكرانيا ،فتح جدلا واسعا حول ثقافة الغرب وحضارته تجاه الحضارات الأخرى،وأعاد الى الأذهان نظرية “الغرب غرب ..والشرق شرق”.

وكان العالم قد ظن أن هذه النظرية قد مضت عهودها الى غير رجعة مع انتخاب “باراك حسين أوباما” ذي الأصول الأفريقية المسلمة رئيسا للولايات المتحدة الأميركية وتبوئه لأول مرة المقام الأول الأميركي لمدة ثماني سنوات بين العامين 2009 و2017 ،وكذلك وصول شخصيات من أصول شرقية الى مناصب مسؤولة في العديد من الدول الأوروبية ،وفي ظل الدساتير الغربية التي تناهض التمييز العنصري بين البشر.

لكن ما جرى ويجري على هامش الحرب الأوكرانية في قضية اللاجئين والتمييز بينهم ،فتح الأعين من جديد على نظريات سادت ثم بادت ،وتبين أنها ما تزال ماثلة في الأذهان على الرغم مما بذله بعض المسؤولين والمفكرين الغربيين لأزالتها وتمكين ثقافة جديدة من الحضور في المجتمعات المختلطة في الغرب .كما فتح الأعين من جديد على الجدل الذي ساد في بداية التسعينات حيال نظريات المفكرين الأميركيين فرنسيس فوكوياما وصامويل هنتنغتون ،صاحبي كتابي “نهاية التاريخ ” و “صراع الحضارات”.

عام 1992 أصدر العالم والفيلسوف الأميركي الياباني الأصل فرنسيس فوكوياما كتابه الشهير “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”.أوحى عنوان الكتاب للعامة أن فوكوياما يتحدث عن نهاية العالم والبشرية ،لكنه كان يقصد معنى آخر شرحه بتوسع في كتابه،مؤداه أن “انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم، قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان”. 

ارتبط اسم فوكوياما بالمحافظين الجدد، ولكنه أبعد نفسه عنهم في فترات لاحقة.وأُطروحَتهُ الأساسيَّة أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية. 

وهو لخص هدفه بالقول:” ما نشهده ليس مجرد نهاية الحرب الباردة، أو مرور فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، ولكنها نهاية التاريخ على هذا النحو … هذه نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وبداية عولمة الديمقراطية الليبرالية كشكل نهائي للحكومة الإنسانية.”

بعد ذلك بعام واحد (1993) أثار العالم السياسي الأميركي صامويل فيليبس هنتنغتون جدلاً كبيراً في أوساط منظري السياسة الدولية بكتابته مقالة  في مجلة “فورين آفيرز” بعنوان “صراع الحضارات“، وكانت رداً مباشراً على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما المعنونة نهاية التاريخ والإنسان الأخير

  هنتغتون من جانبه اعتبرها نظرة قاصرة، وجادل بأن صراعات مابعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين المقبلة.

 توسع هنتغتون في مقالته وألف كتاباً بعنوان “صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي “جادل فيه بأنه وخلال الحرب الباردة، كان النزاع آيديولوجياً بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع المقبل سيتخذ شكلاً مختلفاً ويكون بين حضارات محتملة وهي :

في كتابه، ركز هنتغتون على الإسلام نموذجا لنظريته فقال إن “حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية”، مشيراً لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع في السودان وجنوبه، بين الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس، وتساءل ما إذا كانت الهند ستبقى دولة ديمقراطية علمانية أو تتحول إلى دولة هندوسية على صعيد سياسي، ومشاكل الهجرة في أوروبا وتنامي العنصرية في ألمانيا وإيطاليا ضد المهاجرين من شمال أفريقيا وتركيا، ومشاكل المسلمين التركمان في الصين، صراعات المسلمين الآزيريين مع الأرمن، صراعات المسلمين في آسيا الوسطى مع الروس، صراعات المسلمين الأتراك في بلغاريا. ولكنه حدد الصراع بأنه بين “العالم المسيحي” بقيمه العلمانية من جهة، و”العالم الإسلامي” من جهة أخرى.

لقد أظهر الغرب على وجه الخصوص ،أميركيا وأوروبيا،حالة من الفجور تجاه روسيا لم يسبق لها مثيل.ولسنا هنا في مجال الدفاع عن الحرب الروسية على أوكرانيا ،بل أن العقلاء يمقتون كل أنواع الحروب التي غالبا ما يدفع ثمنها الأبرياء ،ولكن تصرفات الغرب تجاه هذه الحرب ،لا تلغي حقيقة الوزن بمكياليين تجاه القضايا العالمية،ما يؤكد ثقافة وفكر العقل الاستعماري ،ونظرة التعالي تجاه شعوب وحضارات العالم الأخرى.

وبديهي في هذا المجال طرح الكثير من الأسئلة ،عما فعلته وتفعله أميركا والغرب في أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن وغيرها من الدول ،لدرجة وصلت بالإدارة الأميركية الى دخول بلد مستقل ك”باناما” واعتقال رئيسه ونقله مخفورا الى الولايات المتحدة.وكل ذلك جرى على بعد آلاف الكيلومترات عن عواصم الغرب،فكيف الأمر بالنسبة لدولة كبرى وأحد الجبارين كروسيا عندما تصبح حدودها مشرّعة وأمنها القومي مستباحا،ليس فقط من جار تعتبره جزءا من كيانها ،بل يأتي الغرب بكل صلفه عبره ليهدد هذا الجبار الذي كان يوما ندا بند لهذا الغرب المتعالي.

وكيف يحق لدول كبريطانيا وفرنسا وألمانيا بالتحديد،أن ترفع عقيرتها بمثل هذا الخطاب والعمل السمج ،وهي التي استعمرت أو احتلت بلدانا لمئات السنين ونهبت خيراتها وما تزال تفرض ظلها على معظم هذه البلدان، وتساند الكيان الصهيوني في احتلاله لفلسطين؟

وهل كان أدولف هتلر على حق عندما غزا العالم وخلّف وراءه 25مليون قتيل،بينما فلاديمير بوتين على باطل وهو يدافع عن حدوده الطبيعية قبل أن ينهك الغرب روسيا ويفكك اتحادها ،وهو فعل وأسهم قبلا في تفكيك الاتحاد السوفياتي؟

وعود على بدء..

إن ماحصل ويحصل على حدود أوكرانيا مع بولندا وغيره من تمييز عنصري في قضية اللاجئين ،هو نموذج مصغر عن عقل الغرب وفكره ،وتأكيد لنظريات فوكوياما وهنتنغتون،وهو ما يحفز دول الشرق على بناء استراتيجيات جديدة رادعة في كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والعلمية ،بعدما سبقها الغرب بمئات السنين،نتيجة التفكك والتبعية والصراعات الصغيرة.وأغلب الظن أن العالم بعد حرب أوكرانيا لن يكون كما بعدها إذا توفرت الإرادة لدى المنظومة الشرقية ،وأبرز دولها روسيا والصين وإيران والهند وغيرها،وهي التي تملك من مصادر الثروة ما يدفع الغرب الى تغيير أنماط تعامله مع الحضارات الأخرى.    

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى