رأي

نظام الحجاج بن يوسف الثقافي(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار اليوم:

 

 

لا مشكلة اذا كانت تركيا، الدولة التي استولت، عام 1939، على لواء الاسكندرون، هي عرابة النظام الجديد في سورية. لا مشكلة أيضاً اذا كان هذا النظام يمد يده الى اسرائيل التي استولت على مرتفعات الجولان، عام 1967. تريدون مثالاً. بيسمارك الألماني احتل الألزاس واللورين الفرنسيتين عام 1870، لتستعيدهما فرنسا في الحرب العالمية الأولى. في الحرب العالمية الثانية، احتل ادولف هتلر باريس. ها هي العلاقات في ذروتها بين فرنسا وألمانيا، حتى إن طائرات ألمانية تشارك في العرض الذي يقام في العيد الوطني الفرنسي.

لا بد من الواقعية السياسية ( Realpolitik). المصطلح الذي ابتكره المفكر، ورجل الدولة، الألماني لوفيغ فون روشو، عام 1853، ليغدو شائعاً في العلاقات الدولية، وان كان هناك من يرى الوجه المكيافيلي لهذه السياسة.

هكذا فات محافظ دمشق ماهر مروان أن يستقبل بباقات الزهر دبابات هرتسي ليفي عند سفوح جبل حرمون، أو عند مدخل القنيطرة، أو مدخل درعا، أو حتى عند أبواب دمشق. الرجل، ربما متأثّراً بتلك السياسة، وضع جانباً كل تلك الأراضي السورية المحتلة (المحتلة الى الأبد)، ودعا الولايات المتحدة الى “تحسين” العلاقات بين سورية واسرائيل التي “ليست عدوتنا”، والتي “يحق لها أن تقلق”، وأن “تقصف قليلاً وتتقدم قليلاً”.

يحق للاسرائيليين أن يقلقوا. السوريون لا. قصفت قليلاً يا سعادة المحافظ (ويا سيادة القائد) حين تدمر كل سلاح الجو، وكل سلاح المدرعات وكل سلاح المدفعية وكل سلاح البحرية في سورية لتغدو دولة منزوعة السلاح، تقدمت قليلاً حين تصبح على قاب قوسين من دمشق؟

مروان بقي في موقعه بعدما رأينا في كلامه الفضيحة ذات الأجراس. أي فضيحة، لكننا لاحظنا في تصريحات قائد الادارة الجديدة أكثر من اشارة ود الى تل أبيب، ولتذهب مرتفعات الجولان، وليذهب جبل حرمون، الى الجحيم. في هذه الحال، هل تبقى سورية خارج الجحيم؟ لمن يبيع بلادهم هؤلاء للسلطان أم للحاخام. على مواقع التواصل صورة لأحمد الشرع وبنيامين نتنياهو في سوق الحميدية. جمهور الاسلامين جاهز للتهليل والتكبير. متى كان هذا النوع من الاسلاميين ضد اسرائيل؟

لا شك أن سورية الجريحة منهكة. أهراءات روما باتت بحاجة الى رغيف الخبز، وكان لا بد من التغيير بعدما بلغت الضائقة الاقتصادية حدود الانفجار، ليزداد الفساد، والقمع، والاستئثار الخشبي بالسلطة. وكنا نأمل من النظام البديل ألا يكون صناعة تركية، بتركيبة طائفية لا مدنية، وألا تلحظ الصفقة التي أتت به فتح الأبواب، على مصراعيها، ليكون تغيير المنطقة.

ثمة مناطق في سورية تخضع لسلطة الغستابو (الغستابو الاسلامي). ملثمون ومقنّعون (على غرار النظام المقنّع) من داغستان، وطاجكستان، والشيشان، ناهيك بالمقاتلين الذين بعث بهم راشد الغنوشي من منطقة الجبال، جنوب تونس، لنقل سورية من النظام التوتاليتاري الى النظام الثيوقراطي.

كيف يمكن أن يكون النظام اسلامياً ولا يكون هناك الحجاج بن يوسف؟ وكيف يمكن أن يكون النظام تركياً ولا يكون هناك جمال باشا السفاح، وان كان النيواسلاميون قد ابتدعو ا وسائل أكثر فاعلية من المشانق التي لم تعد موضة العصر…

الكل في الشرق وفي الغرب يعلم من هي السلطة الحقيقية في سورية، ومن هي الدمى الاصطناعية في سوريا. ثمة سيناريو تم اعداده بدقة لتتقاطع ساعة دونالد ترامب مع ساعة رجب طيب اردوغان لتغيير الشرق الأوسط وفق الرؤية التوراتية. لا غزة هناك ولا الضفة. اسرائيل الكبرى مقابل تركيا الكبرى. ولكن ليقرأ الرئيس التركي مقال أميت ياغور، والذي كان نائب رئيس الساحة الفلسطينية، ورئيس الساحة الشمالية في الاستخبارات البحرية، في صحيفة “معاريف”، يوم أمس السبت.

ياغور يحذر من تصاعد الوجود التركي في سورية لأن اردوغان برمي الى اقامة نظام اقليمي جديد بقيادة “الاخوان المسلمين”، داعياً الولايات المتحدة الى اطلاق “مشروع مارشال” لاعمار سورية وانقاذها من السيطرة التركية.

مثلما يخطط دونالد ترامب لتوسيع مساحة الولايات المتحدة بالحاق كندا بالولايات الخمسين، والاستيلاء على قناة بنما، وشراء غرينلاند، يخطط لتوسيع اسرائيل ليس فقط باضافة القطاع والضفة بعد تفربغهما من الفلسطينيين، وانما أيضاً لاقتطاع تلك المساحة من سورية التي تمكن تل أبيب من التحكم بالمثلث السوري ـ الأردني ـ العراقي. أمبراطورية ترامب في القارة الأميركية، ومنها الى العالم، وأمبراطورية نتنياهو في الشرق الأوسط، ومنه الى العالم…

الطريق الى البيت الأبيض، هذه المرة، مرصوف بجثثنا. هذا حين كان جو بايدن، وهو البطة العرجاء. ماذا حين يكون “الغول” في المكتب البيضاوي؟ أربع سنوات، وربما أكثر، من مسلسل الغرائب، والعجائب في منطقتنا التي لطالما كانت منطقة الغرائب والعجائب!!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى